الجديدة - أحمد مصباح
تحتضن الجديدة وأزمور، خلال الفترة الممتدة من الجمعة 26 حتى الأحد 28 تموز /يوليو الجاري، فعاليات الملتقى الدولي الثالث لفن الملحون، تحت شعار "فن الملحون والسماع الصوفي". وحسب المنظمون، فإن"ملحونيات 2013" تعتبر تأكيدا واستمرارا لتصور الدورة الثانية "ملحونيات 2012"والذي يتأسس على البحث في كونية فن الملحون، وانفتاحه على الفنون الإنسانية جميعها، بغض النظر عن الاختلاف والتباين الجغرافي والثقافي؛ والتأكيد على غنى وانفتاح الهوية المغربية متعددة المكونات والروافد. وكذلك التأكيد على أن الذكر والسماع الصوفي، بما يختزله من متون شعرية، وقوالب فنية موسيقية، يشترك مع فن الملحون في بداياته الأولى التي كانت دينية (توسلات، ومديح نبوي ...)، ويتقاطع معه على مستوى الشعر والنغم والإيقاع.
ويتزامن مهرجان "ملحونيات 2013"، هذه السنة، في دورته الثالثة، مع شهر رمضان المبارك ما يجعله يتسم بأبعاد ودلالات الرحمة والمغفرة والتسامح والزهد، وما يصاحبه من نفحات وجدانية.
وتقام فعاليات الملتقى الثالث لفن الملحون، طيلة أيام الجمعة والسبت والأحد، في ساحة "براها مول نيس" في مدينة أزمور (15 كيلومترا شمال الجديدة)، وفي حديقة محمد الخامس، في عاصمة دكالة (الجديدة). وستعرف هذه التظاهرة مشاركة فنانين مرموقين من المغرب، والجزائر، ومصر، وفرنسا.
ويتسم الطابع الموسيقي للمهرجان، بالسماع الصوفي والمديح النبوي، والغناء الديني "الصعيدي" لمصر، والفن الشعبي الجزائري، والموسيقى والنشيد الديني. وثمة ندوة فكرية منتقاة عن "فن الملحون والسماع الصوفي : البدايات ونقاط التلاقي".
وشهد الملتقى الثاني لفن الملحون "ملحونيات 2012"، نجاحا وتميزا من حيث التنظيم، ونوعية البرامج، وجودة الفرجة، حيث استمتع جمهور غفير، قدر بـ 70 ألف متفرج في الجديدة وأزمور، بأطباق غنية ومتنوعة من فن المحلون، قدمت له في 5 حفلات، على 3 خشبات، بمشاركة 150 فنانا من المغرب، وتونس والجزائر، وإيران، والقطر العربي الشقيق لبنان.
فنانون مبدعون، تألقوا في سماء الفن الشعبي لجزائري، والغناء والنشيد الصوفي، والموسيقى والغناء الروحي. وتخللت مهرجان فن الملحون في دورته الثانية، ندوات فكرية عن "الفن الشعبي الجزائري، والغناء والنشيد الصوفي، والموسيقى والنشيد الروحي".
وحسب عامل إقليم الجديدة معاد الجامعي، فإن "الخصوصية المغربية التي وسمت ميلاد ونشأة وازدهار فن الملحون المغربي، أتاحت له خلق ونسج تعالقات غنية ومتنوعة، مع مجموعة من الفنون والأنواع الغنائية، كالزجل والتواشيح والترانيم، بمفهومها الواسع، ونوبات وميازين طرب الآلة، والتراكمات الموسيقية والغنائية، التي كانت ثمرة الاحتلال الذي جثم على ظهر مدينة الجديدة، عبر تاريخها الضارب في القدم، أو من الحركة الاقتصادية والتجارية التي عرفتها (أزمور)، منذ قدم العصور، لما شكلته كمنطقة جذب واستقطاب، تحظى بموقع استراتيجي، يمتلك مؤهلات وثروات، وبنية تحتية، تتميز بمينائها البحري المشهور. كما أن ارتباط أزمور ومدينة الجديدة المتقاربتين من حيث الجغرافيا، يعد ارتباطا تاريخيا، باعتبار أن المدينتين تمتلكان شخصية ثقافية منفتحة على الثقافات، ضمنها البرتغالية، والأندلسية، والعربية، والأفريقية، والفرنسية، والعبرية، وغيرها.
ومن المؤكد أن هذه التعالقات جعلت شعر وفن الملحون فنا متجذرا، صامدا في وجه المتغيرات. وهي التي تجعلنا اليوم نجدد الدم في عروقها، عن طريق الاحتفاء بها، واستثمارها في إعادة بنائها، بما يتطلب ذلك من دقة وتنوع وجمالية، لهذا، ارتأينا أن نخصص الدورة الثالثة للملتقى الدولي لفن الملحون "ملحونيات 2013" لتجسيد هذا التنوع الغنائي الغني، إيمانا منا بالدور الأساسي والمهم، الذي يمكن أن يلعبه هذا التراث الثقافي والفني المشترك، في نثر الغبار على معالم الهوية المغربية، وخلق الجاذبية المنشودة، وفي تحقق الفرجة والإمتاع.
ولعل الحاجة إلى مشاركة هذا التاريخ التراثي الحضاري المشرق، لهاتين المدينتين العريقتين (الجديدة وأزمور)، هي التي تفرض بكثير من الأمل، خلق فسحة لاسترجاع واستثمار هذه الذاكرة، والبحث لها عن موطئ قدم، ضمن فسيفساء وجغرافية الاستثمار الثقافي التراثي في المغرب. إنه الإطار النظري، والدواعي الموضوعية، التي تؤسس للملتقى الدولي لفن ملحونيات، والذي يمكن اعتباره رهانا قويا لاستتباع مبادرات ثقافية أخرى، تجعل من مدينة أزمور، إلى جانب الجديدة، مجالا جذابا، ومنارة ساطعة، وقبلة لكل المسكونين بهوس التراث والثقافة الكونية، والفن الغنائي الإنساني".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر