ذكاء الإنسان بين الوراثة والمحيط الاجتماعي
آخر تحديث GMT 07:17:55
المغرب اليوم -

ذكاء الإنسان بين الوراثة والمحيط الاجتماعي

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - ذكاء الإنسان بين الوراثة والمحيط الاجتماعي

برلين ـ وكالات

يعتقد الكثيرون أن معدل الذكاء مرتبط بانتماء الإنسان إلى مجموعة عرقية معينة، إلا أن الدراسات العلمية تثبت أن المحيط الاجتماعي والأحكام المسبقة المرتبطة بمجموعة عرقية قد تحدّ من أدائها العقلي أو تزيده.يسود لدى الكثيرين اعتقاد خاطئ بأن الاختلافات الخارجية، مثل لون البشرة أو العرق، تعني بشكل مباشر اختلافات في الصفات الجينية أو الشخصية. هذا الاعتقاد يعتبره أندرياس هاينز، مدير عيادة الأمراض النفسية والعلاج النفسي بمستشفى شاريتيه في برلين، بسيطاً جداً ولا يمكن أن يكون صحيحاً.ويضحك هاينز على طبيبة أطفاله، التي تعتبر أن الأطفال ذوي البشرة الداكنة أو العيون السوداء سيكبرون ليكونون من مثيري المشاكل في المدرسة، مضيفاً أن "الواضح لدى الكثيرين أن والد هؤلاء الأطفال لا بد وأن يكون تركياً أو عربياً"، وأن ذلك يوضح سبب إثارة هذا الطفل للمشاكل في المدرسة. ويتابع أندرياس هاينز بالقول: "لكن والد هذا الطفل ألماني ينحدر من منطقة شوابيا ويعمل طبيباً".وتشهد مؤخراً النظريات التي تربط بين الأداء الاقتصادي لبلد ما ومعدل الذكاء لدى سكان هذا البلد والمميزات الجينية المشتركة لديهم نهضة جديدة، لاسيما تلك التي تربط بين القواسم الجينية المشتركة لمجموعة عرقية معينة وتأثيرها على متوسط الذكاء لديها، والتي باتت تشغل حيزاً كبيراً من البرامج الحوارية والصحف وأبحاث العلماء في ألمانيا، خاصة منذ أن نشر السياسي الألماني تيلو زاراتسين كتابه المثير للجدل قبل عامين.وفي هذا الكتاب، الذي حمل العنوان المستفز "ألمانيا على طريق الفناء"، تنبأ زاراتسين بمستقبل مظلم لألمانيا، بسبب تراجع مستوى التعليم وغياب القدرة على دمج ذوي الأصول المهاجرة، لاسيما المسلمين والمنحدرين من تركيا. ويرجع زاراتسين تراجع مستوى التحصيل الدراسي للتلاميذ المسلمين وذوي الأصول المهاجرة التركية إلى أن أولئك التلاميذ "ورثوا" ذكاءهم من أهاليهم.يتعرض التلاميذ من أصول مهاجرة، خاصة الأتراك والمسلمين، لأحكام مسبقة قد تؤثر على تقييم تحصيلهم الدراسي في ألمانياوبالفعل، فإن الجينات تلعب دوراً كبيراً في تطور الذكاء لدى الإنسان، بحسب ما يقول الطبيب أندرياس هاينز، إلا أنه يشير إلى عدد كبير من الدراسات التي تثبت أن البيئة الاجتماعية تلعب دوراً "طاغياً" على الأداء العقلي للإنسان، وهو ما يعني أن نتائج اختبارات الذكاء للأشخاص المنحدرين من مجموعات عرقية مختلفة مرتبطة بالبيئة الاجتماعية لأولئك الأشخاص.وتشير دراسة أجريت في سبعينات القرن الماضي في الولايات المتحدة على الأطفال السود الذين تبنتهم عائلات بيضاء إلى ارتفاع في مستوى ذكائهم، مقارنة بالأطفال البيض والسود الآخرين. وتشير إحصاءات سنة 2011 في ألمانيا إلى أن 62 في المئة ممن لم ينهوا دراستهم ينحدرون من أصول مهاجرة، وأن ذوي الأصول المهاجرة يشكلون 20 في المئة فقط من حاملي شهادة الثانوية العامة.وعادة ما يبحث الدارسون عن أسباب ذلك في الاختلافات العرقية والثقافية، خاصة لدى المنحدرين من أصول تركية والمسلمين، وهو ما ينتقده الباحث في شؤون التعليم جوشكن جنان من جامعة هومبولد في برلين.ويضيف جنان أن التقارير التي تتطرق إلى مستوى التحصيل المدرسي لدى التلاميذ من أصول مهاجرة نادراً ما تنظر إلى الأوضاع المعيشية الصعبة لأولئك التلاميذ أو إلى الفقر الذي تعاني منه عائلاتهم أو النقص الواضح لدى المدرسين والمربين في التعامل مع أطفال المهاجرين. ولهذا ترسم تلك الدراسات صورة للتلاميذ من أصول مهاجرة على أنهم فاشلون ورافضون للاندماج في المجتمع.وإذا ما نظر المرء بنوع من المفاضلة إلى ذوي الأصول التركية، فسيجد أن الجيل القديم من هؤلاء المهاجرون هم من لا يحملون شهادة مدرسية، ورغم أن الجيل الجديد من المهاجرين أسوأ من ناحية التحصيل الدراسي مقارنة بالتلاميذ الألمان، إلا أنهم أفضل بكثير من الجيل الأقدم من المهاجرين.وتنتمي النساء اللواتي وُلدن في ألمانيا إلى الفئة الصاعدة تعليمياً، إذ إن ثلثهن يتقدمن سنوياً لامتحان شهادة الثانوية العامة أو الثانوية المهنية في ألمانيا، والنسبة في ارتفاع. ورغم أن هذه النسبة قليلة مقارنة مع التلميذات الألمانيات، اللواتي يمضي نصفهن تقريباً إلى الجامعة، إلا أن ذلك مقرون بالجيل السابق لهن، واللواتي يحملن شهادات عليا.ويوضح جوشكن جنان أن "النساء ذوات الأصول التركية اللواتي وُلدن في ألمانيا يشكلن الدافع الرئيسي للمجموعة بأكملها... نعتقد بأنهن سيتمكنّ من دفع الذكور"، الذين يراوحون مكانهم في التحصيل الدراسي.يسعى أندرياس هاينز وفريق علمي في مستشفى "شاريتيه" لمعرفة مدى تأثير الإقصاء الاجتماعي على مستوى ذكاء الإنسانويحذر جنان من أن الأحكام المسبقة قد تتحول إلى حقيقة، خاصة إذا ما ثبتت صورة ذوي الأصول التركية كرافضين للاندماج في المجتمع، وهو ما قد يقود إلى تبني أبناء المهاجرين لهذه الصورة تدريجياً، وهي ظاهرة يطلق عليها علماء الاجتماع اسم "تهديد الأحكام المسبقة".فعلى سبيل المثال، عندما لا يتوقع المدرس من تلميذ من أصول تركية نفس المستوى الذي يتوقعه من بقية التلاميذ، فإنه سيعرقل فرص رفع أداء هذا التلميذ. حول ذلك يشرح جوشكن جنان بالقول: "إذا ما كان مستوى التلميذ بين جيد ومقبول، فإن المدرس قد يعطيه درجة مقبول".وقد يظن المدرس أن التلميذ لن يحرز أي نجاح يذكر في المستوى الدراسي الأعلى، وهو ما قد يدفعه لكتابة توصية بإدراج التلميذ في مستوى تعليمي أقل، وهذا حكم مسبق يعمم على جميع التلاميذ من الأصول المهاجرة، وهو ما قد يؤدي إلى عدم اكتشاف الطاقة الكامنة في أولئك التلاميذ.هذا النوع من التمييز في تقييم المستوى الدراسي يخلق نوعاً من التغير في الدماغ وقد يؤثر سلباً على العمليات الإدراكية لدى التلميذ، حسب ما يقول أندرياس هاينز من مستشفى "شاريتيه" ببرلين. وقد أثبتت التجارب على الحيوانات أن التوتر الناجم عن فصلها عن المجموعة يخلق أثراً دائماً في الدماغ.ويؤكد هاينز أن هذه التجارب على الحيوانات تشكل نموذجاً ممتازاً لقياس هذه النتائج، مضيفاً أنه عندما يقوم حيوان شرس بإزاحة أحد حيوانات التجارب، فإن جسم حيوان التجارب يقوم بإفراز هرمونات التوتر، إضافة إلى مادة السيروتونين الناقلة، والتي ترتبط عادة بحالات الإحباط. كما أن كمية هرمون الدوبامين، المرتبط بالقدرة على التعلم، في الجسم تتغير بشكل كبير. هذا كله يؤدي إلى تغيرات في النشاط الدماغي قد ترثه الأجيال اللاحقة.ويقوم هاينز وفريق من الباحثين حالياً في مستشفى "شاريتيه" بدراسة ما إذا كان الدماغ البشري يعمل بنفس الأسلوب الذي يظهر في التجارب على الحيوانات، ويسعى إلى معرفة ما إذا كان التوتر الاجتماعي لدى الإنسان قد يسبب تفاعلات كيميائية في الجسم.كما يسعى الفريق العلمي إلى الإجابة عن تساؤلات مثل: هل يؤدي ذلك إلى تعطيل الجينات المسؤولة عن مستوى الذكاء؟ وهل يؤدي الانعزال الاجتماعي إلى بقاء الأداء العقلي للأشخاص المعزولين أدنى من المستوى الطبيعي لديهم؟ وهل يمكن توريث هذا التفاعل الناجم عن التوتر الاجتماعي؟ ويعتقد أندرياس هاينز أن الإجابة على كل هذه التساؤلات قد تكون بنعمالواضح حتى الآن هو أن الإقصاء الاجتماعي من خلال التوقعات السلبية يضر بالإنسان، ولهذا يجب دعم كل ما يؤدي إلى تطوير مستوى الذكاء، بدءاً باللغة وانتهاء بالتغذية الصحية، إذ يقول هاينز: "أسوأ ما يمكن أن يحصل لشخص ما هو تصنيفه في خانة معينة مدى الحياة".

yeslibya
yeslibya

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكاء الإنسان بين الوراثة والمحيط الاجتماعي ذكاء الإنسان بين الوراثة والمحيط الاجتماعي



تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya