أصبح بحث أزمة التعليم في المغرب استنادًا إلى التقارير الوطنية والدولية والدراسات المؤسساتية مبتذلًا؛ بما فيها الإحصائيات المخجلة عن ضعف تعلمات التلاميذ، وتدني قدراتهم المهارية. ويلاحظ ؛ وهذا هو المؤشر الخطير؛ أن التلميذ المغربي الواحد يكلف خزينة الدولة 13000 دهـ سنويا أي من 36 إلى 40 دهـ يوميا ، وبميزانية عامة وصلت سنة 2017 إلى قرابة 45 مليار دهـ . ويعد قطاع التعليم الأكثر استنزافا للنفقات العامة ، بيد أن مخرجاته تكبد الدولة خسائر فادحة في شكل معطيات عن تدني مستوى الكفايات لدى التلاميذ والأطر التعليمية ، وتمس بشكل مباشر أداء الأطر المغربية حاليا في جميع القطاعات الخاص منها والعام .
ولمقاربة موضوع الأزمة التعليمية ؛ سننتهي حتما إلى مداخل أو بالأحرى مفاتيح تعد ؛ برأي المراقبين ؛ المسؤولة عن الوضع الكارثي الذي تتردى فيه الوضعية التعليمية الحالية ؛ منها قضية الحكامة وضعف أو بالأحرى غياب المحاسبة ؛ وتحكم البيروقراطية والنظرة العمودية المركزية إلى جانب غياب واستثمار البحوث الميدانية الخاصة بتقصي ومتابعة أوجه الاختلالات القطاعية ؛ وتشتت القرار عبر مستويات متعددة ؛ من المركزي إلى الجهوي فالإقليمي ثم المحلي .. مع ما ترافقه من ميزانيات ؛ تتآكل أحجامها بتعدد أيادي تدبيرها وصرفها ، فضلا عن غشيان ظواهر لاتربوية داخل المؤسسات التعليمية كغياب الجسور بين المؤسسة التعليمية والأسرة .
الوسائل الديداكتيكية وتقادمها
لعل من أبرز وجوه الاختلالات التي يشكو منها القطاع حاليا وجود محفظة ديداكتيكية متقادمة ؛ ما زالت معتمدة في تدريس كثير من المواد التعليمية كالسبورة السوداء والكتاب والأستاذ/المعلم بالرغم من وجود حصص باهتة في مادة التعرف إلى أوليات استخدام الحواسيب وهي معطلة في معظم المؤسسات التعليمية للنقص الحاد في الأطر التقنية التربوية .
قراءة في المشروع الحكومي
تعتزم الحكومة ؛ في الأيام القادمة ؛ تدشين السنة الإدارية 2018 بالتصويت على مشروع بنزع مجانية التعليم في " السلكين العالي والثانوي التأهيلي " مع التأكيد على " ضرورة استمرارية مجانية التعليم الإلزامي ... ومنح تسهيلات جبائية للتعليم الخاص " .
ويأتي هذا المشروع في ظل وضعية تعليمية قاتمة ، ويضمر المشروع نية بالتعاطي "العادل والمستحق مع الرسوم المستحقة عن التعليم لفائدة الأسر ذوات الدخل المحدود ..."
ونلاحظ أيضا تكريس عامل التفاوت الطبقي بين التعليمين في القطاعين العمومي والخاص ، مع منح هذا الأخير امتيازات في الأداء الضريبي ... وستكون من تداعياته منح فرص أكثر للتلاميذ المنتمين إليه ، مما سيحدو بالآباء إلى تفضيل التعليم الخاص رغم علاته التي يمكن إجمالها فيما يلي :
- تنميط التعلمات وتركيزها على مهارات معينة ؛
- حصر اهتمام التلميذ في مواد خاصة دون سواها ؛
- تهيئ التلميذ منذ البداية لمواد الامتحان ؛
- تساهل في تنقيط أنشطة التلميذ ؛
- صعوبة مسايرة تلميذ التعليم الخاص في التعليم الجامعي ؛
- أطر التعليم الخاص بما فيها الإدارة والأطر التربوية لا تخضع لتكوينات منتظمة ؛
نزع المجانية لكن بشروط
حتى إذا تم التصويت لفائدة المشروع الحكومي بنزع مجانية التعليم ، فسنلاحظ في أعقاب إنزاله وتفعيله تحول جماعي إلى التعليم الخاص ؛ ما دام الأداء سيشملهما معا في السلكين الثانوي التأهيلي والعالي (في الخاص والعمومي)
لكن هذا الأداء ؛ سيكون على جمعيات آباء وأولياء التلاميذ الرفع من سقف شروطه التربوية والتوظيفية ، منها على وجه الخصوص:
* تطوير الأساليب الديداكتيكية حتى لا تبقى قصرا على الكتاب المدرسي والسبورة ؛
* إعادة تأهيل الأطر التربوية وعدم القبول بالأساتذة المتعاقدين أو المؤقتين لضعف تكوينهم ؛
* التزام الدولة بفتح آفاق الشغل في وجه الطلبة الخريجين ، وعقد شراكات التعاون بين المؤسستين المقاولاتية والتعليمية ؛
* منح جهاز جمعيات آباء وأولياء التلاميذ صفة المراقب والمستشار في إعداد البرامج التعليمية والديداكتيكية ؛
* منح تسهيلات مشجعة أمام مؤسسات الاستثمار في حقل التعليم ؛
* منح الجهوية الموسعة أحقية في اختيار الخصوصيات التعليمية لكل جهة دون تدخل المركز ؛
* ضرورة انفتاح المؤسسات التربوية التعليمية على مؤسسات مماثلة خارج المغرب ، والسعي إلى منتوج تعليمي بمواصفات دولية ومعتمدة لدى أسواق الشغل .
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر