لم تكن تتوقع سعاد، وهي أم لشاب حصل على شهادة الباكالوريا هذه السنة، أن يتحول الفرح بنجاح فلذة كبدها إلى كابوس من الخوف والتوجس والقلق على مستقبله التعليمي، وذلك بعد حصوله على ميزة "حسن".
وتحكي سعاد أنه “من إن مرّت أيام من إعلان النتائج، حتى تحولت فرحة ابنها إلى حزن وأرق وتوتر، لأن كل الكليات التي كان يحلم بولوجها أو الالتحاق بها معدل القبول فيها يبتدئ من 20 /16، وهو المعدل الذي لم يتوفّق ابنها في الحصول عليه”. وتضيف “أن ابنها دخل في حالة نفسية سيئة لا يعرف ما هو التخصص أو الكلية أو الجامعة التي سيتوجه إليها، خصوصا وأن الشعبة التي كان يدرس بها هي علوم الرياضيات”.
الأم، التي تعمل أستاذة في السلك الإعدادي، تسرد بحزن شديد معاناتها لتوفر لابنها كل الإمكانيات للدراسة والتحصيل العلمي، لكنه رغم حصوله على ميزة مشرف كل المعاهد والكليات أغلقت الأبواب في وجهه، وتابعت قائلة “خيار توجهه لكلية العلوم غير وارد بتاتا لأن المتخرجين منها غالبا ما يتوجهون إلى التدريس أو البطالة”، مشيرة أنها تفكر في اقتراض مبلغ من البنك هي ووالده من أجل أن يكمل ابنها دراسته في أحد الأقسام التحضيرية الخاصة، حتى يتمكن من اجتياز اختبار الولوج إلى مدارس المهندسين بعد سنتين”، وتضيف “ورغم أن الدراسة في مثل هذه الأقسام مكلفة، لكن لا خيار لديّ، إذ يجب عليّ انتشال ابني من الإحباط وضمان مستقبله”.
الابن بدوره يعبر عن امتعاضه وسخطه، حيث حكى لـ”أخبار اليوم” عن أنه “حين كان يدرس في الثانوية كان يخبره أساتذته أن معدلات الانتقاء في الكليات تكون أقل بالنسبة إلى علوم الرياضيات، نظرا إلى صعوبة الشعبة”، لكن رغم ذلك تفاجأ بأن معدلات الانتقاء في الكليات متساوية بين جميع الشعب، وأضاف قائلا: “إن أصدقاءه الذين كانوا أقل مستوى منه واختاروا شعبة العلوم الفيزيائية، حصلوا على نقط مرتفعة وتم قبولهم لاجتياز المباريات، بينما ملفه تم رفضه”، مردفا أن هذا الأمر أحزنه وأحبطه، ذلك لأن الكليات لا تراعي خصوصية التخصصات وصعوبتها. وعبر التلميذ الحاصل على الباكالوريا حديثا، أنه يفكر في الذهاب إلى متابعة دراسته بالخارج فور حصوله على دبلوم الأقسام التحضيرية.
التوجه نحو التعليم الخاص
تحظى الكليات غير محدودة المقاعد بسمعة سيئة في صفوف الأسر المغربية، فأغلبها تعتقد أن الطلبة الذين يتابعون دراستهم بها معرضون للبطالة وأن لا مستقبل لها.
وأكّد أمين، وهو والد طالب حصل على الباكالوريا في شعبة العلوم الفزيائية، أنه كان يراهن على أن يتمكن ابنه من ولوج إحدى الكليات العليا أو كلية الطب، لكن بعد حصوله على معدل 20 /15 في الباكالوريا تبددت كل أحلامه، ويضيف أنه “سيسجل ابنه في كلية خاصة للمهندسين، حتى يتمكن من الحصول على دبلوم مهندس”، مشيرا إلى أنه بعد التخرج “الشركات لا تعير اهتماما للجهة المانحة للدبلوم، بقدر ما تهتم بالمهارات”.
وأضاف رغم التكلفة الباهظة للكليات الخاصة التي تفوق 5 ملايين سنتيم للسنة، غير أنه لن يغامر بمستقبل ابنه في الجامعات المغربية، لكن رغم ذلك يواجه أمين مشكل في اختيار المعهد الذي سيدرس فيه ابنه ومعتمد من طرف الدولة، مشيرا إلى أن هناك مئات من المعاهد والكليات، لكنه يجهل طبيعة وجودة التكوين الموجود فيها، داعيا الوزارة إلى مراقبة هذه المعاهد.
وعن التكلفة المالية، قال المتحدث ذاته إن “الأسرة ستعيش ضائقة مالية، لكن ليس هناك من خيار في ظل المستوى المتدني للجامعة المغربية”.
بدوره، قال علي، وهو موظف بجماعة العرائش، بعد حصول ابنته على معدل 20/14، علوم الحياة والأرض، أنها أصرت على أن تلج كلية خاصة للمهن الشبه طبية، بعد فشلها في اجتياز مباراة الولوج لكلية الطب، معتبرا أن أثمنة كليات الطب الخاصة باهظة، ولا يمكنه أن يدفع ذلك المبلغ الكبير، والذي يتجاوز 80 مليون سنتيم خلال 7 سنوات من الدراسة.
صعوبة في التوجيه
تجد الأسر صعوبة في توجيه أبنائها بعد الباكالوريا، حيث إن أغلب التلاميذ أصحاب التوجهات العلمية يطمحون للولوج إلى إحدى مدراس المهندسين أيا كان تخصصها، أو الولوج إلى المعاهد العليا، لكن حين يفشل التلاميذ في اجتياز الانتقاء الأولي، يدخلون في دوامة التخصص الذي سيسلكونه وأي مؤسسة أو جامعة. وفي هذا الصدد تحكي فاطمة، وهي أم لتلميذة حصلت على الباكالوريا السنة الماضية، شعبة الآداب والعلوم الإنسانية بميزة مستحسن، لكن لم تستطع أن تتابع دراستها في أحد المعاهد، حيث اختارت الذهاب إلى كلية الآداب، شعبة الفلسفة، لكن بعد مرور سنة من التحصيل العلمي قررت ابنتها إعادة التوجيه.
وتابعت المتحدثة ذاتها، أنه إلى حدود اللحظة لا تعرف ابنتها التخصص البديل الذي سيناسب قدراتها المعرفية وميولاتها، إذ لا يوجد موجهين داخل الجامعة يرشدون الطلبة، مشيرة أنه بعد رسوب ابنتها في السنة الأولى أُصيبت بالإحباط وفقدان الثقة في النفس.
المشكل نفسه تعانيه إخلاص، تلميذة حصلت على الباكالوريا هذه السنة بميزة حسن، شعبة علوم الحياة والأرض، لكنها لازالت مترددة في أي تخصص ستتابع دراستها، إذ لديها الاختيار بين كلية العلوم وكلية الاقتصاد أو الحقوق، لكنها لم تحسم بعد مسلكها. وتضيف المتحدثة ذاتها خلال حديثها لـ”أخبار اليوم”، أنها ليست لديها فكرة عن هذه التخصصات وطبيعة المواد التي ستدرسها، موضحة أن “هذه الاختيارات لم تخترها هي، بل هي التخصصات المتاحة والخاصة بالميزة التي حصلت عليها”، مشيرة أن “اختيارها سيكون عشوائيا، خصوصا بالنسبة إلى الاقتصاد والحقوق لأنها ليست لديها فكرة عنهما”.
نقطة أخرى، تؤرق إخلاص، وتتمثل في أن “اختيارها سيكون مقرونا بالجامعة الأقرب لمدينتها حتى تقلل من المصاريف المادية للدراسة، نظرا إلى أنها غير متأكدة من حصولها على المنحة”.
الدراسة في الخارج
تلجأ عدد من الأسر المغربية إلى إرسال أبنائها للدراسة خارج أرض الوطن، بعدما تتراجع حظوظهم في الولوج إلى المعاهد العليا، كما أن أغلب الأسر المغربية تعتقد بأن الدراسة في الخارج تضمن لأبنائها مستقبلا واضحة معالمه بخلاف المغرب.
عبدالرحيم، موظف في الخزينة العامة، يستعد لإنهاء الإجراءات والترتيبات الأخيرة لإرسال ابنته لمتابعة دراستها في كلية العلوم بمدينة “نانسي” الفرنسية، حيث كان منذ بداية الموسم الدراسي يهيأ نفسه لهذا الأمر، لأنه يعتقد أن الدراسة في الكلية في فرنسا أشبه بالدراسة في معهد هنا في المغرب.
ويرى المتحدث ذاته، أنه في فرنسا لا يشترطون ميزة حسن جدا أو حسن، لولوج عدد من التخصصات، بالإضافة إلى أن التعليم هناك متقدم جدا مقارنة مع ما هو موجود عندنا هنا، إذ يتيح للطالب فرصا متنوعة للتعلم والانفتاح على تجارب متعددة، بخلاف المغرب الذي يبقى فيه الطالب محصورا بين جدران الكلية دون أفق.
وأضاف عبدالرحيم أن المصاريف التي ستحتاجها ابنته للدراسة في الخارج، هي ذاتها التي سيدفعها لو درّسها في القطاع الخاص هنا بالمغرب.
وقد يهمك أيضاً :
رئيس جامعة الإسكندرية يكرم 200 من أعضاء التدريس الملتحقين بـ"جون ماكسويل"
الأستاذ صاحب واقعة"خلع البنطلونات"يؤكد أنه كان يعلم الطلاب الحياء
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر