قنبلة الذكريات
آخر تحديث GMT 07:17:55
المغرب اليوم -

قنبلة الذكريات

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - قنبلة الذكريات

قنبلة الذكريات
بقلم - دارين المساعد

هل تساءلتم يوماً كيف نتخطى ذكرى سيئة !! ؟! نعم توجد هُناك طريقة مناسبة للتغلب على بعض الجروح العميقة . لأن الذكرى السيئة تصاحبها آلام الخيبات والكثير من مشاعر الندم والحسرة واللوم . الذكرى السيئة ماهي إلا ترسبات سلبية . كثير من الناس يرسفون في أغلال هذه الذكرى باستسلام ويغضون النظر عنها كُلّما برزت أمامهم وأظهرت نفسها في بعض المواقف . كرائحة عِطر ! أو مكان تقبع فيه مشاهد تلك الذكرى عالقةً تأبى الابتعاد والرحيل . أو مع ملامح طفل وتلك أصعبُ الحالات . أو اسم شخص ، أو ربما هاتف نقّال . أو ساعة يد ، أو موسيقى مُعينة أو طرازِ سيّارة . بعض الألوان وحتى بعض أنواع الطعام . ولكني أُجزم أن الروائح هي أقوى أسلحة الذكريات فتكاً بقلوبنا المُرهفة . فعندما تتخلل أنفك رائحةُ ارتبطت بحادثة معينة أو مكان أو شخص . فإنها تُعيدك إلى الماضي أسرع من فرقعة إصبع . الذكرى تتسحّب بمكرٍ وتختبئ خلف كُل شيء .إنها صُنع اللحظات التي نتنفسها ونعيشها يومياً . حتى هذا المقال سيكون ذكرى جديدة سأخبركم كيف بدأت .

طوال عشر سنوات وأكثر تقبع أسوء ذكرى مرّت علي في قلب هذه الزجاجة الموقوتة ، القابلة للانفجار . عندما أراها على أرفف المحلات أهربُ من نفسي أولاً ثم أُهددها بالويلات والثبور إن اقتربت عيناي حتى من النظرِ إليها . زجاجتها تبدو لي كشاشة سينما عملاقة تُصور لي كُل ما رأيته وشعرت به في تلك الأيام . .

قبل أيام بمحض الصدفة وبحالةٍ من التعافي عن تلك التجربة نظرتُ للقُنبلة الوردية مطولاً ثم تقدمتُ لها بتردد . أحمل في نفسي رغبةً لحوحة في كشف الجرح . هل فعلاً نضجت عنه أم أني لهوت فقط ؟ طلبتُ من البائع أن أشتم رائحتها . وأنا إلى أن تناولت تلك الورقة الصغيرة كارهةً لما أفعله . وضعتها على أنفي ورحلتُ معها بعيداً عن كُل ماحولي . لا أذكرُ بعدها إلّا أني جلستُ وحدي مطولاً في زحامٍ كثيف وكأن الماضي يحيا من رُفاته ويعود ويتجسّد أمامي . في ليلة ذلك اليوم قسوتُ على تلك الرائحة وحبستها داخل الحقيبة التي حملتها وتشبعت بعطرها الزكي ثم غمرتها بكل ما يُبعدها عن حواسي الخمسة .

ذلك كان قراراً بديهياً يتلو صدمة الجرح القديم . أصبحتُ بعدها أُشيح بوجهي عن النظر لتلك الحقيبة . أتركها خامدة وتعلوها ذرات الغُبار . تحبس الجرح بأمانة فيما تركته أنا ونسيته . تجاهلتُ أني كشفت الجرح ولم أجتهد في علاجه . قباحة الجُبن تمكنت مني .

في يومٍ ما انتصرت على تلك الرائحة المسجونة في خزانتي وشممتها مع إحداهن . تخللت أنفي ومشاعري معاً . جلستُ أمامها وكأنها قد صفعتني . خجِلتِ المرأةُ من حالي . تسببتُ لها ولي بحرجٍ شديد . تساءلت بمبادرةٍ حريصةً منها علي . تلعثمت و لم أستطع الحديث رغم بلاغتي المعهودة مني تركتُ لها حرية التحليل والاستنتاج وابتعدت .

وبخت نفسي على ضعفها ، وبحثت بجهدٍ عن إيجابيتي وتفائلي . عن حكمتي وعلمي ! أين هم ؟

خذلتني نفسي حين احتجت إليها ؟ فقررت علاجها واتجهت فوراً قاصدةً تلك القنبلة . نظرتُ لها بقوة وأقتنيتها بشجاعة . حملتُها بيدي بصمت مُطبق لا أعرف لماذا اعتراني ؟! وذهبتُ بها إلى مخدعي بتفوقٍ على كل مراوغات الهروب وغصّات الدموع . وضعتُها أمامي !! حولها كُتبي ، وبعضاً من أوراقي وأقلامي ، أمشاطُ شعري والكثير من دلالات التغيير التي لم تعهد أن تراها معي أخرجتُ القُنبلة برباطة جأش من صندوقها الناعم . شممتها وحبست رائحتها في صدري وعاهدت نفسي أن تكون لها ذكرى جديدة جميلة . أخبرتها أني لا أُكن لها في صدري أي كره . ولن أخسر قوتي وثباتي بسببها تحت أي ظرف . ثم زفرت تلك الرائحة براحة وسعادة .

تعلمتُ من تلك القنبلة أن الشجاعة والقوة لا تكمُن في التغيير أو التغلُب على الأحزان بِكُل مُثيراتها . بل تتجسد بالقناعة بأن الأفكار هي ما تصنع واقعنا الآن والذي سيكون ذكرى فيما بعد . ولكي ننظر خلفنا ونبتسم ! علينا أن نصنع الذكرى الجميلة من أعمق جرح . وننحت حاضراً يُرضينا ونطمح أن نصبح عليه غداً

yeslibya
yeslibya

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قنبلة الذكريات قنبلة الذكريات



تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط

GMT 01:10 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

الألم أسفل البطن أشهر علامات التبويض

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الفتاة في القطار" تتصدر قائمة نيويورك تايمز

GMT 04:56 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مستحدثة لديكور غرف نوم بدرجات اللون الرمادي
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya