اللاذقية ـ سانا
بيوت (الدخنة) هي بيوت طينية عادية لكنها مرتفعة الأسقف لها منفذ واحد حتى يبقى الهواء مضغوطاً استخدمها الأجداد ومازالت حتى الآن لصناعة التبغ اللاذقاني المدخن المعروف في كل أنحاء العالم.
ويشرح برهان حيدر الباحث في التراث الشعبي أن سبب ارتفاع الأسقف ليتم تعليق أكبر كمية من الدخان فيها ولإبعاد النار عنه ولها حفرة في أسفل البيت بعمق 130 سم لإشعال الحطب الذي يكون أخضراً كونه يعطي دخاناً كثيفاً وقليل الاشتعال وخاصة نبات الفسفيسي.
وذكر حيدر: “إن الحطب يغطى بألواح حديدية أو توتياء لمنع اشتعال الحطب بسرعة بعد تعليق الدخان فوقها على ارتفاع متر ونصف بواسطة مايسمى سقالات ولاتتم تهوية البيت حتى يتم الاحتراق ببطء حيث تكون الأبواب محكمة الاغلاق ما يؤدي إلى قلة الأوكسجين المتواجد داخل البيت وهذا مايجعل الدخان كثيفاً ورطباً”.
وأضاف: “تشعل النار يومياُ لمدة شهرين حيث يتحول التبغ من أصفر إلى أسود ويصنع منه دخان الغليون المسمى (كلان) بعد جمعه في (بالات) وأكياس خيش مبيناً أن تبغ محافظة اللاذقية مشهور في كل أنحاء العالم”.
وبين أن التبغ السوري المدخون كان مشهوراً وقصته معروفة فقد كان يصدر التبغ العادي إلى الخارج سنوياً وفي إحدى السنوات لم يتم تصديره لسبب ما فبقي التبغ لدى الأهالي فاضطروا الى تعليقه في سقوف المنازل التي يسكنوها وكان في البيوت مواقد حطب (اثفية) في وسط البيت أو في الحائط وكانت تشغل بها النار يومياً ولمدة سنة تتعرض أوراق التبغ إلى الدخان.
وتابع: “وفي العام التالي تم فتح باب التصدير فأرسل الناس هذا التبغ المدخون وغيره ويقال أنه عندما وصل إلى مصر أعجب الناس هناك كثيرا برائحته ونكهته فأرسلوا في طلب هذا النوع أكثر من غيره ومنذ ذلك الحين صارت بيوت الدخنة واشتهر الدخان أو التبغ المدخون”.
وعن مراحل زراعة الدخان في الأرض أوضح الباحث التاريخي أن التبغ أو الدخان كان يزرع في مساكب وتنثر البذور فيها ويضاف إليها السماد العضوي فوقها وتغطى بالنايلون لحمايتها من الصقيع كما تغطى بالبلان لمنع الدجاج من نكشها .
وأضاف: “تسقى المساكب بالماء كل فترة وأخرى وتترك لمدة معينة ويتفقدها الفلاح وتعشب باستمرار لإزالة النباتات الغريبة منها بقلعها وإبعادها وتترك الشتول حتى تكبر وعندها تسقى المسكبة لتسهل عملية قلع الشتل دون تخريب الجذور ثم تنقل إلى الأرض المحروثة والمخططة بخطوطها من أجل شتلها بواسطة قطعة حديدية تسمى (الشاتول) وهو على شكل رقم ستة وتسقى بقليل من الماء من وعاء خاص يسمى (الرشراشة)”.
وأشار إلى أن عملية الشتل كغيرها من الأعمال الزراعية تحتاج إلى تعاون وعمل جماعي فهناك الفلاح الذي يحرث الأرض والآخر الذي يحمل الشتل ويرميه في الخط ومن يقوم بعملية الشتل وشخص آخر يقوم بسقي الشتل وشخص آخر يقوم بنقل الماء من الساقية التي تكون مجاورة لمكان الزراعة والشتل ويتخلل هذا العمل الأحاديث والفكاهات والغناء ومن ثم الدعاء بموسم طيب وجيد.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر