دوبروفنيك وكنوز السياحة المخفية لكرواتيا وأثرها على الخريطة الأوروبية
آخر تحديث GMT 07:17:55
المغرب اليوم -

"دوبروفنيك" وكنوز السياحة المخفية لكرواتيا وأثرها على الخريطة الأوروبية

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

مدينة "دوبروفنيك" بكرواتيا
زغرب - نعم ليبيا

منذ سنوات غير بعيدة لم يكن لكرواتيا أثر على خريطة السياحة الأوروبية، لأن هذا البلد كان قد ذاب منذ الحرب العالمية في تلك يوغوسلافيا التي كانت تختصر منطقة البلدان بأسرها ويختصرها رجل واحد اسمه المارشال تيتو. وحدها قلّة من العارفين والمغامرين على الدروب غير المألوفة كانت تقصد «دوبرفنيك»، درّة البحر الأدرياتيكي التي دمّر الطيران النازي كل كنوزها المعمارية التي تعود للقرن السادس عشر وأُعيد ترميمها بإشراف منظمة «يونيسكو» لتستعيد كامل بهائها وتصبح وجهة سياحية عالمية من الدرجة الأولى.

وسنترك «دوبروفنيك» والتمتّع بمفاتنها الفريدة لرحلتنا المقبلة، ونكتفي بها هذه المرة كذريعة لزيارة خليج «كارنارو» القريب منها لنكتشف الكنوز التي يخفيها في الجزر الصغيرة والمحميات الطبيعية المذهلة التي تحيط به، والتي لم تطرقها جحافل السيّاح بالكثرة المعهودة. جزر رائعة ومدن قديمة محصّنة بقلاع صامدة وقصور منيفة موروثة من الإمبراطورية النمساوية المجريّة مطلّة على زرقة البحر الكثيفة، هذا هو الخليج الذي سأرافقكم إليه في هذه الزيارة الأولى إلى كرواتيا.

ومحطتنا الأولى هي مدينة «ريجيكا» الساحلية التي وقع الاختيار عليها، إلى جانب مدينة «غالوي» الآيرلندية، لتكون عاصمة أوروبا الثقافية هذا العام. ومن حسن حظّنا أن هذه المدينة ما زالت خارج المسار الذي يتبعه السيّاح الذين تتزايد أعدادهم كل عام في كرواتيا ويتجاوزونها في طريقهم إلى جزيرة «إيستريا». لكنّ «ريجيكا - Rijeka» الهادئة التي تلتفّ مبانيها حول مينائها الجميل، هي الباب الذي لا بد عبوره للوصول إلى مجموعة فاتنة من الجزر الصغيرة التي لن يمرّ وقت طويل قبل أن تتحوّل إلى قبلة للباحثين عن السياحة الطبيعية الراقية.

«ريجيكا» عنوان ثقافي بامتياز يقوم على عشرات المسارح والمتاحف والفعاليّات الأدبيّة والفنيّة التي لا تنقطع طوال العام، والحياة الليلية التي تحسدها عليها المدن الكبرى، وكرنفالها الشهير الذي يقصده الزوّار من أنحاء البلاد ودول البلقان المجاورة. ويلفت في هذه المدينة أن مبانيها قد حافظت على عراقتها التقليدية وسط المجازر العمرانية التي عمّت العديد من المدن في العقود الأخيرة المنصرمة. وفي شوارعها الضيّقة والمتعرّجة لافتات حجرية تحكي تاريخ المدينة ومآثر أبنائها بلغات عدّة. ومن قصر «ترسات» الذي يرتفع فوق هضبة عند المدخل الشرقي للمدينة يطلّ الزائر على الوسط التاريخي وأرصفة المرفأ والجزر الأخرى المقابلة في الأدرياتيك. وقد رُمم هذا القصر على الطراز الكلاسيكي الجديد مطلع القرن التاسع عشر بمبادرة من أحد القادة العسكريين في جيش الإمبراطور النمساوي.

ما إنْ نعبر تحت القوس الروماني وسط المدينة حتى تظهر أمامنا الكاتدرائية الجميلة التي بناها اليسوعيّون في عام 1638 والمنقوشة صورتها على ورقة المائة «كونا» العملة الوطنية لكرواتيا. لكن درّة «ريجيكا» بلا منازع هو متحف التاريخ البحري الذي يقوم في القصر القديم الذي كان مقرّ الحاكم النمساوي، ويشتهر بسلالمه الرخامية الرائعة وثريّاته العنكبوتية من بلوّر بوهيميا. أما شعار المدينة فهو «البرج الأصفر» الذي لم يصمد غيره من المباني أمام الزلزال الذي دمّرها عام 1750، والذي كان فرصة لإعادة بنائها على عهد الإمبراطور النمساوي الأول.

 

على مسافة قصيرة خارج المدينة تنداح الطبيعة الخضراء مترامية في كل الاتجاهات، تسرح فيها الدببة والفهود والذئاب داخل محميّة «ريسنجاك» المرشّحة لإدراجها قريباً على قائمة التراث العالمي لمنظمة «يونيسكو». مناظر طبيعية خلّابة تذكّر بجبال الألب ومرتفعات البلقان المكسوّة بالصنوبر والسرو ومفروشة بالمراعي والزهور البرّية، ومع اقتراب الظهيرة يحين موعد الغداء، في أحد المطاعم الصغيرة قبالة الميناء نراقب الصيّادين يُصلحون شِباكهم، أو في مطعم «بودروم» الراقي الذي ذاع صيته بالأطباق المبتكرة التي يستلهمها من الأطعمة الشعبية التي تشتهر بها المنطقة.

ونغادر «ريجيكا» بحسرة لما فيها من عراقة ووداعة ونتّجه إلى «أوباتيجا» الأنيقة التي كانت مقصد النخبة على الساحل أيام الإمبراطورية كما يُستدلّ من منازلها الفخمة التي ما زالت تشهد على العزّ الذي عرفته في الماضي عندما كانت مصيف العائلات المالكة من السويد ورومانيا وقياصرة روسيا. فقدت هذه المدينة كثيراً من رونقها إبّان الحقبة اليوغوسلافية، لكنها استعادت في السنوات الأخيرة بريقها وأصبحت وجهة مفضّلة للسيّاح الذين يبحثون عن الهدوء والراحة والاستجمام في فنادقها الفخمة ومنتجعاتها الصحّية، وينعمون بمناخها اللطيف طوال السنة تقريباً.

من المنازل القديمة المرممة بذوق رفيع في هذه المدينة «فيلّا آنجولينا» المزيّنة أرضها بالفسيفساء والمزنّرة بالقناطر الإغريقية، والتي يقوم فيها متحف السياحة وتحيط بها أشجار باسقة تُخفي وراءها مسرحاً رومانيّاً في الهواء الطلق تُجرى فيها حفلات واستعراضات فنّية خلال الصيف؛ لكن أجمل ما في «أوباتيجا» هو المتنزه البحري الطويل الذي يتعرّج بشكل حلزوني على الشاطئ أمام القصور المنيفة والحدائق الغنّاء التي تحيط بها على مسافة تزيد على 10 كيلومترات بين غابات القصب والموانئ الترفيهية الأنيقة لينتهي عند فندق «فيلّا آرستون» الذي كانت تتردد عليه كوكو شانيل وعائلة كنيدي.

ونتابع طريقنا من هناك نحو الداخل حيث تنتظرنا إحدى مفاجآت هذه الرحلة على بُعد 30 كيلومتراً عندما نصل إلى محميّة «أوكا» الطبيعية التي يرتفع وسطها جبل «فوجاك» الذي تطلّ قمّته على سلسلة جبال الألب الإيطالية وخليج «تريستي» الجميل. وتعد هذه المحميّة من أغنى المناطق الأوروبية بالتنوّع البيولوجي النباتي لما فيها من أصناف نادرة من الأشجار والزهور التي تسرح فيها أنواع من الحيوانات المهددة بالانقراض وتحلّق في سمائها أسراب النسور المَلكيّة. لكنّ الجائزة الكبرى التي تنتظر الزائر في هذه المحميّة هي أخدود «فيلا دراغا» الذي ترتفع «دواخينه المسحورة» بجلال مبهر من قعر الوادي، والتي يمكن الوصول إلى سفحها عبر طريق متعرّج بين الأشجار الوارفة.

وبعد هذه الجرعة السخيّة من الاندهاش نواصل طريقنا نتجّه نحو مجموعة الجزر الصغيرة التي يتشكّل منها أرخبيل «كفارنير» وتتمتّع بطبيعة خلّابة بين المياه الوحيدة في بحر الأدرياتيك التي تعيش فيها مجموعة من الدرافيل بصورة دائمة ضمن المحمية الأولى من نوعها في منطقة البحر المتوسط.

ولى الجزر التي نصل إليها هي «كريس» المكسوّة بالأشجار والجبال الوعرة التي تنام بينها بعض الدساكر التي تعود إلى العصر الوسيط وتوحي للداخل إليها بأنه خرج من هذا العالم. أما الجزيرة الثانية التي تكاد تلامسها لقربها منها، فهي «لوسينج» التي تضجّ بالحركة والحياة منذ أن بدأ السيّاح يتوافدون إليها في السنوات الماضية، تجذبهم طبيعتها الساحرة ومنتجاتها الغذائية المشهورة مثل زيت الزيتون المعمّر وأجبان الغنم التي تسرح في مراعيها والأسماك التي يحملها كل يوم صيّادوها الحرفيّون الذين ما زالوا يستخدمون الوسائل القديمة التي ورثوها عن أجدادهم.

وعلى بعد دقائق معدودات من ساحل هذه الجزيرة تطلّ علينا قرية «بيلي» الساحرة التي لا يزيد عدد سكّانها على 35 ويزيد عمرها على أربعة آلاف سنة تحاكي الزائر من منازلها الحجرية الواطئة وشوارعها الضيّقة المتعرّجة. ولهذه القرية توأم على الشاطئ هي «فالوم» التي يوجد فيها مطعم صغير نصفه على اليابسة والنصف الآخر على الماء يرتاح فيه الزوّار القلائل الذين من حُسن طالعهم أنهم قرّروا الوصول إلى هذه الأماكن النائية.

ونغادر هذه القرى الصغيرة في اتجاه الخليج الجميل الذي تحيط به أشجار الصنوبر المعمّرة التي تحجب جذوعها الباسقة القصور القديمة المبنية على الطراز الإيطالي في بلدة «كريس» التي تذكّر بمدينة البندقية التي ترك أهلها بصماتهم على عمرانها وطريقة العيش فيها عندما هربوا من الطاعون في القرن الخامس عشر واستقرّوا هنا حيث أقاموا القصور والمباني الرسمية التي ما زالت تحمل شعارات عائلات البندقية الكبرى وحكّامها. وقد ساهم انفتاح هذه المنطقة مؤخراً على السياحة في إبراز مفاتنها المعمارية واستقطاب العديد من الفنّانين للإقامة الدائمة فيها، لكنها ما زالت لا تعرف الازدحام الشديد الذي تعاني منه الوجهات السياحية الأخرى.

ومن الخليج الجميل المطوّق بالصنوبر نتجّه إلى محطتنا الأخيرة في جزيرة «لوسينج - Losinj» وقرية «ماي لوسينج» التي تقع على طرفها أمام ميناء طبيعي تشرف عليه هضاب خضر تنتشر فوقها منازل فخمة بناها أصحاب السفن التجارية في القرن الثامن عشر، ثم راحت تتوافد عليها أسر النبلاء من فيينا وبودابست أواخر القرن التاسع عشر لتستقرّ فيها خلال فصل الصيف. وقد تحولّ معظم تلك المنازل اليوم إلى فنادق ومنتجعات سياحية يقصدها الباحثون عن الهدوء والراحة في كنف الطبيعة بعيداً عن الازدحام الذي بات كابوساً في الوجهات السياحية التقليدية.

قد يهمك أيضًا:

قبرص توقف أغلب الرحلات الجوية للحد من انتشار كورونا

"دلتا إيرلاينز" الأميركية تعلن تعليق رحلاتها إلى أوروبا باستثناء بريطانيا بسبب "كورونا"

yeslibya
yeslibya

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دوبروفنيك وكنوز السياحة المخفية لكرواتيا وأثرها على الخريطة الأوروبية دوبروفنيك وكنوز السياحة المخفية لكرواتيا وأثرها على الخريطة الأوروبية



تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط

GMT 01:10 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

الألم أسفل البطن أشهر علامات التبويض

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الفتاة في القطار" تتصدر قائمة نيويورك تايمز

GMT 04:56 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مستحدثة لديكور غرف نوم بدرجات اللون الرمادي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 00:37 2016 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

"كورشوفيل" أفضل منتج للتزلَج على مستوى العالم

GMT 18:39 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

بطولة التنس الختامية تشهد بطلًا جديدًا يشارك للمرة الأولى
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya