حمص ـ سانا
وادي النضارى درة الجغرافيا وأجمل ما نتج عن تضارب التضاريس كموقع أخاذ متنوع تتموج فيه التكوينات الجغرافية من البحر الى الداخل فهو موقع جغرافي مهم يفصل جبال عكار عن الطرف الجنوبي لجبال اللاذقية وسط الممر المهم المعروف جغرافيا بفتحة حمص- طرابلس التي تعتبر حلقة وصل لساحل البحر الأبيض المتوسط مع داخل بلاد الشام في سورية على علو منخفض تتناهى فيه جبال اللاذقية الى مجموعة تلال وهضاب تكتنفها الاودية مختلفة الاتجاهات وسط الفتحة ذات الاهمية الجغرافية طبيعيا وتجاريا وعسكريا.
وتأتي أهمية هذه الفتحة من أنها سهلت حركة العبور بالاتجاهين بين الساحل والداخل والشمال والجنوب كما عبرتها الجيوش القادمة من البحر إلى البر ويشهد على ذلك مواقع الحصون والأبراج المتعددة كنقاط لمراقبة هذه الحركة قديما والميادين كنقاط اصطدام والتي تعلوها الهضاب والسفوح المتناثرة على قرى وادي النضارى البالغ عددها حوالي الأربعين قرية تتوسط حدود ثلاث محافظات هي حمص التابعة اداريا لها وحماة وطرطوس.
ولموقع وادي النضارى أهمية تاريخية أيضا تحدثت لنا عنها الإعلامية دينا عبد الله من اهالي الوادي حيث أشارت إلى أنه : ” ورد في كتاب (المشتاية ذاكرة حضارية في سيرة وادي العطشان) للكاتب رامز صليبي أنه في النصف الثاني من القرن الثالث عشرقبل الميلاد تجمعت في الوادي جيوش المصريين وجيوش آراميي الساحل في موقع ميزوبا الغربية وشبطون قرب موقع دير مارجاورجيوس الحميراء للقاء الحثيين وأنه توالى على هذه المنطقة الغزاة والطامعون عبر التاريخ وصولا الى دخول الأتراك العثمانيين عام 1516م وضموا وادي النضارى الذي كان يدعى بسنجق الحصن اداريا الى ولاية طرابلس كما واكب الوادي عصر النهضة العربية المناوئة للتتريك وصولا الى قيام الثورات ضد الانتداب الفرنسي ومن بعده الحصول على الاستقلال” .
وتشير عبد الله الى أن وادي النضارى” لعب دوره التاريخي بجدارة وسجل أسماء رجالات وطنية كتبت تاريخ سورية بأحرف من ذهب كالشهيد جول جمال والدكتور الياس عبيد إضافة إلى احتوائه على عدد من المعالم الأثرية والدينية المهمة في سورية موضحة أن الناظر لمشهد يجمع دير القديس مار جاورجيوس حميراء ومن خلفه قلعة الحصن يدرك جدلية العلاقة الوثيقة بين الجمال والقداسة وروعة التاريخ “.
ولفتت الاعلامية عبد الله الى ان ” دير مار جاورجيوس الحميراء من أقدم الاديرة المسيحية السورية التي حافظت على حيويتها ونشاطها الديني منذ تأسيسها وهو كقلعة الحصن من الاثار القديمة التي تأخذ بألباب السياح وتسحرهم بإيحاءاتها الروحية والفنية “.
ونوهت بأن” الدير يتألف من كنيستين قديمة وحديثة حيث تعتبر الكنيسة القديمة ذات قيمة أثرية رائعة باشتمالها على أيقونات ثمينة وقديمة وبأيقونسطاسها المصنوع من خشب الأبانوس بينما اشتمل على بناء الكنيسة الجديدة التي شيدت في القرن التاسع وشيدت حولها وفوقها غرف كثيرة استخدمت للأغراض الانسانية في التعليم ومساعدة الفقراء موضحة أن الدير شيد في عهد الإمبراطور بوستينيانيوس في القرن السادس الميلادي ومر بناوءه بمراحل تاريخية عدة الى أن وصل الى وضعه الحالي”.
وفيما يتعلق بقلعة الحصن وأهميتها قالت الإعلامية عبد الله ” إنها حصن الفرسان وتعد إحدى أكبر القلاع في العالم وأكثرها بهاء ومجداً حيث تعاقب عليها فاتحون وغزاة كثر لكنها ابدا لم تفتح أبوابها إلا للمجد الغابر والحاضر والآتي والباقي ببقائها “.
ووصفت الإعلامية قلعة الحصن بأنها ” تحفة الهندسة العسكرية في العالم فهي تبعد عن حمص حوالي 60 كيلومترا وعن الساحل السوري بحدود 35 كيلومترا وتمتاز بكونها لا تزال بحالة جيدة من حيث هندستها الفريدة ومناعتها رغم مرور زمن بعيد على بنائها فهي حصن داخل حصن بينهما خندق وحولهما خندق وكانت فيما مضى تتسع لحامية عددها 4000 جندي حيث دخلها الملك الظاهر بيبرس فاتحا بعد حصاره لفرسان المعبد في القرن الثالث عشر الميلادي”.
ولفتت الى أن” قلعة الحصن كانت في البداية حصنا صغيرا تقيم فيه حامية من الجنود التابعين لأهالي حمص ثم استولى عليها الفرنجة إثر وصول الحملات الصليبية الى بلاد الشام حيث أقام فيها فرسان المعبد وتعهدوا بتحصينها وتوسيعها بشكل مقارب لشكلها الحالي ثم تعاقب عليها المماليك والعثمانيون والفرنسيون وبعد استقلال سورية تحولت الى معلم سياحي مهم لعب ويلعب دورا مميزا في إغناء السياحة السورية”.
ويعد وادي النضارى منطقة تزخر بمعالم سياحية طبيعية وأثرية ودينية مميزة فإلى جانب قلعة الحصن والدير نجد نبع الفوار الذي يبعد ثلاثة كيلومترات غربي الدير وهو عبارة عن مغارة تنفجر منها المياه في أوقات مختلفة وبكميات غير متساوية تفيض لتغمر الأراضي من حولها حيث كان يستخدم قديما لسقاية المزروعات المختلفة.
وفي أعلى جبال الدير تقبع هناك مغارة الدرة إحدى أعاجيب الطبيعة الصامتة وهي من المغاور الرطبة وغير المكتشفة إضافة إلى كنيسة الشحارة في قرية المزينة التي تعتبر من المعالم التاريخية ذات الأهمية الدينية يضاف اليهما كنائس حديثة الإنشاء كدير القديس مار الياس في الحواش وكنيسة السيدة في أعلى قمم جبل السائح.
ويشتهر وادي النضارى بنشاطه السياحي الغني, وعن هذا الجانب تحدث لنا علي حسين مدير سياحة حمص قائلا : ” إن منطقة الوادي تتميز بمقومات سياحية وطبيعية وأثرية غنية بدءا من المواقع الأثرية الى المنشات السياحية ذائعة الصيت التي تنتشر في معظم قرى الوادي وصولا الى الغابات والجبال ما جعلها قبلة للسياح من داخل سورية وخارجها.
وبين حسين إلى انه ” نتيجة للأهمية السياحية للمنطقة وبعد عودة الأمن والاستقرار اليها بعد قيام الجيش العربي السوري بدحرالمجموعات الارهابية المسلحة تم التخطيط لإقامة مهرجان سياحي وترفيهي وثقافي يؤكد على عودة الحياة الى المنطقة ويعيد الألق إليها وخاصة أنها تتمتع بالمقومات السياحية التي ذكرت”.
وأشار حسين إلى انه” تم التخطيط للمهرجان بالتعاون بين وزارة السياحة ومحافظة حمص حيث وضعت خطة له من خلال دراسة المجتمع المحلي في المنطقة وعبر التعاون مع الفعاليات السياحية فيها “.
وقد بدأ المهرجان في بداية الأسبوع الحالي وشهد العديد من الفعاليات والنشاطات التي ركزت على أهمية الارتباط بالارض وحب الوطن والتفاعل بين مختلف الأجيال.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر