المغربي الحسين إيلان تجربة تشكيلية تلامس الحداثة والمعاصرة
آخر تحديث GMT 07:17:55
المغرب اليوم -

المغربي الحسين إيلان تجربة تشكيلية تلامس الحداثة والمعاصرة

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - المغربي الحسين إيلان تجربة تشكيلية تلامس الحداثة والمعاصرة

المغربي الحسين إيلان
الرباط ـ المغرب اليوم

الحسين إيلان؛ فنان تشكيلي مغربي اختار أن يشق طريقه في التشكيل عبر إبراز علاقة الجسد الأنثوي بالثقافة والذهنية المحافظتين. وهو ما يدفعنا إلى قراءة منجزه كتجربة فنية تنخرط في الالتزام بمعالجة قضايا المجتمع، وهي فكرة لا تخلو من انشغال بالطلائعية الفنية، رغم أننا نعيش اليوم زمن تراجع هذا الإنشغال. لكن أعمال إيلان المتأخرة تتسم أيضا بالعديد من الخصائص التي تحيلنا على تجربة تشكيل معاصر، منفتح على أساليب تشكيلية مابعد حداثية. ومن هذا المنطلق تتبين صعوبة تصنيف أو إرجاع هذه التجربة الفنية إلى توجه أو أسلوب قائم بذاته سلفا، فالتيمة قد تبدو لنا ذات ملمح حداثي، بينما الأسلوب يفتحنا على تجربة مابعد حداثية. فأي قراءة ممكنة لهذه التجربة؟

تحكي أعمال إيلان المتأخرة عن مرحلة جديدة في مسيرته التشكيلية، تخبرنا عن ترحاله بين المدن بحثا عن الطين والأتربة التي يصنع منها الفخارون الخزف ( طين فاس، آسفي، مراكش، ورززات...)، وتجده يجمع القطع من حرفيي الزليج والجبس، ليعيد في الأخير توطينها داخل لوحة تشكيلية، فيمنحها نفسا جديدا ووظيفة مختلفة عما صنعت من أجله في الأصل.

وإن كان هناك من تقابل بين الحِرفة والفن؛ فإن إيلان من الفنانين الذين يكسرون هذا التقابل، لكن ليس من باب إسداء المعروف للصناعة التقليدية أو التغني بمنجزها، كما أن توليفه هذا ليس من باب الانخراط في تصور جمالي قد ينتسب إلى تقليد مدرسة الباوهاوس Bauhaus، بل إن هذا التوليف ينخرط أساسا في إزالة الطابع السحري عن التراث ورموزه.

إن قطع الزليج المغربي وطين الخزف والجبس البلدي؛ و إن كانت في الأصل موادا تراثية ذات طابع حرفي في الثقافة المغربية- تستعمل أساسا في الصناعة التقليدية في المعمار وتزيين الفضاءات- فإنها مع ايلان أصبحت تأخذ طابعا تشكيليا فنيا دون أن يلغي طابعها الفلكلوري، كون هذا الطابع مهما للتعبير عن الإحراج الذي ما فتئ يسقط فيه المجتمع في تمثله للجسد، لأن هذه المواد تنعش مخيلة المتلقي ليستحضر عبر ذاكرته البصرية الأمكنة والفضاءات التي تحتضن وتحاصر في آن الجسد في الثقافة المحافظة، بما فيها المسجد، والرياض والحريم والحمام... وكل الفضاءات التي لا تزال مسكونة بالتراث لا فقط من حيث أشكاله ورموزه، بل كذلك ذهنيته و مكبوته اتجاه الجسد.

هذا ما يقودنا إلى القول: إن الفنان لا يستحضر الزليج والجبس والفخار ليحتفي به، أو ليمتدحه. لأن ذلك ليس همه في الأصل، إنه ليس صانعا حرفيا. بل يستحضره ليستنطقه، ليجعله يعترف على السند وأمام المتلقي حول ما كان يضمره من اشتهاء وحنق على الجسد.

وإذا كان إيلان لا يستدعي الجبس أو الفخار أو الزليج ليحتفي من خلاله بالهوية ، بل ليسائل مكنونه اللامرئي واللامفكر فيه، فهنا تحديدا تتفرد تجربته على المستوى التشكيلي، خصوصا عندما نذكر أنه ليس السباق إلى توظيف المواد الطبيعية والتراثية في التشكيل المغربي (النحاس، الجلد، العرعار، الحناء...)، فمع إيلان لم تعد وظيفة هذه الرموز والمواد الدفاع عن الهوية والاحتفاء بالتراث، بل تقويضه وتفكيك بنيته الداخلية للكشف عن المستور واللامرئي فيه.

هذا ما يفسر كون لوحات إيلان المتأخرة تتشكل من عناصر ومنتوجات حرفية مُسبَقة الصنع ready-made. إن خاصية عمله المائزة إذن تكمن في كونه يحافظ على شكل المادة التراثية عندما يدمجها في اللوحة دون أن يضطر إلى إعادة تشكيلها، لكنه يعيد تشكيل معانيها. حضور العناصر الحرفية داخل اللوحة - بكبر حجمها وثقل وزنها – يجعل اللوحة تتخذ شكل المنشأة Installation art، كما أننا نجد أن النحت أيضا يحتل فيها حيزا مهما، وهو ما يكسر رتابة التقليد الذي يفصل بين أشكال التعبير الفني وكذلك نوعية الأسندة التي تتم عليها الممارسة الفنية، لذلك نلمس في تجربة إيلان أنه لا حدود بين المنشأة واللوحة والمنحوتة، كما نكتشف إمكانية الدمج بينها جميعا في عمل فني واحد.

الأسلوب التشكيلي الذي جاءت به أعمال إيلان في مرحلتها الأخيرة، له صبغة خاصة، إذ لا يمكن تصنيفه في التشخيص كما لا يمكن حصره في التجريد، لكنه يوظف الأسلوبين معا بطريقة تعتمد على الإيحاء بالرموز، فعندما تلتقي رموز الجسد، متمثلة في أعضائه الشبقية، برموز التراث الثقافي للمغرب، متمثلة في الزليج والطين والجبس، داخل العمل الفني، يحصل صراع ضمني يجسده الفنان من خلال التقابل الواقع بين الجسدي والمعماري. الجسدي المفعم بالحياة والمعماري المحنط الذي يسعى جاهدا إلى تحنيط الجسد وتجميده.

لكن رغم الغنى الأسلوبي والتقني الذي تعرفه أعمال إيلان الفنية، فالرهان الإستيطيقي يظل مرتبطا بالسؤال: كيف يمكن أن نولد الجمال عبر تجسيد الصراع أو الإقصاء؟ وهل يكفي أن يروي الفنان قصة هذا الصراع للمتلقي ويحدثه عن شخوصه عبر اللوحة؟ ألا يقوم الفنان هنا بدور الحقوقي أو القاضي؟ ربما قد لا يراهن الفنان دائما على الجمال، وقد يكون رهانه على العكس من ذلك منشغلا بإظهار مكامن القبح في واقع ما، لكننا نرى رغم ذلك أن ثنائية الصراع بين التراث والجسد لا تخلو في الحقيقة من جمالية. وإذا شئنا القول فهي ثنائية صراع بين جمالين: جمال محتفى به في التراث، وجمال آخر مقصي ومنبوذ من طرف التراث. لكن حتى يفصح الصراع عن جمالياته لابد من حكي تدور فصوله داخل العمل الفني وليس خارجه. لذا فهو حكي تشكيلي بواسطة الرموز يحتاج إلى التفكيك والحفر في الدلالات للوصول إلى ما وراء الطين الزليج والجبس وما وراء الثدي والفرج والخصر...

يصور هذا الحكي التشكيلي ذهنية ذكورية توثر جمال الجدران والأسقف على جمال الجسد. وهو إبراز للفارق القائم بين المرئي واللامرئي في فضاء التراث. بين ما يجب أن يخرج إلى النور لنحتفي به ونتباهى بامتلاكه، وبين ما يجب أن يتوارى في الظلام ونستره حتى لا يطيح بكرامتنا. لكن الحكاية لا تتوقف هنا، حتى لا يكون العمل الفني مجرد حكي يسرد ما كان ومازال، لا يفوت الفنان عبر عمله الفرصة ليقلب موازين القوى لصالح الجسد حتى ينتصر على القوى الذكورية المحافظة بكامل مرجعيتها وسلطها : الدينية، الاجتماعية، القانونية... ولو كان ذلك داخل إطار اللوحة التشكيلية فقط. اذ للجسد كذلك آلياته وسلطه التي ليست إلا الجسد نفسه، الجسد المغري، الغاوي، بأشكاله الجميلة و المشحونة بالغريزة التي لا يمكن تجاهلها مهما بلغ الفضاء من مستويات التنزيه وتصنع الطهرانية. ليست جمالية الزليج وزخارف الجبس والفخار التي تملأ الفضاءات إلا أشكالا للتسامي المزعوم أو تعويضا عن جمال آخر مقصي من مجال الرؤية. رموز التراث بهذا المعنى تحوي الجسد وتحيل عليه بقدر ما تستبعده وتعوضه.

يمكننا أن نخلص من خلال هذه الوقفة، إلى أن الحضور المربك لسمتي الحداثة ومابعدها في تجربة إيلان التشكيلية، يحيلنا في حقيقة الأمر على تصور الفنان للوضع الذي تعيشه الذات في المجتمعات التي لم تحسم بعد الاختيار في الإنتماء؛ إما إلى الحداثة أو إلى نقيضها. وعلى هذا الأساس قد يسعفنا منجز إيلان التشكيلي في إعادة التفكير في وضعية مجتمعاتنا الهجينة، التي تريد أن تسير قدما نحو المستقبل بقدر ما تريد أن تبقى مشدودة إلى الماضي.

yeslibya
yeslibya

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغربي الحسين إيلان تجربة تشكيلية تلامس الحداثة والمعاصرة المغربي الحسين إيلان تجربة تشكيلية تلامس الحداثة والمعاصرة



تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 05:12 2018 الأحد ,11 آذار/ مارس

ارفعوا أياديكم عن محمد صلاح

GMT 17:54 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

أهم فوائد عسل السدر لصحتك

GMT 07:25 2018 الإثنين ,14 أيار / مايو

" سما" تفتتح متجر جديد في دبي مول

GMT 21:08 2018 الجمعة ,23 آذار/ مارس

صلاح يسجل الهدف الأول للمنتخب المصري

GMT 10:51 2018 الخميس ,15 شباط / فبراير

عطور صيفية تعشقها النساء

GMT 12:03 2018 الأربعاء ,14 شباط / فبراير

صحافي إنجليزي يعلن أن صلاح أفضل من توريس

GMT 23:36 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

توقيف ممرضتین لتصويرهن شخص مُسن وهو يُمارس العادة السرية

GMT 13:51 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

قصات رالف أند روسو تعرض قصات من وحي الأميرات

GMT 16:31 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

المغرب يفتح أسواقه أمام لحوم البقر الروسية

GMT 07:07 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

نجوم السينما العالمية يحصلون على جائزة الكريستال في دافوس

GMT 14:24 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في قضية "بيدوفيل فاس" بعد صدور نتائج التحاليل
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya