عادل بوصحيب، المستجمع نصف قرن من التجربة في الحياة، استوفى 25 سنة من الاستقرار في جمهورية ألمانيا الفيدرالية، بينما يتخطى اقترانه بـ"مايكروسوفت" 15 عاما من العطاء.
يؤمن بوصحيب بكون قيمة أي فرد لا تنتقل بالدم أو عبر المصاهرة؛ لكنها تبقى قابلة للاكتساب من خلال الإقبال على مصادر المعرفة، ويزيد من رفع أسهم المرء ما يتحلى به من إصرار وعزيمة.
جنان العافية
يعود عادل بوصحيب إلى ما استجمعته ذاكرته خلال العقود الخمسة المنصرمة من حياته ليعلن أن طفولته، في مدينة مراكش، تبقى من بين أسعد اللحظات التي وسمت عيشته على الإطلاق.
رأى بوصحيب النور سنة 1970 في "جنان العافية"، الحي الشعبي الكائن وسط "عاصمة البهجة" في المغرب، وبين أزقة ودروب هذا التجمع السكاني قام بأولى خطواته قبل أن يشتد عوده.
ويقول عادل: "جنان العافية فضاء شهير بخضرته في مراكش، ولا تزال أشجار الزيتون التي تتوسطه ماثلة بين عينَي إلى اليوم، وإن كان حيا شعبيا فإنه من أرقى هذه الفئة من التكتلات العمرانية".
حلم الجراحة
استهل عادل بوصحيب مرحلة التعليم الابتدائي في "مدرسة جنان العافية للبنين"، وقد بقي أستاذه في القسم الأول يواكبه حتى الباكالوريا؛ حريصا على موافاته بحزم من الكتب يطالعها كل مرّة.
أمضى بوصحيب المرحلة الإعدادية في مؤسسة "السملالية" بحي كيليز، قبل التحرك مجددا صوب "ثانوية ابن عباد" التي تخرج منها حاصلا على الباكالوريا، سنة 1988، في شعبة العلوم التجريبية.
يعلن عادل أنه حلم، منذ آخر عام في الطور الإعدادي، بأن يصبح طبيبا متخصصا في جراحة القلب، مؤكدا أنه أراد تعزيز العرض في هذا التخصص وتحديد مواعيد مجانية لتطبيب الفئات الهشة بالمنطقة.
تلقي صدمتين
اختلت حسابات عادل بوصحيب بعد فشله في اجتياز اختبارات الولوج إلى كلية الطب والصيدلة في الدار البيضاء، ليجد نفسه وسط صدمة حالت دون تحقيق ما كان راغبا فيه على المستويين العلمي والمهني.
جاءت الصدمة الثانية سنتين بعد ذلك في كلية العلوم من جامعة القاضي عياض، وهي التي ولجها بوصحيب بغرض التخصص في الرياضيات والفيزياء، إذ وعى بأن هذا التوجه لا يقوده صوب آفاق ملائمة له.
قرر عادل خوض تحدّ مغاير عبر الهجرة إلى ألمانيا، ويكشف أن التوجه إلى هذا البلد الأوروبي لم يكن مغريا لأبناء جيله، المفضلين أمريكا أو التكوينات الفرنكوفونية بالخارج؛ لكنه ابتغى إبراز مؤهلاته عبر هذه الخطوة.
بداية عصامية
في أواسط عقد التسعينيات من الألفية المنقضية وصل عادل بوصحيب إلى التراب الألماني، حازما الإصرار والتحدي وقيمة متواضعة من "الماركات"؛ العملة الوطنية لجمهورية ألمانيا الفيدرالية حينها، لخوض هذه المغامرة.
"جئت بلا إتقان للغة البلد، وقد عملت على إتقانها بطريقة عصامية، خلال 7 شهور لا غير، قبل أن أفلح في اجتياز الامتحان المبرهن عن ضبطي لهذا اللسان نطقا وكتابة، ثم بدأت الدراسة الجامعية"، يقول بوصحيب.
ويشدد المولود في "جنان العافية" على أن الهجرة تبقى في حد ذاتها صعوبة، حيثما كانت وجهة المفارق ركن راحته، إذ تدفع بالشخص صوب عوالم مجهولة حقيقتها وتستلزم الاندماج قبل البحث عن التوفّق.
هندسة المعلوميات
دخل عادل بوصحيب إلى جامعة مدينة "باساو" الألمانية من أجل دراسة الإعلاميات، مختارا هذا المسار المستلزم قرابة 6 سنوات في التعليم العالي، كمعدل، قبل التخرج بدبلوم في الهندسة.
ولا يخفي المراكشي عينه بأن سابق معرفته بالرياضيات والفيزياء، استنادا على السنوات الدراسية بالمؤسسات التعليمية العمومية المغربية، قد جعلته يستوفي مجزوءات التكوين بأقل جهد ممكن، مع الجمع بين العمل والتعلم.
ويزيد المغربي المستقر في ألمانيا: "صحيح أنني لم أكن متفوقا في دراستي بهذا البلد الأوروبي؛ لكنني كنت أظفر بنجاح تلو آخر، وأجمع المدارك النظرية بالتجربة الميدانية، مبقيا العطاء المضاعف للفترة المهنية".
"مايكروسوفت" الأمريكية
حاول عادل بوصحيب استجماع أكبر كم من الخبرات من أجل التأسيس لتجربة وظيفية عالية المستوى، مستهلا ذلك ببحث التخرج الذي جعله يتوسط شركة للاستشارة متخصصة في البرمجيات.
عمل الخبير المعلوماتي ذاته، خلال سنوات التكوين بـ"باساو"، على الاشتغال بمؤسسات إلكترونية متعددة؛ بين بينها واحدة في مدينة "ميونيخ"، منحته خبرة معززة لكل ما تلقاه على المستوى النظري.
مر بوصحيب من شركتين أخريين قبل أن يصل إلى شركة "مايكروسوفت" في ألمانيا، فرع الرائد الأمريكي والعالمي ضمن الميدان المعلوماتي، وبذلك فتح مرحلة جديدة زاهرة لحياته الوظيفية.
بين الإستراتيجيات
يقول عادل بوصحيب إنه اختار التعاقد مع "مايكروسوفت" لمدّة سنة ونصف السنة، على الرغم من تلقيه عروض عمل محدد زمنها في عشرات السنوات، كاشفا بأن الحسم أسهم فيه إيمان هذه المؤسسة بالكفاءات أكثر من غيرها.
ويزيد مهندس المعلوميات المغربي: "التزامي المهني خلال الوقت الحالي، عقب ظفري بعقد غير محدد ظرفيا، يجعلني رئيسا لقسم الإستراتيجيات التكنولوجية في ألمانيا، وأتعاطى مع شركاء يفوق عددهم 33 ألفا".
لدى بوصحيب فريق للأداء الإستراتيجي يجمع كفاءات متعددة الجنسيات، ويوجه الأداء نحو تلبية طلبات الزبناء ذوي وزن ثقيل في الأسواق الأوروبية، بينما يدبر ميزانية تطوير تعادل 4 مليارات من الدولارات الأمريكية.
جراحة من نوع آخر
ينخرط عادل بوصحيب في "الحمدلة" مدة قبل أن يعلن كون القناعة سمة إنسانية ممتازة ما دامت تمتزج بالطموح المتنامي، ويسترسل: "أنا راض على كل ما قمت به خلال مسار الهجرة، الذي أطلقته من مراكش".
يعتبر المصطف بين مغاربة ألمانيا أنه يمارس "جراحة من نوع آخر"، غير تلك التي كان يحلم بأن ترتبط بمعالجة القلوب، خاصة أن مستوى السعادة الذي كان ينتظر بلوغه يعادل نظيره الذي يخالجه في الوقت الحالي.
ويقول عادل في هذا الصدد: "أحاول ربط مستقبلي بمواصلة السير على النهج نفسه، حامدا الله وشاكرا كل من ساندني لبلوغ ما أنا عليه، من أجل مواصلة التحسن وتوسيع المعرفة وبلوغ مرتبة التميز المنشودة".
القيمة السوقية
ينصح عادل بوصحيب الشابات والشبان المغاربة الراغبين في النجاح، سواء في الوطن الأم أو من خلال تجارب هجرة تسوقهم خارجه، بملازمة التعلّم والتحلي بالطموح الكبير والإلحاح على تحقيق التطور.
ويكشف الحاصل على تكوينه الأساس في مدينة مراكش أن بلدان الاغتراب التي يقصدها المغاربة تؤمن بالليبرالية؛ ما يعني أن المتوجه إليها مدعو إلى الاجتهاد دوما كي يزيد قيمته السوقية في فضاءات الإنتاج.
"لا وجود لمجتمعات بسيطة ولا نجاحات سهلة عبر المعمور؛ ومراكمة المعرفة النظرية والعملية سر التميز عن الأغيار، مثلما هي بوابة عملاقة تفضي إلى معانقة مختلف الأحلام"، يختم عادل بوصحيب.
قد يهمك ايضا
"هواوي" تنافس "مايكروسوفت" و"غوغل" و"أمازون" في البرازيل بخدمة حديثة
"فيسبوك" تشعل سوق العالم الافتراضى وتشتري أحد أشهر استوديوهات ألعاب
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر