بدأ زهير العز، أحد شباب مدينة بولمان، تلمس طريقه نحو تحقيق حلمه في الطيران بصنع مظلته الشراعية الخاصة بنفسه من أدوات بسيطة، وذلك قبل امتلاكه مظلة شراعية حقيقية أهداها له فرنسيون، أصبح بفضلها هذا الشاب، الحاصل على الإجازة في الجغرافيا من جامعة فاس، يواظب على التحليق عاليا في سماء المنطقة التي يقيم فيها.
مظلة شراعية من صنع اليد
يروي زهير العز، البالغ من العمر 22 سنة، قصة تعلقه بالطيران قائلا لهسبريس: "أنا مهووس، منذ الصغر، بالخروج إلى الطبيعة والاستمتاع بالمناظر الخلابة، وكان حلم التحليق يراودني كلما صعدت إلى أعلى جبل، حيث كنت أفكر دائما في وسيلة تجعلني أطير من قمته وأحلق فوق تضاريس المنطقة".
الرغبة الجامحة في الطيران دفعت الشاب زهير العز خلال قضاء سنته الأولى بجامعة فاس، قبل ثلاث سنوات، إلى التفكير في صنع منطاد عبارة عن بالون مملوء بغاز خفيف، مثل الهدروجين أو الهيليوم، قبل أن يستبعد هذه الطرح الذي، بعد البحث، بدا له صعب المنال، ليتحول إلى صنع مظلة شراعية بوسائل ومواد بسيطة.
"لم تسبق لي رؤية مظلة شراعية عن قرب، وكانت وسيلتي الوحيدة للتعرف عليها هي مشاهدة الصور والفيديوهات على الأنترنيت"، يقول زهير العز، مبرزا أنه اكتفى بقطعة قماش تستعمل كغطاء للسيارات، وبجمع بقايا المظلات المحطمة في ساحة الجامعة، ليعود بها في عطلة نهاية الأسبوع إلى مسقط رأسه ببولمان، ليصنع منها، قطعة قطعة، مظلة شراعية.
ويضيف متحدث هسبريس: "بعد سنة ونصف من العمل، تمكنت من إنهاء خياطة وسادة المظلة الشراعية، وكان ذلك في غضون سنة 2017، لكن اعترضتني صعوبة كبيرة في تثبيت الخيوط وطولها، فطلبت المساعدة عبر الصفحات المتخصصة على شبكات الأنترنيت، لكن ذلك لم يكن مجديا، فاعتمدت على نفسي وأكملت عملي بإضافة عدد من الخيوط إلى المظلة، فجربتها، ووجدتها تصعد فوق رأسي، وتريد أن تحلق بي عاليا في السماء".
زهير العز، الذي كان يستعد لرفع رجليه فوق سطح الأرض بمظلته الشراعية التي صنعها بنفسه باستعمال وسائل بدائية، حاول تقاسم تأهبه للطيران عبر منصات التواصل الاجتماعي مع أحد المدربين الفرنسيين الذي أبدى إعجابه بمظلته، مبرزا له أن صنع مظلة شراعية بحاجة إلى تقنيات دقيقة، ساهمت فيها بفرنسا جامعات وخبراء.
"قمت بقفزة فوق سطح الأرض بتلك المظلة البدائية، ورفعت رجلي في الهواء، لكن فرحتي لم تكتمل بتحقيق التحليق الكامل في الجو"، يوضح زهير العز، مشيرا إلى أن تلك القفزة البسيطة فتحت له علاقات جديدة مع محترفي هذه الرياضة في جنوب المغرب، إذ سافر إلى سيدي إفني للمشاركة في تدريب أشرف عليه خبراء فرنسيون في رياضة الطيران الشراعي.
الحلم يتحقق والدرك يحقق
"تم منحي خلال هذا التدريب النظري والتطبيقي على الطيران مظلة حقيقية"، يقول العز، موضحا أن حماسه ومعارفه المسبقة حول هذه الرياضة، والتي اكتسبها خلال مرحلة صنع مظلته الشخصية، من قبيل إدراك عناصر الجو والمناخ وميكانيكا الطيران وقوة الرفع والمقاومة، مكنه من تعلم أساسيات هذه الرياضة في ظرف وجيز، فأعطي فرصة الطيران المصاحب، برفقة أحد المدربين، إبان زيارته سيدي إفني.
عند عودته إلى بولمان واصل العز تدربه على فتح "البارابونت" (مظلة شراعية) دون أن يجرؤ على التحليق، وذلك قبل عودته مرة ثانية إلى الجنوب، حيث سمح له، ولأول مرة في حياته، بتجريب الإحساس بالطيران الفردي. ومن هنا انطلقت الرحلة الفعلية لهذا الشاب مع الطيران الشراعي، توجت بقيامه بأول تحليق شراعي فوق أجواء بولمان أواخر سنة 2018.
"بدأت جمع كل المعطيات المتعلقة بجرف قريب من منزل أسرتي ببولمان، اخترته لتجريب أول تحليق فعلي لي، وعندما حلت ساعة الصفر للقفز في الهواء، لم أتردد في ذلك، فنجحت التجربة، وبقيت في الأجواء لمدة تناهز 45 دقيقة، وكان الكثير من الناس يشاهدون، بشغف كبير، هذه المغامرة التي أقبلت عليها"، يتذكر العز.
وأضاف المغامر الشاب: "اخترت أن أحط بمدخل مدينة بولمان على طريق فاس، غير أني وجدت، لحظة نزولي، عناصر الدرك الملكي في انتظاري، فطلبوا مني مرافقتهم إلى مركزهم ببولمان، حيث سألوني هناك عن سبب قيامي بالطيران، ومصدر مظلتي، إلى غير ذلك من الأسئلة، وبعد التحقيق معي أطلقوا سراحي وحجزوا مظلتي؛ وذلك قبل الإفراج عنها في وقت لاحق بعد تأكدهم من كوني أتدرب على هذه الرياضة في إطار أحد أندية الجنوب".
بعد هذا الطيران في سماء بولمان منعت السلطات زهير العز من التحليق مرة أخرى، قبل الترخيص له مجددا بالعودة لممارسة هوايته بعد أكثر من عام؛ وذلك بفضل حصوله على شهادة معترف بها في الطيران الشراعي مسلمة له من طرف الفدرالية الفرنسية للطيران الحر، وممارسته نشاطه الرياضي في إطار "جمعية جرف الأطلس" التي أسسها رفقة شباب شاركوه مغامراته الأولى في تحقيق حلمه في الطيران.
جمعية للطيران لكسر الحظر
"نسعى من خلال هذه الجمعية، التي تأسست قبل خمسة أشهر، إلى أن تتحول بولمان إلى وجهة للطيران الشراعي. لقد زار المنطقة عدد من المدربين الفرنسيين ووقفوا على صدق المعطيات التي نزودهم بها عما تزخر به من مواقع متميزة لممارسة هذه الرياضة، كما هو الشأن بالنسبة لجبل ألميس كيكو"، يقول زهير العز، مشيرا إلى أنه يطمح إلى الحصول على شواهد من درجات عليا ليصير مدربا للطيران الشراعي.
وأضاف زهير العز متحدثا عن تجربته: "قمت بالكثير من التحليق في سماء بولمان، وحققت حوالي 250 ساعة من الطيران، كما جربت الطيران من جبل ألميس كيكو، ونجحت بالصعود من أسفله إلى قمته مع التيارات الهوائية. لقد تمكنت من تجاوز مرحلة المبتدئ في وقت وجيز، وأطمح إلى تحقيق الأفضل".
متحدث هسبريس أورد أن جمعيته في تواصل مستمر مع إحدى الجمعيات الفرنسية المتخصصة في الطيران الشراعي، التي قال إن أعضاء منها سيحضرون، الربيع المقبل، إلى بولمان لدعم "جمعية جرف الأطلس" بمعدات الطيران الشراعي، والإشراف على تأطير أعضائها في هذا الصنف الرياضي؛ وذلك في أفق تكوين فريق خاص بمدينة بولمان يمكنه تنظيم تظاهرات محلية، والمشاركة في تلك التي تقام بأماكن أخرى من البلاد أو خارج أرض الوطن.
"عموما الطيران الشراعي يمكن أن يشكل واجهة للتنمية السياحية بمنطقة بولمان. وإن كانت هذه الرياضة تتطلب الجرأة والتدريب النفسي للتغلب على الخوف، فإن ممارستها لا تنطوي على أي أخطار طالما التزم الممارس لها بقواعد الطيران الآمن"، يوضح زهير العز، موردا أنه لم يتعرض في مشواره لأي إصابة، ما عدا بعض الكدمات البسيطة في ظهره خلال إحدى التدريبات ضواحي مراكش.
قد يهمك ايضا :
سفارة أميركا في الرباط تّصدر دليل موجه للمصدرين المغاربة لإطلاعهم على حال الأسواق
افتتاح فعاليات المنتدى المصري المغربي في مدينة الداخلة لبحث الأزمات في المنطقة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر