يقترب مراد الخباز من إكمال عقدين اثنين في جمهورية ألمانيا الاتحادية، البلاد التي حل بها في أوائل سنوات الألفية الحالية، مراهنا على صقل خبرته الشخصية والمهنية والنجاح في اقتسامها مع المغاربة في مختلف أرجاء المملكة.
يؤمن الخباز، منذ بداية خوضه "التجربة الألمانية"، بأن الخيارات تبقى نسبيّة وفق المتاح، وأن النجاح في اغتنام الفرص المواتية، بعد تفكير عميق دون تخوّف مسبق من التغيير، يعمل على فتح الأبواب الخفية التي تقود إلى النجاح.
الماضي في الرباط
ازداد مراد الخباز سنة 1981 في مدينة الرباط، وبين أحياء العاصمة المغربية اشتدّ عوده، وعند التدرج بين ثلاث من مؤسساتها التعليمية العمومية صُقلت كل أحلامه.
تلقى الخباز تعليمه الابتدائي في مدرسة المنصور الذهبي، وبعدها أمضى المرحلة الإعدادية في مؤسسة الجولان، بينما نال باكالوريا في شعبة العلوم التجريبية من ثانوية محمد بن عبد الكريم الخطابي.
أراد ابن "حي يعقوب المنصور" أن يغدو مهندسا معماريا؛ لكنّه لم يتمكّن من ولوج المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية في الرباط، ما دفعه إلى الهجرة بحثا عن التكوين الذي يبتغيه.
تحليق صوب باريس
يشدد مراد الخباز على الهجرة لم تكن هدفا في حد ذاتها لديه، ويقول إنه نظر إليها، دوما، بمثابة وسيلة للبحث عن فرص بديلة وقت الشدّة، ثم يزيد: "كل مهاجر إلى ما هاجر إليه".
"بحثت بين المؤسسات التي تتيح التكوين الجامعي في الهندسة المعمارية خارج المغرب، وحصلت على مكان في إحدى الكليات الفرنسية، لذلك قررت الرحيل بعيدا عن الوطن"، يسترسل المتحدث نفسه.
فرد مراد جناحَي أحلامه ليتحرك صوب العاصمة الفرنسية، وبها قصد "مدرسة الهندسة المعمارية باريس ڤيلمان" من أجل الدراسة؛ لكن هذه الخطوة لم تستمر إلاّ سنة واحدة.
انطلاقة جديدة
ارتأى الخباز تغيير مساره في التكوين العالي بعدما رصد ميله إلى دراسة العلوم التقنية، وزيادة على ذلك قرّر استبدال الاستقرار في فرنسا بالتوجه صوب بلد أوروبي آخر؛ للتعرف على ثقافة جديدة وبيئة عيش مختلفة.
ويورد مراد الخباز بشأن هذه الخطوة: "من الصعب تغيير بلد الاستقرار والتخصص الدراسي دفعة واحدة، لقد شكل هذا تحديا بالنسبة إلي. جذبتني ألمانيا بعدما قصدتها في زيارات للتعرف على الأوضاع الاجتماعية والتكوينية".
قدّم المغربي ملف ترشحه لولوج جامعة "كارلسغوه"، جنوب غرب ألمانيا، وهي التي تسمى حاليا "مؤسسة كارلسغوه للتكنولوجيا"، وتحقق التحاقه بها عقب النجاح في اختبارات الانتقاء، ليتخصص في تقنيات المعلوميات.
هندسة بين التحديات
اجتاز المتأصل من الرباط سنة تحضيرية، تركز فيها التعلّم على اللغة الألمانية والرياضيات والمعلوميات والفيزياء، ثم توالت المواسم الجامعية حتى تخرج مهندسا في المضمار البديل الذي اختاره.
ويورد مراد الخباز: "صادفتني صعوبات على أرض الميدان، رغم ما استجمعت مسبقا عن ألمانيا؛ أشدها تمثل في صعوبة التأقلم مع خصوصيات المجتمع المغايرة لما ألفته في المغرب وفرنسا".
كما يردف: "وجدت نفسي أمام نظام تعليمي لم أعاينه عليه خلال فترة التربية والتكوين بالمغرب أو أثناء دراسة الهندسة المعمارية بباريس، وقد بذلت جهدا حقيقيا أضبط كيفية التعامل التغيير؛ ضبطا وفهما وتفاعلا".
ابتكار الحلول
اضطر الخباز إلى العمل من أجل توفير حاجياته الحياتية وسداد الرسوم الجامعية، دون فقدان التركيز على التمكن من اللغة الألمانية والتقدّم في الدراسة الأكاديمية.
"شكل العمل الجمعوي العلمي بوابة رئيسية لتحقيقي الاندماج الفعلي، وعبره تعرفت على تنظيمات تقدّم مشاريع تطبيقية لشركات عديدة، كما كسبت علاقات متنوعة وحصلت على معرفة بسوق الشغل"، يذكر مراد.
استثمر المنتمي إلى صف الجالية المغربية بالخارج سابق ممارسته للكرة الطائرة في الرباط من أجل الاندماج في ألمانيا، وبواسطة نشاطه الرياضي حظي بمعارف وأصدقاء يقدمون أصنافا من الدعم المعنوي.
حرص مراد الخباز على استمرارية أدائه الجمعوي والرياضي حتى تخرجه مهندسا في "تقنيات المعلومات" من جامعة "كارلسغوه"، ويرى أن سيره على السكّتين أتاح ابتكار حلول لحزمة من المشاكل التي صادفها، مع إبراز الذات أيضا.
تدرج مهني
عقب التخرج، التحق مراد الخباز بدواليب شركة متخصصة في توزيع الطاقة بمدينة "فرانكفورت"، ثم قفل إلى مدينة "شتوتغارت" للبصم على تعاط مهني آخر يرتبط بقطاع السيارات.
المهندس في "تقنيات المعلومات" تدرّج في شركة تعمل على تقديم الاستشارات الهندسية لمصنعي السيارات، ثم انتقل إلى شركة أخرى تقوم بتوفير قطع الغيار لمجموعة كبرى في المجال الصناعي عينه.
"عشت على إيقاع ممارسات مهنية تؤكد أهمية ما تلقيته من تكوين خلال فترة التعليم العالي، كما أحرص دوما على نسج علاقات واسعة انطلاقا من ميولاتي المستمرة للعمل الجمعوي"، يعلّق الخباز على مساره المهني.
انشغال بالوطن الأم
يصرح مراد الخباز قائلا: "يغمرني شعور بالرضا على ما بلغته في حياتي الشخصية والمهنية، وأعتبر نفسي مندمج فعلا في المجتمع الألماني دون انسلاخ عن ثقافتي الأم وهويتي المغربية التي أعتز بها".
ولا يخفي المتخصص في تقنيات الملومات دعمه لكافة توجهات جمعية الكفاءات المغربية الألمانية التي ينتمي إليها، ويشدد على أنه يثمن تحركها للبصم على مشاريع مشجعة على تنموية بعدد من مناطق المملكة.
"أطمح إلى مزيد من النجاح المهني وعيني على خوض تجربة مستقبلية في المغرب، أريد نقل قسط من خبرتي إلى المغرب والمغاربة هناك، وأن أساهم في بناء التطوّر المنشود"، يذكر مراد الخباز.
الثقة في القدرات
ينصح الخباز كل الباحثين عن النجاحات بالاعتماد على روح المبادرة، والإيمان ببلوغ التغيير الإيجابي عن طريق العمل الجادّ، واللجوء إلى الاجتهاد في ابتكار الحلول دون حساب.
كما يجاهر المغربي المقيم في ألمانيا بأن الشباب، سواء المنخرطون في تجارب هجرة أو غيرهم، مدعوّون إلى رفع سقف الطموح الخاص بهم، وأن يتعاملوا مع الصعوبات بثقة بالغة في القدرات التي يتحلّون بها.
ويختم مراد الخباز: "أنا خريج للمدرسة العمومية المغربية في الأساس، وعلينا إعادة الثقة إلى هذه المدرسة التي أعطت الكثير من الأطر الناجحة في المملكة وعبر العالم، مع عدم التردد في الاستثمار ضمن الشباب شعبيا ورسميا".
قد يهمك ايضا
إحداث مدارس وطنية للهندسة المعمارية ذي جودة عالية بعدد من المدن المغربية
السفارة الألمانية في أبو ظبي تحتفل بمئوية انطلاق الحركة الفنية "باوهاوس"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر