تشغل عودة الخدمة العسكرية في المغرب، الشباب الذين تنقسم آراؤهم تجاهها بين من يعتبرها فرصة لمعالجة مشكلة البطالة، ومن يتخوف من استعمالها لـضبط شباب يظهر باستمرار نزعات احتجاجية.
وقال حسن "19عام"، الذي يعمل في أحد مطاعم العاصمة، "من الطبيعي أن نلتحق بالجيش، فمن الضروري أن ندافع عن بلادنا، سمعت أن الأمر متعب لكنني مستعد للدفاع عن وطني عند الحاجة".
في المقابل، تبدو كنزة "19 سنة" الطالبة الجامعية أقل حماسًا، فهي ترى أن الخدمة العسكرية أمر إيجابي في ظل الكثير من الانحرافات التي يعيشها الشباب، لكنها تعتبر أنها لا يجب أن تفرض على الجميع، خاصة الذين يرغبون في متابعة دراستهم.
وحددت عقوبة المتخلفين عن تلبية نداء التجنيد بالسجن لمدة تتراوح بين شهر واحد وسنة واحدة، وفق نص المشروع الذي اطلعت وكالة "فرانس برس" على نسخة منه، ويورد النص حالات تستوجب الإعفاء من أدائها لدواع صحية أو لمتابعة الدراسة أو إعالة الأطفال بالنسبة للأمهات، لكنه لا يوضح كيفية تحديد عدد المعنيين بها كل سنة، أو حجم التعويضات المخصصة لهم.
ويربط بعض المراقبين بين عودة الخدمة العسكرية التي ألغيت سنة 2006، ودور الشباب في عدة حراكات اجتماعية، شهدها المغرب أخيرًا في الريف وجرادة، فضلًا عن نشاطه في الترويج لمقاطعة ثلاث علامات تجارية كبرى مستمرة منذ أبريل/نيسان احتجاجًا على الغلاء.
ويرى أستاذ العلوم السياسية، محمد شقير، أن الإسراع بطرح هذا المشروع بدون مقدمات جعل الرأي العام يرتاب منه، ويعتقد هذا المتخصص في الشؤون العسكرية أن طرحه مرتبط بالاحتقان الاجتماعي، وسيكون آلية لإعادة ضبط شريحة الشباب التي كانت وقود عدة احتجاجات.
وفرضت الخدمة العسكرية للمرة الأولى في المغرب في 1966 في أجواء من الاحتقان وتوتر أكبر، عقب تظاهرات دامية للطلاب في آذار/مارس 1965 في الدار البيضاء ومدن أخرى. وكان لافتًا أن أول فوج أدى هذه الخدمة ضم جل قيادات اتحاد الطلبة النشيط آنذاك في معارضة نظام الملك الراحل الحسن الثاني.
وحذر تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي قبل أسابيع من تفشي البطالة وسط الشباب "15-34 سنة" لتبلغ 20 بالمائة، منبها إلى أن 82 بالمائة منهم لا يمارسون أي نشاط، ويقضون 72 بالمائة من وقتهم في أنشطة "غير منتجة".
وتقول الحكومة المغربية، إنها تعول على الخدمة العسكرية لتفتح أمام الشباب فرص الاندماج في الحياة المهنية والاجتماعية، لاسيما من خلال الانخراط في مختلف القوات العسكرية والأمنية.
ويعرب محمد "24 سنة"، الذي يعمل مصورًا فوتوغرافيًا عن قناعته بهذا التبرير، ويوضح أنها لا شك ستمنح الشباب تكوينًا يحفزهم ويؤهلهم لولوج سوق العمل ويساعدهم على تطوير أنفسهم، ولا يستبعد أن يكون اللجوء للخدمة العسكرية ناجمًا عن عدم الثقة في نجاعة جهود خلق فرص العمل، على المدى القصير.
وأشار بيان الديوان الملكي، إلى أن الخدمة العسكرية تهدف لإذكاء روح الوطنية لدى الشباب في إطار التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة، وقد دعا تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى إطلاق "مبادرة وطنية مندمجة" لصالح الشباب، مشيرُا إلى "أزمة ثقة حقيقية بين الشباب والمؤسسات السياسية".
وقال إن 46 بالمائة من المغاربة ولدوا بعد دخول الإنترنت إلى المملكة سنة 1993، محذرًا من أن الانفتاح اللامحدود على هذا الفضاء يجعل الشباب عرضة لينهلوا من منظومة قيم تجاوز الحدود المرسومة في النطاق العائلي.
ويوافق كداي على أولوية التعليم، وإن كان مقتنعا أن الخدمة العسكرية فكرة جيدة، لكن المطلوب تربية الشباب على تحمل المسؤولية وخدمة المجتمع، وهو يرى أن هذا الهدف يمكن أن يتحقق من خلال برامج للخدمة المدنية في المؤسسات التعليمية، وأن الخدمة العسكرية في حد ذاتها لن تصلح ما أفسدته التربية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر