حلَّ مصطفى التراب، الرئيس المدير العام للمكتب الشريف للفوسفات، أمس الأربعاء، ضيفاً غير معهود على أعضاء لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، وهي اللجنة التي تختص بمراقبة وتتبع الإنفاق العمومي للحكومة ودراسة التقارير الموضوعاتية الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات.
وكان المجلس الأعلى للحسابات أصدر في مارس الماضي تقريراً حول المكتب الشريف للفوسفاط، الذي يُعتبر أكبر مقاولة وطنية وأول مُصدر للفوسفاط ومشتقاته على الصعيد العالمي؛ لكنه لم يكشف آنذاك كافة المعطيات التفصيلية بدعوى حساسيتها.
وخلال جلسة استماع البرلمانيين للمسؤول الأول عن المكتب الشريف للفوسفات، قدم التراب مسار تحول OCP منذ سنة 2006، تاريخ تعيينه من قبل الملك محمد السادس على رأس المكتب، إلى نهاية سنة 2018.
واستعرض التراب معطيات مفصلة للبرلمانيين أعضاء اللجنة، بحضور عزيز رباح، وزير الطاقة والمعادن والبيئة، حول وضعية المكتب في بداية سنة 2006 وإستراتيجية الفترة الممتدة من 2007 إلى 2018، إضافة إلى رهانات السوق الحالية والمخطط الخاص بفترة 2019-2026.
50 مليار طن
وتُفيد معطيات العرض نقلاً عن المؤسسة الأميركية للمسح الجيولوجي بأن المغرب يتوفر على 70 في المائة من احتياطات الفوسفاط العالمية، بما مقداره 50 مليار طن، فيما يتوزع الباقي على دول عدة، منها الجزائر ومصر وأميركا والصين وجنوب إفريقيا وأستراليا.
ويبقى توفر المغرب على هذا الاحتياطي أمراً بالغ الأهمية لأن إنتاج الأسمدة، وخصوصاً المتخصصة، ضروري للإنتاج الزراعي العالمي؛ وفي حالة قلت هذه الأسمدة سيقل الإنتاج، وبالتالي تهديد الأمن الغذائي في العالم.
وتضم سلسلة القيمة لإنتاج الأسمدة الفوسفاط الخام، والحامض الفوسفوري والأسمدة. وفي سنة 2005 كانت صادرات المكتب الشريف للفوسفاط تضم 43 في المائة من الفوسفاط الخام ونفس النسبة بالنسبة للحامض الفوسفوري؛ في حين لم تكن تتجاوز نسبة الأسمدة المصدرة 9 في المائة.
وكانت هذه الوضعية تُضيع على المكتب حصص سوق كبيرة في ما يخص الأسمدة باعتبارها المنتوج النهائي للفوسفاط الخام، إذ كان في موقع قوي في سوق فوسفاط يعرف انخفاضاً، وموقع ضعيف في سوق أسمدة يعرف ارتفاعاً.
ونتيجة لهذا التموقع الضعيف، كانت الوضعية المالية للمكتب هشة جداً، إذ تفيد مُعطيات العرض الذي قدمه التراب للبرلمانيين بأن الحصيلة الصافية في 31 دجنبر 2005 حققت نتيجة سلبية بـ16 مليار درهم؛ وكان على هذا الوضع السلبي منذ سنة 1999.
وفي نهاية سنة 2005، كانت ذخائر وديون المكتب الشريف للفوسفاط في حدود 14.7 مليارات درهم، وأدى كالتزام لصندوق التقاعد ما مجموعه 31.8 مليارات درهم، أي أكثر من أصوله التي كانت تناهز 30.5 مليارات درهم.
إستراتيجية 2007-2018
بعد تعيينه سنة 2006 من طرف الملك محمد السادس، أعد التراب إستراتيجية لفترة 2007-2018 تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية، أولها زيادة الحصة في سوق الأسمدة من 3 إلى 12 مليون طن، وثانيها خفض الكلفة، وثالثها المرونة التجارية.
وتطلبت هذه الإستراتيجية تمويلاً قدره 8 مليارات دولار، ما يعادل 76 مليار درهم مغربي. وقد تأتى للمكتب هذا المبلغ من السوق المالية الوطنية بـ1.2 مليار دولار، و2.8 مليارات دولار من السوق المالية الدولية، و4 مليارات دولار من التمويل الذاتي. كل ذلك بهدف الحصول على 50 في المائة من نمو الطلب العالمي على الأسمدة.
واعتمد المكتب الشريف للفوسفاط في محور خفض كلفة الإنتاج على ركيزتين؛ من خلال برنامج "إقلاع" الخاص بالإنتاج من 2010 إلى 2014، بحيث كان الرهان هو رفع الإنتاجية دون رفع التكاليف. أما الركيزة الثانية فهي أنبوب نقل الفوسفاط في يونيو 2014، بحيث مكن من خفض تكاليف النقل من خريبكة إلى الجرف الأصفر بنسبة وصلت إلى 90 في المائة؛ ناهيك عن اقتصاد الماء وثاني أكسيد الكربون.
ورغم اعتماد المكتب الشريف للفوسفاط على أنبوب للنقل، إلا أنه حافظ على المساهمة في رقم معاملات المكتب الوطني للسكك الحديدية الذي يتكلف بالنقل السككي لمنتجاته، إذ بقيت مساهمته في حدود 1.7 مليارات درهم كمعدل ما بين 2015 و2018.
وآتت الإستراتيجية المُعتمدة بداية 2007 أُكلها مع توالي السنوات، إذ يحقق المكتب اليوم أدنى كلفة إنتاج في السوق الدولية، وهو ما مكنه من توجيه الأسعار لتفادي التقلبات الكبيرة في السوق؛ وقد بادر سنة 2009 إلى إيقاف الإنتاج لمدة شهرين لتقليص العرض وتفادي انهيار الأسعار تزامناً مع الأزمة المالية العالمية.
وفي نهاية سنة 2018، أي بعد مرور 11 سنة على انطلاق الإستراتيجية، أصبح المكتب الشريف للفوسفاط أكثر منتج للأسمدة الفوسفاطية في العالم، بعدما كانت أميركا في المرتبة الأولى رغم أنها لا تتوفر على احتياطات كبيرة. وأصبحت الأسمدة تمثل 22 في المائة من صادرات OCP بعدما كانت في السابق في حدود 9 في المائة.
ومقابل ذلك، خفض المكتب أيضاً حصة الفوسفاط الخام ضمن صادراته من 43 في المائة سنة 2005 إلى 36 في المائة نهاية السنة الماضية؛ كما رفع حصة الحامض الفوسفوري من 43 في المائة إلى 47 في المائة.
الأثر الاقتصادي
كانت للبرنامج الاستثماري للمكتب الشريف للفوسفاط آثار مهمة على الاقتصاد الوطني، إذ ساهم في إحداث 400 شركة صناعية مغربية برقم معاملات 49 مليار درهم، أي ما يمثل 63 في المائة من المبلغ الاستثماري البالغ 8 مليارات دولار.
كما ساهم البرنامج أيضاً في خلق 8400 منصب شغل قار و18 مليون يوم عمل خلال مرحلة الإنجاز، و1350 مهندسا بشركة JESA حوالي 90 في المائة منهم مغاربة، وهي تعتبر اليوم أكبر شركة هندسة في إفريقيا.
أما على مستوى رقم المعاملات الخاص بالمكتب الشريف للفوسفاط فيتوقع أن يصل إلى 56 مليار درهم نهاية السنة الجارية، محتفظاً بذلك بنفس المستوى لسنة 2018 وبارتفاع عن سنة 2017 التي حقق فيها 49 مليار درهم، مقابل انخفاض مستمر لسعر الأسمدة منذ السنة الماضية، ليصل كما هو مرتقب نهاية السنة الجارية إلى 350 دولاراً للطن.
وكان المكتب عرف تحولاً مهماً سنة 2008، إذ أصبح شركة مجهولة الاسم، وهو ما أتاح له الحصول على تمويلات من الأسواق المالية وطنياً وخارجياً لتنفيذ البرنامج الاستثماري الذي نقله من نتائج سلبية إلى مرحلة أرباح وصلت أوجها خلال السنة نفسها، حين حقق أرباحاً ناهزت 22 مليار درهم.
قد يهمك ايضا :
روسيا وأوكرانيا توصلتا إلى اتفاق أولي حول ترانزيت الغاز وتحديد كميات الضخ
الجواهري يكشف عن عروض تنافسية للمصارف تهدّد النظام البنكي
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر