مسقط ـ العمانية
دعا كبير الباحثين بالهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي الباحث في علم المبيدات المهندس محمد صالح النصيري إلى إنشاء وحدة لرصد وتقدير الأثر المتبقي للمبيدات في جميع المحاصيل الزراعية المنتجة في اليمن وعلى رأسها القات.
وقال الباحث في دراسة حديثة نشرتها مجلة العلوم الزراعية المتخصصة: بالرغم من عدم وجود بيانات دقيقة لكمية المبيدات المستوردة أو المستخدمة إلا أن كمية المبيدات المستخدمة على محصول القات تعطي مؤشرا واضحا لما يمكن أن نسميه كارثة المبيدات الكيميائية وتأثيراتها السلبية على البيئة والإنسان بشكل خاص.
مشدداً على أهمية وضرورة إعادة النظر في كثير من التراخيص الممنوحة لتجار المبيدات وتشديد الرقابة على بيعها وتوفير إمكانيات مادية وكافية للبحوث في هذا المجال، مبينا أن اليمنيين استخدموا بكثافة مبيدات كثيرة خلال العقدين الماضيين يمكن أن تطلق عليها مرحلة الطفرة في استخدام المبيدات الكيميائية على المحاصيل والسبب الرئيس هو القات.
ولفتت الدراسة التي أن اليمن لاتفتقر إلى التشريعات واللوائح المنظمة لعملية التداول بل يكمن الخلل في الدعم الفني والمالي والتقني لتنفيذ وتطبيق تلك القوانين وعلى رأسها إعلان قانون الحجر الزراعي وقانون تنظيم تداول المبيدات وقانون البذور والمخصبات وقائمة المبيدات المحظورة والمقيدة ،وتشكيل لجنة تسجيل المبيدات واستحداث لجنة حماية المستهلك كما تشكلت بعض الأجهزة الرقابية ومنها أجهزة الحجر الزراعي والهيئة العامة للمواصفات والمقاييس.
ويقول الباحث :رغم أن التوصيات الفنية سواء المتعلقة باختيار المبيدات أو استخدام المبيدات الاختيارية أو وسائل المكافحة الأخرى والمكافحة المتكاملة قد تم تدارسها ووجدت طريقها للجهات المعنية ،إلا إننا مازلنا نلاحظ أن مشكلة المبيدات تتفاقم وسوء الاستخدام العشوائي لها يزداد اتساعا والكارثة مازالت قائمة ولذا فإننا على يقين أن القضية يجب أن تثار بشكل علمي على كافة المستويات .
وحث على الوعي الكامل والصادق للمزارعين وتقديرهم لحجم المشكلة ،والتفرغ الكامل لأجهزة الإعلام للتوعية .
وتشير المعلومات إلى أن اليمن يستورد سنويا ما يقارب 4000 طن من المبيدات بمبلغ إجمالي يصل إلى أكثر من مليار و500 مليون ريال يمني لحوالي 55 نوعا من المبيدات الكيميائية المسموح باستيرادها وتداولها في البلاد وذلك لمكافحة الآفات الزراعية (حشرات ،آفات التربة كالنيمتودا والحشائش الضارة وغيرها )إلا أن المتوفر في الأسواق أكثر بكثير من هذا الرقم بفعل التهريب أو الحصول على تراخيص غير قانونية ويعتبر القات هو المحصول الرئيس الذي يحظى بالنصيب الأكبر من المبيدات يليه محاصيل الخضار (البطاطس ،الطماطم ،الكوسة ).
ويعتبر المزارعون في النظام الإنتاجي الزراعي المروي هم أكثر المزارعين استخداما للمبيدات بشكل عام ،بينما مازالت المحاصيل الزراعية تحت النظام المطري اقل استخداما للمبيدات حسب ما تؤكد الإدارة العامة للوقاية .
ولفت الباحث إلى أن استخدام المبيدات الكيمائية في بيوت الزراعة المحمية والتي بدأت تنتشر في اليمن في الآونة الأخيرة تشكل حاليا بداية مشكلة أخرى يجب التنبيه لها قبل استفحالها، حيث تشير الدراسات إلى أن بعض المزارعين يرشون المبيدات الحشرية كل 3-4 أيام لمكافحة آفة الخيار أو الطماطم أي ما يقارب 20-25 رشة للمحصول وهذه مشكلة كبيرة لعدة أسباب منها أن هذه المحاصيل تستخدم طازجة وتباع في كثير من الأوقات دون الالتزام بفترة الأمان للمبيدات ،وثانيها أن جزءاً كبيرا من هذه المبيدات يتبخر في الهواء نظرا لارتفاع درجة الحرارة داخل المحميات وبالتالي تلوث الهواء .
وعلى الرغم من عدم وجود دراسات تحليلية دقيقة للتأثيرات التراكمية للمبيدات على التربة أو المياه في اليمن إلا أن الملاحظات التي آثارها الباحثون في الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي على الآثار السلبية لتراكم مبيدات الأدريين وغيرها من المبيدات الكلورية في بعض مزارع تهامة ،قد أوضحت بجلاء أن هناك تراكما لهذه المبيدات في التربة وذلك جراء استخدامها في مكافحة آفة النمل الأبيض .
أما بالنسبة للتأثيرات السلبية للمبيدات على متناولي القات فقد ذكرت بعض الدراسات بوجود علاقة طردية بين القات وأمراض السرطانات (سرطان اللثة ،سرطان البلعوم ،سرطان الأمعاء ،تليف الكبد) وهنا لابد من الإشارة إلى أن السبب الرئيسي لهذه الأمراض ليس القات كمحصول بحد ذاته ولكن بسبب المبيدات المستخدمة على القات دون الالتزام بفترة الأمان .
وقد اهتمت الدولة في الآونة الأخيرة بدراسة مشكلة القات وتأثيراتها السلبية الصحية والاجتماعية وعقدت لهذا الغرض أكثر من ندوة وحلقة عمل وأجريت بعض الدراسات الأولية لحجم مشكلة المبيدات واقترحت الحلول إلّا أن بعض هذه الحلول غير قابلة للتطبيق في ظروف بلادنا على الأقل في المستقبل المنظور ،والبعض الآخر من هذه الحلول وجد طريقه إلى التنفيذ كالحلول التشريعية ولكن لابد من الوصول إلى استنتاجات علمية وعملية لحجم مشكلة المبيدات الكيمائية .
وتوصل الباحث إلى عدة نتائج منها أن بعض المبيدات الكيمائية المستخدمة في مكافحة الآفات على القات تتحل بفعل عوامل البيئة الأكسدة والاختزال الهدرجة ،تأثير الكائنات الدقيقة ) وان بعض هذه المبيدات تتحول إلى مواد أخرى قد لأتكون عالية السمية كما في المواد الأساسية للمبيد المركب وبالتالي فإنه يجب التأكد من المواصفات الكيمائية والفيزيائية لأي مبيد وبصورة دقيقة وهذا الأمر للأسف لايتم إيلاؤه الأهمية الكافية لدى الجهات المعنية سواء الجهات البحثية أو الإرشادية ،أو مجلس حماية البيئة والجمعيات الزراعية أو حتى لجنة تسجيل المبيدات حيث انه من الممكن التقليل من المخاطر عن طريق استخدام إحدى الصفات على سبيل المثال أكسدة المركب واختزاله وإضافة مواد أخرى تساعد على تحلله وبالتالي التقليل من آثاره التراكمية على البيئة .
كما أثبتت الدراسات أن اختيار المبيد المناسب في مكافحة الآفات مع اختيار الوقت المناسب يلعب دورا رئيسيا في التقليل من مخاطره وحتى لوكان هذا المبيد ذو سمة عالية ،وأن استخدام المبيدات المتنوعة في إطار ميكانيكية عملها يخفف من الآثار التراكمية للمبيدات سواء على التربة أو في النبات .
وبينت أن إحدى أهم الإشكاليات استخدام المبيدات الزراعية في اليمن هي نسبة الأمية العالية لدى المزارعين حيث أن البحوث والدراسات تشير إلى أن 52% من المزارعين المستخدمين للمبيدات تحت ظروف الزراعة المروية و70% من المزارعين في الظروف المطرية لايجيدون القراءة والكتابة وبالتالي لايستوعبون الإرشادات المتعلقة بالمبيد.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر