القاهرة - وكالات
كان الإهتمام بأفريقيا إحدى حسنات الرئيس جمال عبدالناصر، نظر إلى قارته، وكان من مؤسسى الاتحاد الأفريقي، وأنشأ فى مصر «الجمعية الأفريقية» وأطلق الإذاعات الموجهة، فأصبح لنا امتداد ونفوذ ونظرة تقدير وحب. وبعد وفاته، بدأ كل هذا فى التراجع حتى وصل إلى ما حول منطقة الصفر فى السنوات القليلة الماضية. اختفت «القوة الناعمة» والسياسة الحكيمة تجاه دول قارتنا، وبقينا نحن نتحدث عن التاريخ. ومن فترة لأخرى تظهر دعوات للعودة إلى ما كنا عليه، ولكنها لم تلق صدى كبيرا أو تنفيذا على أرض الواقع لأسباب كثيرة، من أهمها تركيز الحكومة على الجانب السياسى، وهو ما يبدو أنه لا يلقى نجاحا كبيرا، خاصة فى دول حوض النيل، فالاعتماد على التاريخ وحده لا يكفى لإعادة اكتساب ثقة شعوب تتطلع إلى المستقبل.
فى وسط هذا الواقع السياسى كان أعضاء مؤسسة «شباب بتحب مصر» يفكرون فى استكمال نشاطهم فى احتفاليات تنشيط السياحة الداخلية، وعندما عرفوا بأن اليوبيل الذهبى للاتحاد الأفريقى يحل فى مايو من هذا العام، قرروا أن يحولوا مسار الاحتفالية لتصبح «أفريقيا بعيون مصرية» فى محاولة لدعم التبادل الثقافى والفنى بين مصر ودول أفريقيا ورسالة تعبر عن رغبة فى توطيد العلاقات بين شباب القارة، وتوزيع كتيب عن العلاقات المصرية بباقى القارة وكلمات سياسية سريعة يلقيها على الجمهور متخصصون وسياسيون.
تقول شيماء طلبة، مدير العلاقات بالمؤسسة: بعد الاستقرار على الفكرة، اجتمعنا معا، وكتبنا كل ما نحتاجه لتنفيذها، ثم قسمنا تلك الاحتياجات فى قوائم بحسب الوزارات الموجودة، ثم كتبنا صيغة المشروع، وتوجهنا إلى الوزارات والهيئة المعنية، وتركنا لكل منها نسخة، وغادرنا، ونحن لا نتوقع أن يقوموا بالاتصال بنا، وبدأنا فى التفكير فى كيفية تمويل المشروع. وبعد 48 ساعة من إرسال الأوراق فوجئ أحمد فتحى، رئيس المؤسسة، باتصال هاتفى من الهيئة العامة للاستعلامات يخطره بتحديد موعد مع مديرة مكتب رئيس الهيئة، ذهب ومعه مجموعة من الشباب المشاركين فى المؤسسة، وفى هذا الاجتماع حُدد لهما موعد لاجتماع آخر، وكان الاجتماع الثالث مع الدكتور محمد بدرالدين زايد، رئيس الهيئة. وفى الاجتماع الثالث، فؤجئوا بأن الدكتور «بدر» على دراية بتفاصيل الاجتماعين السابقين، ويخطرهم بموافقته على رعاية المهرجان من خلال طباعة ألف نسخة من كتيب عن مصر وافريقيا و3 آلاف دعوة للحضور، كما قام باتصالات شخصية بهيئة تنشيط السياحة ووزارة الخارجية المصرية، وتحدث معهم عن المهرجان مرشحا قيامهم بدعمه، كلٌ فى اختصاصه.
بعد هذا الاجتماع، بدأت المجموعة العمل، مع الأصدقاء، على إيجاد الفرق الموسيقية الأفريقية المشكلة من الجاليات الأفريقية بمصر. حتى حصلوا على موافقة 4 منها، تمثل السوادن وجنوب السوادن والكونغو ونيجيريا، كما حصلوا على موافقة فرقة نوبية مستقلة للمشاركة. وبالتوازى مع ذلك كانوا يعملون مع الجهات الحكومية المختلفة، فالتقوا فى وزارة الخارجية بالسفير مجدى عامر، منسق شؤون دول حوض النيل بالخارجية، والدكتورة منى عمر، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، اللذين قدما للمجموعة النصائح حول كيفية التعامل مع السفارات الأفريقية فى مصر، والأشخاص الذين يمكن تضمين أعمالهم فى الكتيب، وقدما لهم وسائل الاتصال بـ«الجميعة الأفريقية» التى ساعدتهم فى الوصول لفريق موسيقى من إثيوبيا وفى استكمال مادة الكتيب والوصول للشكل النهائى للمتحدثين وهم: الدكتور محمد فايق، وزير الإعلام الأسبق بعهد عبدالناصر، والدكتورة منى عمر، والدكتور وسيم السيسى، متخصص بعلم المصريات، والدكتور حلمى شعرواى، مدير مركز البحوث والدراسات الأفريقية، وممثل عن اتحاد الطلاب الأفارقة فى مصر، وممثل اتحاد طلاب دول حوض النيل فى مصر ومتحدث عن السفارات الأفريقية المشاركة بالاحتفالية.
توجهت المجموعة بخطابات توصية من المسؤولين الذين قابلوهم إلى مسؤولين آخرين لإيجاد باقى الدعم اللازم، فوافقت وزارة الآثار على إقامة الحدث فى منطقة الأهرامات، ووافقت وزارة الثقافة على مشاركة 5 من الفرق الشعبية التابعة لها والتكفل بنفقاتها، ووافق قطاع السياحة الداخلية بوزارة السياحة على دعم المهرجان دعماً عينياً (50 ألف جنيه) يوجه لتغطية تكلفة أتوبيسات نقل المشاركين فى المهرجان والحضور. وعندما واجهت المنظمين مشكلة فى تمويل معدات الصوت والإضاءة تواصلوا مع الدكتور «بدر» الذى تواصل بدوره مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذى وافق على المساهمة بأجهزة الصوت والإضاءة ومولد كهرباء بالإضافة إلى التغطية التليفزيونية للحدث. وعندما توجهت المجموعة إلى شرطة السياحة والآثار للحصول على الموافقة الأمنية، وافق اللواء عبد الرحيم حسان مرحبا بالمشروع، وعرض عليهم نقل الاحتفالية من منطقة الصوت والضوء إلى «بانوراما 2»، المعروفة بسفح الأهرامات، من أجل توفير منظر أفضل للحضور والمشاركين وإبعادهم عن مشاكل الباعة والعاملين فى تأجير الخيول والجمال.
«أفريقيا بعيون مصرية» محاولة للتقارب الثقافى، يمكن أن يتم استثمارها فيما بعد بشكل يجعلها أكثر تأثيرا، خاصة أنها محظوظة، على عكس غيرها من المبادرات الشبابية، برعاية واهتمام الحكومة وهو ما لم يكن متوقعا حتى بالنسبة لـ«فتحى» الذى يقول إنه عندما أرسل أوراق المهرجان إلى الجهات الحكومية لم يكن يتوقع هذا التجاوب، وإنما أرسلها من أجل «الإخطار» فقط لا غير. وإن هذا التجاوب دفعه للتفكير فى تكرار المهرجان نفسه، سواء فى إحدى الدول الأفريقية أو من خلال تقديم الدعوة لفرق موسيقية وفنية من تلك الدول للحضور إلى مصر، بدلا من الاكتفاء بالفرق المكونة من الجاليات الأفريقية فى مصر.
«شباب بتحب مصر» جميعة أهلية أسستها مجموعة من الشباب بعد العديد من الاحتفاليات التى خصصت لتنشيط السياحة الداخلية بعد الثورة بشكل فردى، ومشاركة وزارة البيئية فى أنشطة تطوير المناطق العشوائية، من خلال توعية ساكنى تلك المناطق بأعمال الوزارة وتشكيل درع مدنية لمنع التوتر بين الأهالى والهيئة الحكومية. ومشروعها القادم يحمل اسم «اعرف محميتك»، ويهدف للتوعية بالثلاثين محمية طبيعية الموجودة بمصر وتوثيقها بالصور والفيديو، وحصلوا على موافقة وزارة البيئة فى تنفيذه، وينتظرون الانتهاء من «مصر بعيون أفريقية» لبحث سبل تمويله.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر