بيروت - المغرب اليوم
فيما كثر الحديث في السنوات القليلة الماضية عن تكريس مفهوم السياحة البيئية، ومنها اعتماد مراكز لمراقبة الطيور بدلا من صيدها، عاد قبل نحو أسبوعين مسلسل قتل الطيور المهاجرة إلى الواجهة، أو الأصح إبادتها بعيدا من أية معايير أخلاقية، ما جعل لبنان يتصدر قائمة الدول التي ينظر إليها كواحدة من أكثر دول العالم في عدم احترامها للتنوع البيولوجي، لا سيما وأن مواقع التواصل الاجتماعي ألغت المسافة المفترضة بين لبنان والعالم، ومعظم الجرائم البيئية يعرضها "الصيادون" أنفسهم على صفحاتهم الخاصة، ويضعون صورا لعشرات ومئات الطيور المقتولة بكثير من التباهي!يمكن توثيق مشاهد فاضحة وكارثية يومياً، في مختلف المناطق، فما إن تلوح في السماء أرتال من الصقور والعُقبان والبجع بأنواعها الكثيرة، حتى يمطرها الناس بنيران البنادق الحربية إن كانت على ارتفاع لا تطالها بنادق الصيد العادية. وحدها أسراب البط والإوز البري تعبر بسلام كونها تطير ليلا فيما تسمع أصواتها وهي تتعقب بعضها في مسارات محددة، خصوصا إذا علمنا أن لبنان يعتبر – حسب "المجلس العالمي لحماية الطيور"، ثاني أكبر مسار للطيور على مستوى العالم.الوقائع المخيفة والفاضحة يمكن رصدها من خلال "مركز التعرف على الحياة البرية والمحافظة عليها" في مدينة عاليه، فهو إلى كونه أحد أهم مراكز الأبحاث العلمية التي تعنى بالحيوانات البرية في لبنان، يتحول في هذه الفترة إلى ما يشبه "مستشفى" يؤمه اللبنانيون من مختلف المناطق، ممن عثروا على طيور مصابة، بمعنى أننا نجد مشهدا نقيضا للقتل والإبادة لدى أناس يقطعون مسافات طويلة في محاولة لإنقاذ طائر مصاب سقط بالقرب منهم أو رأوه صدفة على قارعة الطريق مضرجا بدمه.أبو سعيد... حرام صيدهااستقبل المركز منذ الشهر الجاري أكثر من مئة طائر مصاب، فيما يتوقع أن يتضاعف هذا الرقم عندما يصل موسم هجرة الطيور إلى الذورة خلال الأسابيع المقبلة، وحسب رئيس المركز الدكتور منير أبو سعيد "هناك موسمان للهجرة في الربيع والخريف، وخلالهما نستقبل طيورا جلّها من الطيور الجارحة أي أنها لا تؤكل وتقتل خلال مرورها فوق لبنان، وهذه الطيور حرام صيدها نظرا لمنافعها الكثيرة بحيث نخسر حلقة مهمة من حلقات التوازن البيئي، كونها خلال مرورها تقتات على الجرذان والفئران والافاعي والحشرات ومنها دودة الصندل".وحسب أبو سعيد "تمر فوق لبنان معظم أنواع الطيور الجارحة مثل (عقاب بو الحيات)، (عقاب بو فار)، (الصقر الجراح) وكان يعيش في لبنان قبل أن ينقرض من بيئتنا الطبيعية، فضلا عن (باشق العويسق) الذي كان يعشش في لبنان أيضا، و(الشاهين)، و(الباز) وأنواع من النسور، إضافة إلى أنواع كثيرة لم تعد موجودة وما عدنا نراها كطيور مهاجرة، كما هناك طيور (اللقلق) أو (البجع) ويعرف أيضا بـ (الرهو الابيض)".تغيير مسارات الهجرة... واخطارهاوبحسب خبراء البيئة، هناك خمس عشرة منطقة مهمة في لبنان بالنسبة الى الطيور المهاجرة، ويرى أبو سعيد أن "لبنان محظوظ بوجود تيارات الهواء الساخنة التي ترفع الطيور وتخفف عنها صرف الكثير من الطاقة التي غالبا ما تستهلكها خلال الطيران"، ويضيف "لكن إلى جانب ذلك هناك الصيد العشوائي غير المنظم ومع مرور الوقت وعندما تجد هذه الطيور أنها موضع خطر دائم ومن أجل الحفاظ على النوع تقوم بتغيير مسار هجرتها من لبنان إلى مواقع أخرى، لذلك شهدنا تراجعا في أعداد الطيور المهاجرة فوق لبنان بشكل مخيف، ومن هنا نجد أن الآفات الزراعية كثرت بشكل غير معهود من قبل ونضطر لمكافحاتها بالمبيدات السامة"، وأكد أن "أنواعا كثيرة غيرت مسارها وما عندنا نراها بكثرة في سمائنا".حماية الطيور المهاجرة في عاليهوثمة مشروع بيئي قيد الاعداد لتكون منطقة "رأس الجبل" في مدينة عاليه موئلا بيئيا لحماية الطيور المهاجرة كي يتمكن المواطنون من الافادة من السياحة البيئية بهدف تحويل هواية مراقبة الطيور الى قطاع اقتصادي منتج بدلا من قتل الطيور وصيدها، خصوصا وأن هذه المنطقة تعتبر ممرا لانواع كثيرة من الطيور المهاجرة في هذا الفترة من العام.وأشار رئيس بلدية عاليه وجدي مراد إلى "أهمية التوازن البيئي والحفاظ على الانواع المهددة بالانقراض"، مؤكدا "استعداد بلدية عاليه دعم مبادرة الحفاظ على الطيور وتنظيم الصيد البري وتقديم كل التسهيلات الضرورية التي تسهل مراقبة الطيور ضمن مفهوم تنموي عام الهدف منه تشجيع السياحة البيئية انطلاق من منطقة رأس الجبل".اما أبو سعيد فأشار إلى "اننا نتوقع زيادة كبيرة في أعداد الطيور المصابة طوال الشهر الجاري"، وقال: "الطيور المصابة اصابات خفيفة نداويها ونعيد اطلاقها، أما الطيور المصابة بكسور في أجنحتها فتبقى في المركز إلى أن تنفق لانها غير قابلة للشفاء ومعاودة الطيران، ونؤمن لها الطعام والرعاية الدائمة"، وشدد على "ضرورة تنظيم الصيد والاستناد لقوانين واضحة تحاسب وتقاضي المعتدين".وعن كلفة علاج الطيور المصابة، قال: "نعالجها على نفقتنا كمركز ولا نريد توظيف هذه المشكلة في طلب الاغاثة من أحد، وعندما لا يعود في مقدورنا استقبال الطيور المصابة نعلن ذلك، لاننا موجودون منذ عشرين سنة في هذا المركز وسنستمر"، وأشار إلى أن "هناك صعوبات تحول دون إمكانية تكاثر الطيور الجارحة في المركز خلافا لبعض أنواع الحيوانات البرية، ولا نطالب بأكثر من تنظيم الصيد البري". وتبقى المشكلة متمثلة