الرباط - إسماعيل الطالب علي
كشف الباحث والمحلل السياسي "ادريس الكنبوري"، أنَّ "ظاهرة الاعتداء والعنف ضد رجال التعليم، التي أصبحت شائعة في هذه الأيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تعطي مؤشرًا خطيرًا بشأن انهيار مفهوم المدرسة في المغرب، التلميذ ورجل التعليم ضحيتان لمنظومة تعليمية واحدة، ولا يجب تحميل المسؤولية لطرف من دون آخر، المسؤولية تقع على الدولة وسياستها التعليمية التي أوصلت التعليم إلى الباب المسدود".
وأضاف الكنبوري في تدوينة له، أنه من "أحد الأسباب الرئيسية لانهيار المدرسة كمؤسسة اجتماعية فصل التعليم عن التربية. منذ سياسة التقويم الهيكلي في بداية الثمانينات ودخول البنك الدولي على خط التعليم في المغرب أصبحت الدولة تنظر إلى التعليم كما تنظر إلى الفلاحة: كمية الإنتاج وليس نوعية الإنتاج. صارت الأرقام هي الأهم وليس بناء المواطن".
وتابع الكنبوري "حكى لي مدير ثانوية قبل أيام أن الوزارة غير معنية إطلاقًا بما يحصل داخل المؤسسات التعليمية. في بداية الدخول المدرسي طالب وزير التعليم المعفى بتجهيز المؤسسات وصباغتها لكن دون أن تتحمل الوزارة ولو 1 في المائة من التكلفة، وما تجمعه المؤسسة من رسوم التسجيل لا يكفي حتى لشهر واحد، وقال لي إن ميزانية المؤسسة الآن هي 6000 درهم، وعليهم أن يتعاملوا مع هذا المبلغ بطريقة مخادعة حتى تمر الأمور، حتى آلة النسخ معطلة بسبب عدم وجود الحبر، وعلى الأستاذ أو المدير أن ينسخ في الخارج، وكان الرجل يتحدث معي داخل المؤسسة وكأنه جندي في ميدان حرب، يريد أن تمر الأمور بسلام، وليس مدير مؤسسة تعليمية دورها تخريج مواطن صالح، مواطن المستقبل، السؤال هو: إلى أين تذهب ميزانية الوزارة؟".
واعتبر المحلل السياسي أنَّ "التعليم في المغرب انتهى الآن، ولن يستطيع المجلس الأعلى للتعليم أن يصنع شيئًا، ليست المشكلة في المجالس، المشكلة في الوعي الوطني بأهمية المدرسة، الاقتراحات والدراسات مجرد إضاعة للمال والوقت، في نهاية التسعينات شكل الحسن الثاني مجلسًا لإصلاح التعليم، استفاد أعضاؤه من التعويضات الشخصية والأسفار خارج المغرب للإطلاع على التجارب الدولية ـ زعموا ـ وفي النهاية لم يكن هناك شيء، وتمخض الجبل عن البرنامج الاستعجالي، ثم تبين أنه برنامج تلفزيوني، لم أسمع في حياتي أن دولة أصلحت التعليم بخطة تسمى استعجالية، الاستعجال يكون في البرامج التنموية والاقتصادية، في تعبيد الطرقات، في محاربة أحياء الصفيح، في الصحة، لا في التعليم. والنتيجة أن البرنامج سقط بشكل استعجالي".
وخلص الكنبوري في تدوينته إلى أنَّ المدرسة المغربية اليوم "تحتاج إلى حوار وطني، يعطي الأهمية بشكل أساسي لرجال التعليم، وخصوصًا متقاعدي القطاع، لخبرتهم الطويلة ولكونهم ليس لديهم ما يربحونه، شريطة أن لا ينخرط فيه السياسيون والنقابيون، هذا هو الخطأ الذي حصل في التسعينات حين تشكلة لجنة خاصة لإصلاح التعليم، أن قسمًا كبيرًا منها كان من السياسيين والنقابيين، اليوم يجب تغيير المعادلة، ويجب إعطاء الكلمة في التعليم للمفكرين والمثقفين ذوي الحس الوطني"، مؤكدًا أنَّ المغرب إذا أراد فعلًا النهوض بالمدرسة "يجب تخصيص سنة كاملة للحوار الوطني، لقد خسرنا زمنًا طويلًا ولا مشكلة في خسارة عام آخر إذا كنا سننهض، وتكون الانطلاقة عام 2020"، مضيفًا "هذا ممكن، فقط نحتاج إلى شيء يسمونه ـ في أميركا ـ الإرادة السياسية".