بقلم: حاتم عرفة
تبا لك يا شاكيرا ! ليس ثمة علاقة بينك وبين ما أكتبه الآن ورغم هذا أثق بأنك أكثر من سيفهمني ، لا أدرى مبرراً لتلك الثقة في الواقع ، ولا سبباً لاستدعاء صورتك في هذه اللحظة ! إنها نهاية العالم يا فتاة .. ما الذي جاء بك إلى هنا ؟ ربما هو الشعور بالظلم الواقع عليّ الآن : أن النهاية جاءت قبل الأوان ، يجعلني أستجدي تضامنك معي ، ولو بالادّعاء .. أنت أيضاً مظلومة مثلي ، دائماً أشعر أن اسمك لا يناسبك ! له وقع شهواني أكثر مما ينبغي ، يضعك في غير موضعك .. ربما لأنني منذ علمتُ أن اسمك حقيقة هو: شاكرة وليس شاكيرا! لم استرح لذلك ، شعرت بأن في الأمر ظلم ما .. ربما لأنه .... تباً ، لن أفكر في المبررات الآن !! سأفكر في أسباب ذلك فيما بعد .. ولكن ابقِ معي ..! ــ لِمَ هي نهاية العالم إذاً ؟ اللعنة يا حمقاء ، إنني لا أتحدث عن هجوم فضائي ، ولا مجموعة منتقاة من أفخم الزلازل والبراكين تعصف بنا ، إنني أتحدث عن نهاية العالم الذي يتوقف عندي أنا ، عالمي ، وهل يعيش المرء إلا في نفسه ؟ هل يهمه من الدنيا شيء حين يخسر ذاته ؟ هل يفكر كثيراً فيما تبقى من الحياة وقد شارف هو على الانتهاء ؟ لا .. فلتصمتي إذاً واستمعي إليّ .. لا شيء ألذّ من مراقبة نهاية العالم حينئذ .. أعمدة الدخان ، الضباب ، التصدّع الإنساني ، الهمجية والاندفاع خلف أي شيء وكل شيء .. خلايا ذاتي وقد قررت أن تتعاظم فجأة وتشمل الكون ، لأشاهد احتراقاتي وشروخي وذبذباتي العظمى عن قرب .. أراقب في تشفّ انهيار العالمَ الذي عشت فيه مظلوماً ، غير راض عنه بالمرة ! فليذق العالم بعضاً من مرارتي إذاً ..! صوتك فاجر يا شاكيرا ، قادر على تحريك الجماد من مكانه ، رقصاتك لا تحرّك فيّ من شهوة بقدر ما تحرك فيّ من إعجاب ، فأنتِ تؤمنين بكل خطوة تؤدينها وكل مللي يتحرك فيك ، يتحرك عن اقتناع تام ! سحقاً ، إن هذا تحديدا ما أفتقده الآن ، لا ليس أن أرقص يا بلهاء .. بل أن أومن بما أفعله ، وأنا قد فقدت إيماني بكل شيء ، وهذا ما يضعني على حافة العالم الآن ، ويجعلني أتوق لسقوطي منه أو سقوطه عني في أية لحظة ، سيان ..! ــ الجميلات بارعات في أن توجع من تشاء حين تود ، وأنا بارع في تعقب الوجع أينما حلّ ، هن يتخذن قدرتهن على الإيذاء سلاحاً يحمي ضعفهن ، وأنا ليس لديّ حيلة لأحمي نفسي من أي شيء ! مع الوقت أدمن الوجع ، وما أسخفه من شعور! ليس فقط الأوجاع من هذا النوع ، بل الأوجاع المادية أيضاً ، فالوجع صاحب سمج لا يتخلّى عنكِ أبداً حين يعتاد عليكِ ، ولا تقوين حتى على طرده فيما بعد ، يصبح كل شيء مملّا وسخيفاً ، وتبطل رغبتك في أي شيء .. لا يكسبك تحمّل الوجع قوة من أي نوع ، بل يكسبك القساوة ، كأنك لوح من الزجاج ، يجعلك هشة .. تتهشمين على أول سطح تصطدمين به ، ولذا تتجنبين كل شيء ، تتجنبين كل ما يمكن أن يوجعك ، وكأنك لست في حاجة إلى شيء ، بينما أنت في حاجة إلى كل شيء وتفتقدين أبسط الأشياء ، اللعنة يا شاكيرا ، لا شك أنك تفهمينني ! لِمَ يُصرّ الوجع على العبث معي بهذه الاحترافية ؟ لم لا يغفل في مرة عن شوكته الموجعة التي يغرسها في صدري ويتركها مرّة تشرد إلى قلبي فتخلّصني من هذا الوجع إلى الأبد ؟ لِمَ يصر دائما على إبقائي على هذا الخيط من الحياة ، دون أن أفقدها ؟! لم جعلني أصل إلى هذه الدرجة من الزهد فيها ؟ لا أدري ! خطرون هم من أدمنوا الوجع ، خطرون على أنفسهم وعلى الآخرين . ــ توقف العالم لديّ في اللحظة التي علا فيها صوتي على صاحب اليد العليا والأغلى في الكون ، يد أبي ، فجأة صغرتُ حتى وجدتني لا شيء ، أمام اليد اليسرى المهيبة الأنيقة المعروقة ، أكثر ضآلة جوارها من إحدى أقلام الخط خاصته التي اعتاد أن يكتب بها أمام عينيّ الملهوفتين في طفولتي ، استسمح يده أن تعذرني وأنا أربّت عليها ، لأني لم أقصد شيئاً مما خرج من فمي ، لا أدري ما جاء به فجأة وسط مشاجرة معتادة بيني وبين أخي فانتقل صوتي العالي إلى وجهه ، تباً ، أنا أتعصب ؟ وعلى أبي !! أنا البارد الذي تتجمد المياه في يدي إن أردت ولا أتأثر ، أصبحت عصبياً ؟ هي المسخرة إذا لا شك ، هو لم يأبه بما حدث وتناساه ما أن اعتذرت وربتت على يده المقدسة ، ولكني اقشعر بدني وخشيت عليّ من نفسي .. مفزع جداً أن تصطدم في ذاتك ويخرج منك ما لم تتوقعه أبداً ! خاصة في وجه أعز الناس عليك ؟ وما أدراك أنت عن الآباء يا شاكيرا ؟ ربما كان أبوك دون ويليام يطفيء أعقاب السجائر في قفاك على سبيل التسلية في طفولتك .. أغربي عن وجهي الآن ..! ــ يتوقف العالم لديّ أيضاً حين ألمح اللاطمأنينة في عينيّ صديق مقرّب ، عدم الإيمان وتباعد الأذهان من بعد قربها ، النظرة التي تشي بأن ما مضى لن يكتمل بأي حال من الأحوال .. اللحظة التي ينساب فيها كل ما يربطك به بسهولة كأنه لم يكن ! ماركيز قال عنك أنك اختراع كولومبيا الأبرز ، ومعه كل الحق في ذلك ، إنك اختراعها الأبرز جدا .. تجمعين الإثارة والبراءة في قوام واحد ، وما أصعب ذلك ! تخيّلي لو اكتشف يوماً أنه كان مخطئاً وتراجع عن كلامه ، لو أخبرك على سبيل المثال ، أن (روبي) بعجلتها تفوقك حسناً ألف مرة ــ مع العلم أنها ليست هيّنة رغم كل شيء ــ ما مدى صدمتك في ذاتك وفيه حينئذ ؟ ومدى إيمانك بذاتك الذي سيهتز ، إنه ماركيز أيضاً مهما كان ، اللعنة على ماركيز وعليك يا شاكيرا ، إن بعض الناس الحمقى يكونون غاليين جدا عليك ولا يدركون ذلك ، حتى وهم يوجعونك ببعدهم ولا مبالاتهم بك .. تباً لهم ، .. اقتلي كل من يمدحك أو يحبك يا شاكيرا ولا تأبهين به ، فهو قد يتراجع عن هذا في أية لحظة ، وتفقدينه بين عشية وضحاها ، العالم أحقر بكثير من أن يأبه به أحد .. تباً للجميع . ــ الحق أن العالم يصير تافها جدا حين تغيب عني ، حضورها قضاء إذا حلّ فلا رادّ له ولا مفر منه ، عهدٌ ما وقـعته تلك اللعينة مع الكون للاتفاق عليّ ! بقدر ما يوجعني حضورها بقدر ما يكبّلني ويسلبني القدرة على الرفض ، ثم أنه أي وجع أأبه به وقد انغمستُ في بهجتها ؟ أي ألم أحسه وأنا مخدر غائب عما حولي سوى ما ألحظ بعينيها ؟ دونها يصير العالم مجنونا وغير منطقيّ على الإطلاق ، لا يبقى الثلج بارداً ولا يختلف الليل عن النهار ، أصبح غارقاً في (شيء) دائم لا مذاق له ، وهي تمتلك كل المفاتيح في يدها الصغيرة ، ولا تعطيني منها إلا حين ترضى ، فأتكبّر عليها وأرتضي ظلامي دون نورها الذي لا يأتيني سوى بخضوعي لها ، فأرفضه .. ولكن لا يبقى ظلامي إلا مجرد (ظـلام) ، حتى ملامح الكبرياء تلك لن تراها عليّ في ظلمتي ، فلا تفيدني بشيء على الإطلاق ..! تخيلي يا شاكيرا أنك لم ترقصي إلا في غرفة مظلمة طوال عمرك ، يا للسخف ! إن الأفخاذ لا تكذب يا شاكيرا كما غنيّتِ من قبل ، تخيلي مدى سخف الأفخاذ حينئذ حين تكتشف أنها لم يرها أحد طوال هذه المدة ، وكانت تكذب على نفسها وعليك ! كلا يا شاكيرا لا يجب أن تكذب الأفخاذ أبداً ، وأنت تعلمين هذا جيداً .. الآن وأنا استمع إلى طبقات صوتك العميقة التي تنتقل بي من مكان إلى آخر بيسر ، من قلب الفوضى إلى حافتها المطلة على الفضاء السرمدي ، من الخواء إلى الخواء ، أستمتع بمراقبة آخر ذرات العالم وهي تتساقط أمامي كخصلات شعرك حين تحبين أن تقصّرينه ، كل هذا القدر من السخف والوقاحة والجهل والادعاء والكذب سيكون من المبهج جدا أن أراه متجها للزوال في ثوان .. ربما أتعلّم التدخين في تلك اللحظة فحسب لأراقب زوال العالم وأنا أدخن سيجارة ، أو قد أعبث بشعرك الغجري قليلاً أثناء ذلك ، تلك أقصى طموحاتي ؟ لا شك ثمة ما يفوق هذا ولكن لن يكون ذلك وقته بالتأكيد ، فلتحترمي شاعرية اللحظة أرجوكِ ! إنها نهاية العالم ، كل هذا السعي المحموم من أجل اللاشيء ، كل تلك الصراعات المستميتة على الهراء ، ومباريات العضلات المستمرة بين كل طرف وآخر ، كل ما ينضح به الكون من فوضى وغوغاء ، كل هذا أجمعه وألقيه بيدي في أقرب ثقب أسود كبير ، وبيدي لا بيد غيري ، وأوليه ظهري ، وقد اصبحت أنا مجرد نقطة على ورق ، لن تأبه بشيء بعد أن فقدت نفسها .. ولتستمري في الغناء يا شاكيرا أثناء ذلك .. استمري ..