دمشق ـ غيث حمّور
شهدت صناعة السينما في المغرب العربي في الأعوام الأخيرة، تطوراً ملحوظاً على صعيد أدواتها السينمائية والكم الإنتاجي، فبعد الحقبة "الكولونياليّة" الفرنسيّة التي سيطرت على الإنتاج السينمائي المغربي(بعد الاستعمار)، خلال النصف الأول من القرن العشرين عبر الأفلام الفرنسيّة التي صورت في شمال أفريقيا، وجسّدت الإنسان المغربي بطريقتها الخاصة والبعيدة عن الواقع،
فخرجت السينما المغاربية من عباءة الاستعمار لتقدم نتاجاً مميزاً حصد جوائز متعددة في المهرجانات العالمية، بدايةً من مهرجاني "كان" و"البندقيّة" وانتهاءً بمهرجاني "القاهرة" و"دبي"، بالإضافة لامتلاك المغرب العربي لمهرجانات سينمائيّة عدة خاصة بها استقطبت أكبر السينمائيين في العالم ومنها مهرجان "قرطاج" و"طنجة"، وغيرها.
"التابوهات" المُحرمة في الجنس والدين
ويعود بداية تألق السينما المغاربيّة لعام 1975، بعد أن حصد المخرج الجزائري لخضر حامينا، جائزة السعفة الذهبية لمهرجان "كان" عن فيلمه "وقائع سنوات الجمر"، حيث مهدت هذه الجائزة الطريق للسينما المغاربية للدخول لصناعة الفن السابع من الباب الواسع، ومن المخرجين الذين بصموا في السينما المغاربية أيضاً المخرج نوري بوزيد عبر فيلميه "صفايح الذهب" و"وبزناس"، بالإضافة للمخرج التونسي رشيد بوشارب" والتونسي الآخر بلقاسم حجاج، والناقد السينمائي التونسي فريد بوغدير، الذي دخل عالم الإخراج بفيلمي "حلفاوين 1990" و"حلق الواد"، حيث أثير جدل كبير بشأن الفيلم الأول الذي صوّر حمام النساء التونسي وحمل العديد من المشاهد الجريئة داخل الحمام، بالإضافة لمعالجة قضية السحر والشعوذة، وحقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وحصد جوائز دوليّة عدة في أميركا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا ومصر.
واعتمدت السينما المغاربيّة (التونسية والجزائرية والمغربية)، مؤخراً، النهج الجمالي والواقعي في إنتاجها، مُتحررةً من الرمزيّة المبالغ فيها التي طبعت أعمالها سابقا،ً متجهةً نحو الجوانب الفنيّة والتقنيّة، والبناء الدرامي المعتمد على علاقات سردية متنوعة وذات جوانب مختلفة، ومبتعدةً بذلك عن الركود الذي عاشته في بداياتها في الخمسينيات من القرن الماضي (حيث كانت البداية عبر الفيلم المغربي "الابن العاق" للمخرج محمد عصفور 1958، كما اعتمدت معالجة مواضيع تنوعت بين الوطني، عبر السينما الجزائرية التي خصصت جزءً كبيراً من نتاجها لمعالجة ثورتها، والسياسي والاجتماعي، عبر السينما المغربية التي عالجت مشاكل الهجرة إلى أوروبا وانعدام الكفاءة الناتج عن البيروقراطية، كما تطرقت لثيمات تعتبر عربياً من "التابوهات" المُحرمة كالجنس والدين، والتي أصبحت مادتها الرئيسيّة، حيث تنوعت ردود الفعل على هذا النوع من القضايا وطرق معالجتها، ورغم المعارضة الكبيرة لهذا النوع من الأفلام، ولكن تبقى هذه القضايا من صلب مجتمعنا العربي، ولعبت السينما المغاربية دوراً كبيراً في إسقاط "الكليشهات" و"التابوهات" والثوابت والتطرق لها، والتي حان الوقت لتخطيها ومعالجتها بدلاً من إهمالها وتحييدها.
على حساب تواضع المصريّة والسوريّة
وبالرغم من أن نتاج السينما المغربيّة الكمي لا يتعدى عشر ما تقدمه السينما المصرية سنوياً، إلا أن تميز السينما المغربيّة جاء نتيجةً لاتجاه السينما المصريّة لتلبية متطلبات القنوات الفضائية التي أصبحت بدورها تطالبها بملء ساعات بثها بنتاج سينمائي ترفيهي وسطحي وفقير على مستوى البناء الدرامي عبر القصص الرومانسيّة وكوميديا الإضحاك والمُغامرات البوليسيّة الخيالية، بغض النظر عن جودة المنتج السينمائي المقدم وماهيته، ويضاف إلى ذلك التواضع الملحوظ للسينما السوريّة وشح إنتاجها، والذي لا يتجاوز بأحسن الأحوال فيلمين سنوياً، وغياب هذه الصناعة عن باقي الدول العربية، ما أفسح لها المجال لتكون سفيرة السينما العربية للعالم.
خصوصية اللغة
ومما لا شك فيه، أن السينما المغاربيّة أثبتت حضوراً قوياً في بداية القرن الجاري، وحصدت جوائز عديدة في مهرجانات كبيرة منها جائزة أفضل مُمثلة للجزائرية حفصية حرزي عن دورها في فيلم "أسرار الكسكس" في مهرجان "البندقية" 2007، وجائزة أحسن ممثل في مهرجان "كان" السينمائي 2006 لأبطال الفيلم الجزائري "السكان الأصليون"، وجائزة أحسن فيلم عربي في مهرجان "القاهرة" السينمائي 2006 لفيلم "بركات" الذي حصل أيضًا على الجائزة الكبرى لمهرجان "دُبي" السينمائي في العام ذاته، ولكن تبقى هذه السينما بعيدةً عن المشاهد العربي، رغم معالجتها لقضاياه ومشاكله، نتيجةً للغة المغربية (الفرنسعربية)، حيث حرمت هذه اللهجة المواطن العربي من متابعتها من جهة، وحرمت هذه الصناعة من الدخول إلى البيت العربي من جهة أخرى، وكثرت في الآونة الأخيرة المُطالبة العربية بترجمة هذه الأفلام للغة العربيّة الفصحى ليتسنى لأكبر عدد من المشاهدين متابعتها، ولكن بالمقابل يرفض السينمائيون المغاربة هذا الطرح جملةً وتفصيلاً، حيث أن البعض ذهب أبعد من ذلك ليعتبر أن هذه الخطوة تقلل من قيمة صناعة السينما المغاربيّة.