الرئيسية » أخبار الثقافة والفنون
طارق سليكي

الرباط - المغرب اليوم

لازالت العلاقة إلى حد اللحظة بين الناشر والكاتب في الوطن العربي ملتبسة، ويبدو أنها ستبقى كذلك إلى أجل غير مسمى؛ سوء فهمٍ كبير يؤدي إلى الكثير من النتائج السلبية، يكون ضحيتها الاثنان معاً، ثم ينضاف إليهما القارئ لنصبح أمام أزمة انتشارٍ فأزمة قراءة ثمّ أزمة وعي. وسط كل هذا، يأتي الكتاب الإلكتروني والقرصنة ليزيدا من تعقيد الأمر على الناشرين، في الوطن العربي عموما، وفي المغرب خصوصا.

دار "سليكي أخوان" هي إحدى هذه الدور المغربية التي، وسط كلّ ما ذكر، استطاعت أن ترسم لها مساراً تطبعه المثابرة والتألق، منطلقة بذلك من قلب مدينة طنجة، ومتجاوزةً سيطرة المركز على هذا المجال.

مدير الدار طارق سليكي يكشف في هذا الحوار، الكثير من تفاصيل هذا النجاح، المرفوقِ بالكثير أيضا من العقبات.

بعد نجاح تجربة بلغراد، هل تفكر دار "سليكي أخوان" في المضي بتجربة السفر بالكتاب المغربي إلى جغرافيات مماثلة في البعد؟

في الواقع كل التجارب التي خضناها بنجاحاتها وبإخفاقاتها أعتبرها قيمة مضافة في تجربتنا المهنية، ولو أن عالم صربيا كان مغايرا بفضل الظروف التي توفرت. وكما سبق لي أن أشرت فإن الطموح الذي نراهن عليه هو ألا تغيب الشمس عن الكتاب المغربي، وأن يصير حاضرا في كل المعارض العالمية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. نفكر بشك جدي في اقتحام جغرافيا الجنوب الإفريقي، مع الاحتفاظ بمواعيدنا السنوية لدول المشرق. وحتى لا أستبق الأحداث، خلال نهاية هذه السنة سنجلس أنا وشريكي أخي كريم لتقييم السنة التي تغلق أبوابها، ولهندسة المرحلة المقبلة والاتفاق على خطة عمل جديدة بعد سنة كانت حافلة بالأحداث والنجاحات التي لم يكن من الممكن تحقيقها لولا ثقة وتشجيع العديد من حكماء الدار، الذين ساندونا منذ البداية، والكتاب ومسؤولي المؤسسات الذين يعتبرون "سليكي أخوان" مشروع الجميع بدون استثناء.

يحضر الثالوث الكاتب الناشر القارئ في أذهان كثيرين مقترنا بغموض نابع من الجهل بحقيقته. نريد منك تسليط بعض الضوء اللازم حول طبيعة هذا الثلاثي ووضعيته وحيثياته بالمغرب.

الناشر هو الركيزة الأساسية في عملية نشر الكتاب، فهو الوحيد الذي يتدخل من العنوان إلى الغلاف الرابع مرورا بالمحتوى وبالإخراج والطبع والتسويق، وصولا عند القارئ. هناك العديد من الكتاب ينعتون أرباب دور النشر بأنهم تجار، وهم في ذلك محقون، وهذا ليس انتقاصا؛ فمن المفروض أن دار النشر مقاولة تجارية كسائر المقاولات، تختلف عنها في نوعية المنتوج.. المشكلة أن يكون الكاتب تاجرا، حتى صار يتبجح ويتذمر في الآن نفسه من تحمله عبء مصاريف الطبع وتوزيع العمل. ربما بدأت بوادر استيعاب مهنة الناشر الذي لولاه سيبقى الكتاب سجين رف صاحبه، ولن يتجاوز حدود الشارع الذي يقطن فيه، ولن يتجاوز حدود جغرافيا المعارف. بين الكاتب والقارئ مسافات لا يمكن قطعها إلا ممن يؤمن بالمغامرة، المحسوبة طبعا، بآلات حاسبة ومذكرة مليئة بإستراتيجيات ومخططات. ومن هنا أقول إن الذي يستهزئ ويعتبر أن الناشر لا ينبغي أن يكون تاجرا ينبغي أن يعيد النظر في كل المسلمات التي يعتقد بها. وفي الأخير أظن أن الناشر شمعة تحترق ليحيى الكاتب والقارئ.

 

كيف تتصورون في دار "سليكي أخوان" إمكانية النهوض بصناعة الكتاب في سياقاته كلها..جودة النشر قوة التوزيع والرفع من نسب القراءة؟.

أكاد لا أصدق أننا قطعنا مسيرة أكثر من 25 سنة من العمل المتواصل، استطعنا من خلالها أن نُخرج عالم النشر من المركز، الدار البيضاء والرباط، لينتشر بجهة الشمال؛ فظهرت مجموعة من الدور رغم قلتها، لكننا استطعنا أن نقدم منتوجا بمواصفات جد محترمة، بل ربما في طليعة الإنتاجات العربية. وبكل فخر فإن كتبنا من حيث جودتها جميلة، على الأقل إخراجا وحرفا وورقا. وقد اتجهنا نحو الدراسات والفلسفة والتاريخ أكثر من الإبداع، نظرا للطلب الذي يعرف هذا النوع من الكتب.

أزمة التوزيع وغياب مؤسسات يمكن أن تستثمر في هذا المجال تجعل الكتاب في مأزق، والوحيد الذي يمكنه أن يفك أسره ليصل إلى قارئ مهما بَعُد هو الناشر. على كل حال حتى لو وجد موزعون محترفون فالناشر ينبغي أن يحضر المعارض ليطور إمكاناته وأدواته وعلاقاته، وهذا لا يمكن إلا أن ينعكس إيجابا على صناعة الكتاب والثقافة بشكل عام.

 

شاركت الدار مؤخرا في المعرض المغاربي بوجدة، وقد تواترت الأخبار حول جودة تنظيمه..ما هي انطباعاتك حوله؟.

كانت دهشتي لا توصف عند حضور معرض وجدة، فضاء بمقاييس عالية وبمستوى تنظيمي عال، مع العلم أن الميزانية المخصصة له أقل بكثير من معرض الدار البيضاء. هنا تكمن الحكمة، وليس هناك سر، الإرادة زائد المهنية تجعلانك تؤمن بألا مجال للمعجزات، هناك الممكن وكفى. هذا هو المغرب المأمول.. الحياة فرصة وحيدة..يجب استهلاك ما تبقى من العمر في الإتقان والحب والشغف والجمال، ولنبني محطات تسافر عبرها الأمم والأجيال المقبلة.. لا نذكر مما سبقنا إلا من خط وعزف وصنع، أما الكائنات الهاضمة فكأنها لم توجد قط.

معرض وجدة مفخرة للمغاربة ونافذة مضيئة للمغرب، نتمناها نموذجا للمعرض الدولي للدار البيضاء وباقي أقاليم المملكة.. مسافة الألف ميل تبتدئ بخطوة، وقد قطعنا شوطا لا بأس به.

مع الثورة التي تعرفها الإنسانية على المستوى الإلكتروني والرقمي، هل لديكم تخوفات تجاه الكتاب الورقي وصناعاته؟.

الكِتاب وجد ليبقى، والناشرون هم من أنتجوا الكتب الإلكترونية ووظفوا الإعلاميات، مع الإبقاء على الورقي. هل التليفزيون والأقراص المدمجة استطاعا أن يغلقا أبواب السينما والمسارح وقاعات العروض؟. على العكس من ذلك، الكتاب الإلكتروني لا يمكن إلا أن يخدم الورقي، بل هناك كتب تركت الورقي لتصبح على الإلكتروني فقط، كالموسوعات العلمية، وهو اختيار وليس أن هذا دمر هذا؛ بل لم يعد هذا النوع من المعرفة تستوعبه دفتا الكتاب. المستقبل للاثنين معا، الورقي والإلكتروني، ويجب الاشتغال عليهما معا؛ فنحن نستعمل اللوحات الرقمية والهاتف الذكي والحاسوب المحمول وحاسوب المكتب، ولا جهاز واحدا من هذه يلغي الآخر، فلكل مجال استعماله ومستعمله أيضا. لا خوف ولا هم يحزنون.

هل تفكر الدار أسوة بمثيلاتها في البلدان المتقدمة في الانتقال إلى الاهتمام بالكتاب على مستوى الترويج له من خلال تنظيم تظاهرات أو جوائز أو تتويجات تحمل اسمها؟

 

هناك تفكير في تنظيم تظاهرات ولقاءات فكرية وتوقيعات في القادم من الأيام؛ وذلك بشراكات مع مجموعة من الفاعلين في القطاع، لتقريب الجمهور أكثر من دفئ الكتاب. أما بالنسبة للجوائز فربما المسألة لازالت بعيدة، على الأقل في هذه اللحظة، لأنها ربما تزعج أكثر مما تحفز. الجائزة بالنسبة لي هي أن نزيد من رفع نسبة القراءة.

 

تحظى ثقافة الكتاب بعناية مخجلة في وسائل الإعلام العمومية..التلفزيونات والإذاعات والجرائد والمجلات الوطنية. كيف تتعاطون مع ذلك؟.

 

هذا أكيد، الثقافة في وسائل الإعلام العمومية تبعث على الأسف، وكأن ثقافة الكتاب للراشدين فقط، حتى نرى ذلك النادر منها في أوقات غير ملائمة بتاتا. طبعا مع بعض الاستثناءات، وهي تقاوم من أجل البقاء. للإعلام القدرة على التأثير في الوعي العام وتصورات وأفكار الأفراد، والوحيد الذي يدخل البيوت دون استئذان، ومن ثم فمن واجبه التعريف بالمنتوج الفكري المغربي. الإعلام العمومي لكل المغاربة، فليكن إعلاما محَرِّرا منقذا مكوِّنا صانعا للجمال، بدل التطبيع طوال ساعات البث مع الغباء. العدمية والسلبية المتجذرة في المجتمع المغربي أساسها الإعلام، والإعلام هو النافذة التي يطل العالم علينا من خلالها، فلتكن إذن على الأقل منصفة.. أشك أحيانا أنها ستصمد في المستقبل لأنها لم تعد تخاطب المغاربة، ولا تعطي صورة منيرة عن المغرب.

 

يشعر الكاتب المغربي بأنه لم يصل بعد إلى تحقيق الوضع الاعتباري المفترض، كما هو الشأن في كل دول العالم الراقية.

لدى المبدع والكاتب وضع اعتباري لا يضاهيه أحد في ذهنية كل شرائح المجتمع، ولكن ينبغي على المبدع بشكل عام أن يكون خلاقا سخيا في إنتاجه، صوفيا في سلوكه، منشغلا بهموم الإبداع والكتابة، وقريبا من المجتمع، يعيش مع الناس ولأجل الناس، منشغلا بهمومهم لا بهمه.. والشهرة تأتي بالإنتاج وأن يثق في أن لكل مجاله ولكل عمله.

 

تعتبر القرصنة (الاستنساخ غير القانوني) من التهديدات الكبيرة التي تعترض الكتاب. كيف تواجه الدار هذا؟.

التهديد الذي يمكن أن يواجه صناعة الكتاب هو العزوف عن القراءة.. القرصنة عنوان كبير للنجاح، عنوان بارز على أن المجتمع في حاجة إلى المزيد، وإشارة قوية إلى إعادة النظر في التسويق والثمن والقنوات المستعملة. القرصنة احتجاج قبل أن تكون جريمة في عالم الكتاب.. الذي يبحث عن كتاب ليقرأه ولم يجده إلا مقرصَنا فهو مجرم لطيف.

 

كيف ترون أثمان الكتاب المغربي؟

أثمان الكتب تتحكم فيها عدة عوامل، وليس بالضرورة حجم وعدد الورق. الكتاب الأكاديمي غير الإبداع.. هناك كتاب متخصص نفعي دائما ما يكون ثمنه أغلى، في حين أن الإبداع هو للمتعة بالدرجة الأولى، وثمنه أقل. وحتى نضع المستهلك وكل المتدخلين في الصورة فللكتاب تكلفته، وهو بشكل عام ليس بالمرهق ماديا، فالذي يقرأ يمكن له أن يضحي بعدة كماليات لأجل الكتاب، والذي لا يقرأ لن يقرأ حتى ولو أهديته الكتاب بالمجان؛ وفي الغالب هؤلاء هم المتذرعون بغلاء ثمن الكتاب، الذي في غالب الأحيان لا يتجاوز ثمنه علبة السجائر.

كلمة أخيرة توجهها الدار للكاتب المغربي؟

الرهان الأول الذي ينبغي للكاتب والمبدع أن يراهن عليه هو الانتشار، أن يوصل أفكاره ويشاركها مع قراء العالم، وهذا لن يتحقق إلا بالإيمان بأن لكل مجاله.

أن يثق الكاتب في الناشر وأن تكون العلاقة مبنية على المهنية بدل العواطف التي تكاد تخرب كل الميادين، بتغييب العقل والمهنية والمنطق. أن يعيش الكاتب مع الناس ويسيطر على السوداوية غير المنتجة.

الكاتب نبض المجتمع وروحه، خُلق ليواجه بياض الورق والأفكار في العتمات، والاختلاف بين الكاتب والناشر هو سر نجاح هذا الزواج الذي ينتج قارئا نموذجا دائما يذكرهما أينما حل وارتحل.

قد يهمك أيضًا : 

مانسون يؤكد أن من طارد السعادة ابتعدت عنه
"الحاج" إدمون المالح كاتب مغربي دافع عن القضية الفلسطينية

View on yeslibya.net

أخبار ذات صلة

ثري فرنسي يقترح بيع لوحة "مونا ليزا" لتغطية خسائر…
وفاة المفكر والأديب السعودي عاصم حمدان عن عمر ناهز…
نشطاء يصطفون في سلسلة بشرية في النوريج ضد هدم…
والد جونسون توقّع غزو وباء غامض للعالم قبل 40…
المتحف المصري الكبير يستقبل 42 قطعة خشبية من مركب…

اخر الاخبار

"النواب الليبي" يُرحب بدعوة مجلس الأمن لوقف إطلاق النار
عقيلة يكشف آلية تشكيل المجلس الرئاسي الجديد
الخارجية الأميركية تدعو إلى وقف التصعيد وإطلاق النار في…
وقف عملية إجلاء الليبيين العالقين فى تركيا لحين عودة…

فن وموسيقى

هند صبري تُعلق على قضية الشاب المصري الذي تحرش…
نيللي كريم ترد على اتهامات تشبيه "بـ100 وش" بفيلم…
هاني شاكر يتمنَّى أن يكون المصريين "أكثر رقة" ويؤكّد…
أمينة خليل تُؤكّد أنّها لم تخَف مِن طرح القضايا…

أخبار النجوم

التونسية درة تؤكد أن طموحاتها الفنية أكبر مما حققته…
لوسي تكشف سبب غيابها عن موسم الدراما الرمضانية هذا…
فرح المهدي تؤكد أن دورها في "ورود ملونة" حقق…
ليندا بيطار تقدم مجموعة من الأغنيات السورية وتكشف عن…

رياضة

كورونا تؤخر التحاق أكرم الزوي بالفيصلي الأردني
إغلاق الحدود يحرم المحترفين الليبيين الالتحاق بأنديتهم
الهريش يشيد بمعاملة الجزائريين ويأمل استئناف الدوري قريبًا
الاتحاد الليبي لكرة القدم يدرس إقامة دوري جديد

صحة وتغذية

أطعمة تُخلصك من اضطراب المعدة والإسهال تعرف عليها
أسباب تجعلك تُدخل "شاي شاغا" في نظامك الغذائي
طبيب يعلن عن أكثر الخرافات المتعلقة الشاي
حالات الإصابة بـ"كورونا" في أفريقيا تُسجل مستوى جديد

الأخبار الأكثر قراءة