بكين ـ وكالات
تختفي المدن الصينية الكبيرة تحت ستار من الضباب الدخاني الخطر. ولمكافحة تلوث الهواء والفوضى المرورية في مدنها الكبرى، تعتزم الصين الاستثمار في تطوير وسائل النقل العام. تعاني الصين من مشكلة تلوث الهواء بنسبة كبيرة، وقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية في مطلع عام 2013 صور مدينة بكين التي تلفها سحب دخان كثيفة. لكن العاصمة الصينية ليست وحدها التي تعاني من تلوث الهواء، بل تتقاسم معها هذه المعاناة مدن العالم الكبرى التي تشهد نموا متسارعا. أما السبب فهو في جميع الحالات واحد، فمع تزايد ازدهار تلك المدن، تنمو أيضا رغبة سكانها في للتنقل بسلاسة أكبر. وتتصدر الصين القائمة على مستوى العالم من ناحية عدد السيارات الجديدة المسجلة، ففي عام 2011 تم تسجيل ما يقرب من 14 مليون وخمسمائة ألف مركبة جديدة، بينما كان العدد في عام 2000 حوالي 600 ألف فقط.التلوث في المدن الصينية الكبرى هو الأعلى بالمقارنة على المستوى العالمي التلوث في المدن الصينية الكبرى هو الأعلى بالمقارنة على المستوى العالميإلا أن عدد السيارات الذي يشهد ارتفاعاً مستمراً، لا يتسبب في تلويث الهواء فحسب، ولكن يترتب عليه أيضا اختناقات مرورية في الشوارع. وتواجه الحكومات ومخططي المدن مهمة حل مشاكل النقل بأسلوب مستدام ورفيق بصحة المناخ. لكن البلدان الصاعدة لا تزال تقلد في كثير من الأحيان الأفكار التي تركز عليها الدول الصناعية المتقدمة، وكما كتب خبيرفي النقل يورغان بيرشون في دراسة استراتيجية لمعهد أوروباللنقل المستدام(EURIST) : "بدلا من الحد من تنقلالأفراد بمركباتهم الخاصة وتوسيعالنقل بالمركبات العامة، يعمد المخططون إلى التركيز على تطوير البنية التحتية وتسهيل تدفق حركة المرور وتلافي الاختناقات المرورية." ويختلف الوضع في قوانغتشو Guangzhou، وهي مدينة تقع في منطقة دلتا نهر اللؤلؤ في جنوب الصين وتعرف باسم "مصنع العالم"، إذ لا تشتهر بتصنيع الملابس ولعبالأطفال فحسب، وإنما أيضا بتصنيع التكنولوجيا المتطورة والالكترونيات وقطع غيارالسيارات. توفر فرص العمل يجذب الملايين إلى تلك المدينة الآخذة في التوسع والتي وصل تعداد سكانها بالفعل إلى ما يقرب من تسعة ملايين نسمة.وفي سعيها للسيطرة على تنامي حركة المرور وآثارها، افتتحت مدينة وقوانغتشو في فبراير/شباطعام 2010 خطوطا للحافلات تعمل بنظام النقل السريع، وهي تنقل ما يقرب منمليون راكب يوميا، ولقيت إقبالا فاق خطوط مترو الأنفاق. وقد تم في ذلك الإطار، نقل المحطات المخصصة لوقوف الحافلات إلى وسط الطريق، وتم ربطها بخطوط سيرها عبر ممرات إضافية، كما تم أيضا افتتاح برنامج للدراجات المشتركة التي يتقاسم الركاب استخدامها، ويضم البرنامج حوالي 15 ألف دراجة ومائتي محطة، وهو يهدف إلى تشجيع السكان على عدم الاعتماد في حركتهم على السيارة كما يقولكارل فيلشترومالمدير الإقليمي لمعهد النقل والسياسة التنموية ((ITDPالذي يتولى الإشراف على المشروع: "يجب أن يركز التخطيط في قطاع النقل على الاحتياجات ولا يتم بناؤه على أساس وجود السيارات الخاصة." علىطول المسارات المخصصة للدراجات، افتحت قوانغتشو شبكة غرين واي Greenwayالتي تمتدى على طول كيلومترات، وتضم حدائق خضراءوساحات وملاعب، وهذه المساحات مخصصة للاسترخاء من ضغط الحياة اليومية،بالإضافةإلى ضمان التدفق المنظم للحركة. أما التأثير الأكثر أهمية فيتمثل في تخفيض انبعاثاتثاني أكسيد الكربون، فبفضل نظام الحافلات تسنى في عام 2010 خفض 45 ألف طن من الانبعاثات، ومن المنتظر أن تصل الكمية التي سيتم خفضها خلال السنوات العشر القادمة إلى 86 ألف طن سنويا. ولا تعتبر قوانغتشو المدينة الصينية الوحيدة التي تدخل تحولا على قطاع النقل ليصبح أكثر رفقا بصحة البيئة عبر استخدام نظم الحافلات، ففي العاصمة الكولومبية بوغوتا تم تنفيذ خطة ترانز ميلينيوTransMilenio للحافلات الكبرى، حيث يتم في إطار الخطة تسيير تلك الحافلات على طرق خاصة بها، وهناك طرق تربط ضواحي المدينة بوسطها. كما تم تشييد مسارات خاصة بالدراجات ومناطق خضراء ومناطق جديدة للمشاة وهي جزء من الخطة.وفي مدينة جوهانسبيرغ هناك نظام مماثل يعرف بـ Rea Vaya، وظهر أثرتوسيع التنقل بالحافلات في انسياب حركة المرور وزيادة درجة نقاء الهواء.لكن بالرغم من إدخال نظام الحافلات السريعة في الصين، إلا أنه لا يمكن القول بأن الهواء هناك أصبح بالفعل نقيا، فبدلا من تحديد نسبة قصوى لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، يتم باستمرار إنشاء محطات فحم حجري جديدة، وذلك من أجل تلبية احتياجات الطاقة لسكان البلاد البالغ عددهم مليار وثلاثمئة ألف نسمة، ومن المقرر افتتاح محطات أخرى جديدة بحلول عام 2020. ووفقا لنتائج إحدى الدراسات التي أجراها البنك الآسيوي للتنمية وجامعة تسينغهوا فإن قائمة المدن العشر التي تتصدر الترتيب العالمي من حيث تلوث الهواء، تتضمن سبعة مدن صينية، كما أن واحد في المائة فقط من المدن الكبرى الـ 500 في الصين، تلتزم بمعايير منظمة الصحةالعالمية(WHO) الخاصة بنوعية الهواء، وذلك بحسب دراسة أخرى أجرتها جامعة بكين ومنظمة السلامالأخضرGreen Peace.وفي بعض المدن تصل مستويات التلوث بذرات الغبار الدقيقة، إلى عشرة أضعاف المستوى الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية، فقد تركت ثلاثة عقود من النمو الاقتصادي الجامح بصمات واضحة على تلك المدن. وقداعترفت حكومة ذلك البلد العملاق بأن السيطرة على مشاكل النقل والمشاكلالبيئية لا يمكن أن تتم إلا بالاستثمار في مجال الطاقات المتجددةوالنقل المستدام. وهكذاتطمح الخطة الخمسية إلى خفض استهلاك الطاقة في قطاع الصناعة الذي يصل حاليا إلى ثلاثة أرباعاحتياجات الطاقة الإجمالية في البلاد، ومن المخطط خفضها إلى عشرين في المئة بحلول عام 2015. وسيتم أيضا تنظيم استهلاك وقود في السيارات، حيث قامت الحكومة باستثمار حوالي 11 مليار يورو في تطوير وإدخال استخدام السيارات الكهربائية. تشاندران ناير، الخبير الاستشاري الدولي لشؤون البيئة في آسيا ومؤسس المعهد العالمي للغد Global Institute for Tomorrow الذي يعرف اختصارا باسم(GIF)، يعد أحد الداعمين لفكرة الاقتصاد في استخدام الطاقة في الصين، لكنه لا يؤيد الاستثمار فيالتكنولوجيا الخضراء. وكما يقول فإننا إذا أردنا توفير نوعية هواء جيدة وكذلك حماية صحة مليارات الأشخاص الذين يعيشون في القارة الآسيوية، فينبغي فرض قيود على أصحاب السيارات لتقليل عددها. وبالإضافةإلى آليات التحكم في الأسعار التي تشمل فرض ضرائب على البنزين وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وفرض رسوم على مواقف السيارات، يجب أيضا - كما يرى ناير- التفكير في فرض حظر ما على قيادة السيارات، إذ لا يمكن في عصر التغير المناخي وندرة الموارد أن تصل ملكية السيارات إلى نسبة عالية جدا كما في الغرب. النموالاقتصادي واستخدام الآليات على نطاق واسع، انعكس على زيادةالطلب في الصين على النفط الخام. وللمقارنة: ارتفع استهلاك النفط من 225 مليون طن في عام2000 ، إلى 425مليون طن في عام 2010 ، لذا يتعين على الصين الالتزام بتنفيذ خطط حيوية، وذلك ليس لكسر اعتمادها على استيراد الطاقة فحسب، ولكن أيضا لتحسين نوعية الهواء.