طرابلس ـ وال
توصلت الدول المشاركة في المؤتمر الدولي حول المناخ الذي استمر لأسبوعين بوارسو إلى توافق على أسس الاتفاق المتوقع في 2015 في باريس، وهي إحدى النقاط الأكثر إثارة للخلاف أثناء انعقاد المؤتمر. وتمت صياغة التفاهم الذي تم التوصل إليه في ختام ساعة من المحادثات غير الرسمية بين رؤساء الوفود بعد أن كان الخلاف حول هذه المسألة هدد بإفشال المؤتمر. ويقترح النص أن تقوم الدول بتحضير "مساهمات" حول ما تعتزم القيام به لمكافحة الاحتباس الحراري وستدرج في الاتفاق المنتظر في 2015 في باريس حول انخفاض الغازات . والصيغة الجديدة اخف من النص السابق الذي رفضته القوى الناشئة خصوصا الصين والهند والذي نص على "التزامات" في هذا المجال. وكانت سادت أجواء من الفشل بعد 24 ساعة من المفاوضات الماراثونية في اليوم الأخير من مؤتمر المناخ في وارسو، بسبب الرفض المدوي لدول الجنوب وفي طليعتها الصين للنصوص المقترحة على أسس اتفاق 2015 . وقال وزير البيئة البولندي مارسين كوروليك الذي يتولى رئاسة المؤتمر "اطلب منكم إن تفكروا بجدية في عواقب عدم التوصل إلى نتيجة في العمل المهم الذي أنجز في وارسو". وكان يتوجه إلى مندوبي أكثر من 190 بلدا اجتمعوا في أول جلسة خلال النهار بعد ليلة طويلة من المفاوضات في قاعة وارسو حيث يعقد المؤتمر. وهذه المفاوضات كان يفترض أن تختتم رسميا الجمعة لكن من المعهود أن تستمر يوما إضافياً أو حتى يومين. ووصف احد خبراء المناخ أن ظهر يوم أمس السبت، بالقول " كان الإرباك سيد الموقف في الكواليس حيث كان المندوبين مرهقين وكادوا ان يغادروا العاصمة البولندية من دون التوصل إلى اتفاق. ومن جانبها قالت مديرة منظمة اوكسفام غير الحكومية ويني بيانياما في بيان "خطر فشل هذه المفاوضات قائم". وقالت إن الطموح من اجتماعات وارسو هو إطلاق عملية ستفضي إلى لقاء باريس في 2015 حيث سيبرم الاتفاق الأكثر طموحا للحد من ظاهرة الاحتباس. وهذا الاتفاق حول خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي سيدخل حيز التنفيذ في 2020، سيسمح بخفض الاحتباس درجتين مقارنة مع الفترة ما قبل الحقبة الصناعية. والهدف حاليا محدد باربع درجات. وأشارت إلى انه للمرة الأولى يتعلق الاتفاق بكل الدول ويجب أن يكون ملزما قانونا. وقال ممثل مجموعة 77 (تضم الدول النامية) والصين "إننا مستاؤون للطريقة التي تسير بها الأمور". وصرح المفاوض البنغلادشي كامرول شودري لفرانس برس ان "هذا المؤتمر يجب أن يكون مؤتمر المال". وأضاف "ليس لدينا سوى مبالغ زهيدة". وشددت الدول النامية على ضرورة الحصول على ضمانات حول تخصيص 100 مليار دولار سنويا بحلول 2020 كما وعدت الدول الغنية. واكتفى النص المقترح في البداية بدعوة "الدول النامية إلى الاستمرار في تخصيص الأموال العامة بمستويات أعلى" من مستوى المساعدة العاجلة التي تقررت في كوبنهاغن في 2009 لعامي 2010-2012 أي 10 مليارات دولار سنويا. وطلبت نيكاراغوا باسم مجموعة 77 والصين من دول الشمال بان تلتزم بهدف يقدر بـ70 مليار دولار. ودعا الاتحاد الأوروبي إلى ليونة وتسوية في هذه المفاوضات. وقال ممثل الاتحاد الأوروبي إنه في كافة الملفات المطروحة على بساط البحث "نعلم أنه ليس هناك كل ما نريده لكننا نرى أن تقدما حقق ونأمل في أن يحذو آخرون حذونا ويقدمون تنازلات تماما كما نفعل". وبحسب الاتحاد الأوروبي فإن النص المتعلق بالتمويل "بات قريبا" من التسوية الوحيدة الممكنة. كما أعربت الولايات المتحدة عن استعدادها "لقبول النص كما هو" لكنها حذرت من انه إذا أعيد فتح المباحثات فإنها ستدخل مطالب جديدة. وقال خبير في الشؤون البيئية إن الملف الأخر الكبير المطروح على الطاولة هو الطريق الواجب سلوكه للتوصل إلى الاتفاق المرجو في 2015. وكان اختبار القوة يقوم على مطالب الدول الناشئة خصوصا الصين أول دولة ملوثة في العالم، بأنها لا تزال تعتبر "دولا نامية" وبعدم معاملتها كالدول الصناعية. وأعرب المفاوض الصيني سو واي "عن قلقه" لان النص المطروح يقترح بان تقطع كل الأطراف "تعهدات" في مجال محاربة التقلبات المناخية. وتقول الصين إن "الالتزامات لا تطبق سوى على الدول الصناعية". ورد المفاوض الأميركي تود شترن "لدى الانطباع بالعودة إلى الوراء"، موضحا أن التقدم الكبير يتعلق باتفاق 2015 وانه "يطبق على الجميع". وشملت المفاوضات أيضا إيضاحات حول خارطة طريق للعام 2015 - وهو مطلب تقدم به الاتحاد الأوروبي - لكنه اصطدم برفض بعض الدول النامية مثل الصين والهند. وترغب هذه الدول قبل كل شيء في أن يتضمن النص الختامي بوضوح معاملة الدول الصناعية والنامية بشكل مختلف في اتفاق 2015 المتعلق بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ورفض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هذه النقطة باعتبار أن الدول النامية لم تعد تستطيع الاختباء وراء نهج التقاسم هذا العائد إلى تسعينات القرن الماضي. وذكرت "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية" التابعة للأمم المتحدة في تقرير، صدر الأسبوع الماضي، ( أن مقدار غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي قد بلغت رقما قياسيا جديدا في العام 2012، مواصلة بذلك اتجاهها التصاعدي المتسارع الذي يؤدي إلى تغير المناخ. ولفت التقرير إلى أن "التأثير الاحترازي في المناخ زاد بنسبة 32% بين العام 1990 والعام 2012 بسبب زيادة ثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى تحتفظ بالحرارة وطويلة الأمد مثل الميثان وأكسيد النيتروز"). وقال خبير مشارك في المؤتمر إن "إعصار هايان"، الذي ضرب الفلبين حاليا، سيطر على أحداث المؤتمر. وحسب تقارير الأخبار فإن نحو 3600 شخص سقطوا قتلى من جراء هذا الإعصار وان تقديرات المتضررين من الإعصار تصل إلى أكثر من 11 مليون شخص وتشريد أكثر من 920 ألفا. ووصف احد خبراء المشاركين في المؤتمر بان المحادثات التي جرت خلال الأيام الماضية من انعقاد المؤتمر كانت متوترة جدا حول مستوى الإلزام القانوني للنص أو التعهدات التي ستقطعها الاقتصادات الناشئة التي تلوح بحقها في التنمية ومسؤولية الدول الصناعية عن ظاهرة الاحتباس. واختار المشاركون في مؤتمر المناخ الدولي فرنسا رسميا أمس الجمعة لاستضافة المؤتمر الدولي للمناخ في عام 2015 تزيين "برج إيفل" العملاق بقلب العاصمة بشعار المؤتمر. وقام وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، يرافقه نيكولا هولو المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي لحماية الكوكب بإعطاء إشارة البدء من أمام "برج إيفل" لاحتفال باريس باستضافة المؤتمر العالمي, حيث تم إضاءة "برج إيفل" بشعار المؤتمر "باريس.. مناخ 2015". وقال فابيوس بهذه المناسبة إن 194 دولة اختارت في وقت سابق اليوم بوارسو فرنسا لاستضافة هذا المؤتمر الدولي الهام في عام 2015 والذي يقام بضاحية لوبورجيه بالقرب من باريس. وأضاف رئيس الدبلوماسية الفرنسية أن اختيار بلاده لم يأت من فراغ حيث أن باريس تبذل جهودا كبيرة في مجال حماية المناخ والعمل على الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري. وأعلن يوم أمس في وارسو وبشكل رسمي عن أن فرنسا ستكون البلد المضيف عام 2015 للمؤتمر الـ21 للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وعبر الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، الذي سبق له وأن أعلن عن استعداد فرنسا لاستضافة هذا الحدث الكبير منذ المؤتمر البيئي في سبتمبر 2012، عن سعادته بالموافقة على هذا الترشيح، رغم الظروف الصعبة التي تحيط بالمفاوضات حول المناخ. وذكرت الرئاسة الفرنسية أنه اعتبارا من الآن، تبذل فرنسا كامل جهودها كي يتم الوصول إلى اتفاق عالمي إلزامي ومنصف، بشأن المناخ في باريس عام 2015 بحيث تتوقف حرارة المناخ عند درجتين مئويتين قبل عام 2100.. مضيفة أن باريس ستتشاور بشكل وثيق مع الاتحاد الأوروبي، ومع البلدين المستضيفين عامي 2013 و2014، بولندا وبيرو، وكذلك مع كافة الجهات الفاعلة من المجتمع المدني، وتستمع بشكل تام إلى المجتمع الدولي في تنوعه.