غزة - وفا
'صحونا من النوم والمياه تتدفق داخل غرف النوم، افتقدنا حفيدتي رغد فلم نجدها، الكهرباء منقطعة ولم نر شيئا، فتشنا عليها في كل ركن، ثم وجدناها ممدة في سريرها تحت النخلة،' قالت أمينة أبو جلهوم من مخيم جباليا شمال قطاع غزة. عائلة أمينة أبو جلهوم واحدة من آلاف العائلات التي هربت من منازلها خشية الموت غرقا أو تحت سور منهار جراء السيول العارمة التي اجتاحت قطاع غزة خلال المنخفض الجوي 'أليكسا'. ووصل منخفض 'أليكسا' منطقة الشرق الأوسط مساء الثلاثاء الماضي، وهي المرة الأولى التي تنخفض فيها درجات الحرارة لهذا المستوى وكمية الأمطار التي انهمرت في الأيام الستة المنصرمة. ووفقا للراصد الجوي فقد بلغت درجة الحرارة الدنيا في قطاع غزة 5 درجات مئوية فيما وصلت إلى ما دون الصفر في بعض المدن مثل العاصمة القدس وبيت لحم. وقالت أمينة أبو جلهوم 'إن رغد ذات الأربعة أشهر وأختها غزل ذات العامين تم نقلهما للمستشفى بعد ان دخلا في حالتي تقيؤ وإسهال وارتفاع درجة الحرارة قبل أن تتعافيا. قارب صغير يقوده رجلا انقاذ حمل أربع طفلات، انكشمن حول بعضهن من البرد وقد غطين أنفسهن بقطعة من البلاستيك الشفاف والأمطار تنهمر بلا هوادة. وصل القارب إلى 'شاطئ الطوفان'، الطفلات غادرنه وهن يرتجفن، وما أن غادرنه حتى انقلب وسقط المنقذون عنه. بعد قليل قارب آخر يصل يحمل أباهم سامي الصعيدي، يحمل طفلا بين يديه، وزوجته الحامل في شهرها التاسع. الصعيدي الذي يقطن في الطابق الثاني من البيت قال 'أنا محتجز منذ 4 أيام في البيت..في البداية رفضت مغادرة المنزل لكن بعد ان اقتربت المياه من ان تغرق الطابق الأول كاملا قررت اليوم الهروب'. وأشار الصعيدي إلى زوجته الحامل وقال مبتسما: 'هي على وشك الولادة ربما تلد اليوم... ستنجب ولدا وأسميه أليكسا'. طفلته سها ابنة الصف الرابع، بنعلها البلاستيكي وبنطالها المبتل من الأسفل عبرت عن قلقها وقالت: 'الشنطة والدفاتر في البيت، أخاف أن يغرقوا، كيف سأذهب للمدرسة'. في إحدى مدارس وكالة الغوث في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، اتخذ المواطنون من الصفوف المدرسية بيوتا مؤقتة. متطوعون قسموا أنفسهم، جزء منهم ينقلون 'ربطات' الخبز ويوزعونها على الصفوف وآخرين للإحصاء وغيرهم لجلب الماء أو لتنظيف الحمامات. وصلت سيارة اسعاف المدرسة، نزل منها نساء وأطفال. طفل احمرت وجنتاه من البرد وسال المخاط من منخريه توجه لغرفة الفصل ليبدل ملابسه المبللة، فيما وقف عدد من الفتية يتأملون مأواهم الجديد. رافقهم الحاج شحدة ياسين الأشقر، نزل مع أبنائه وأحفاده (زهاء 15 فردا) مكفهر الوجه وقال بألم: 'وكأننا في الحرب، إبان الحرب هربنا للمدارس وقُتل حفيداي بلال (4 سنوات) ومحمد (6 سنوات) داخل المدرسة، أتمنى أن لا تصل السيول للمدرسة'. شاب في الثلاثين من العمر غطى جرحان في وجهه بلاصق طبي، لجأ للمدرسة، قال إنه لن يستطيع الحديث بسبب الجروح وآلام الرأس الناتجتان عن سقوطه من علِ وهو يحاول الهروب من السيول. وقالت مصادر طبية في غزة إن 96 مواطنا أصيبوا جراء المنخفض الجوي 3 منهم في حال الخطر. ويلجأ السكان طلبا للنجدة عبر الاتصال بالإذاعات المحلية وأجهزة الانقاذ ناهيك عن الاستنجاد بالجيران الأقارب. غازي نصار، أحد المتطوعين والمشرف على المدرسة قال إن المدرسة تأوي 102 عائلة بمجموع 635 فردا. وأضاف أن من يأوون إلى المدرسة هم من أبناء المخيم وأن كل منطقة قد تم تخصيص مدرسة لها، أو أكثر. 'لم تكن وكالة الغوث قد فتحت أبواب المدارس أول أمس، فتحها المواطنون بالقوة وكسروا الأبواب... لقد مكثوا يوما كاملا بلا طعام،' قال نصار. وأفادت مصادر محلية إن 431 أسرة بواقع 2234 (حتى صباح السبت) قد لجأوا إلى أماكن الايواء. أم سليم أبو فول (60 عاما) من مخيم جباليا هربت هي وأسرتها الممتدة (29 فردا) إلى إحدى المدارس بعد أن اقتحمت المياه بيتها وأولادها نيام. وقالت أم سليم إن منسوب المياه وصل زهاء مترين، 'دخلت المياه البيت فجأة وبقوة ونحن نيام...حملنا الأطفال وهربنا ولم نستطع أن نأخذ شيئا من حاجياتنا، لا ملابس ولا غيره.' وكشفت أنها منذ 12 عاما تعاني كل عام نفس المشكلة، وهناك جهات 'انسانية' وعدوها بترميم البيت لأن زوجها يعاني عدة أمراض لكن لم يف أحد بوعده.وطلب الرئيس محمود عباس، من امين عام الجامعة العربية نبيل العربي، في اتصال هاتفي اجراه معه اليوم السبت، بتوجيه نداء عاجل لإغاثة قطاع غزة، جراء الاوضاع الصعبة التي يعيشها. وكان سيادته قد اصدر اوامره بإرسال مساعدات عاجلة لمتضرري المنخفض الجوي في قطاع غزة، كما بحث سيادته مع وزير الخارجية القطري خالد العطية ارسال وقود الى القطاع. وقال حسين الشيخ رئيس هيئة الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، ان الهيئة تمكنت من ادخال مضخات لسحب المياه من شوارع غزة، والمنازل التي غمرت بالمياه في القطاع نتيجة المنخفض الجوي. وقال عدنان أبو حسنة، الناطق باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة، إن وكالة الغوث لا تستطيع فتح أبواب كل المدارس على مصراعيها وتحويلها إلى ملاجئ وذلك لتجنب عرقلة المسيرة التعليمية. وأضاف أنه تحت بند 'الايواء العاجل' تم مد السكان بالبطاطين (الاغطية) وبعض الاحتياجات الطارئة.