القاهرة - وكالات
«تخيل أن انفصال الجسدين فى المكان ليس إلا ظاهريًّا فى حين أن لهما فى الواقع، طبيعة واحدة، كلية. وربما حين يصل التحلل العضوى إلى الميت، يبدأ هو، الحى، بالتعفن أيضاً ضمن عالمه المتحرك.» «الضلع الآخر للموت» «غابريل جارسيا ماركيز» *** سلمية سلمية هو هتافه الدائم، يمسك بزجاجة دواء «ميكو جل» للتخفيف من آثار قنابل الغاز، يرش بها على وجوه الثوار. كر وفر هو الحال بين الداخلية والثوار. يرش الدواء ذهاباً وإياباً. يرن الهاتف الخاص به.... تظهر نمرة زوجته، يرد:- - آلو - آلو - انت سامعنى يا حبيبي يغلق الخط، يعتقد أنها الشبكة الخاصة بالخدمة أو زحام هواتف نقالة فى المكان، يقرر العودة إلى المنزل. الطريق خالٍ تماماً. شعور بالوحدة. الصمت يخيم على المسافة المقطوعة بين ميدان التحرير والمنزل. دافئة هذه الليلة على عكس ليلة أمس. النجوم متلألأ بريقها. سماءٌ صَافيةٌ. نسمات هواء تداعب وجهه. نشوة النصر تملأ قلبه، ثورته تحيا من جديد. «سأصل إلى المنزل لأستحم وأخرج مع زوجتى وأولادى، فهذه ليلة عظيمة». يفتح باب الشقة. يرى الأهل والأصدقاء فى ملابس الحداد. - السلام عليكم. لا أحد يرد. لا أحد يجيب. لا أحد ينتبه لوجوده بينهم. يلقى السلام مرة أخرى. إنهم يبكون. لا ينظر إليه أحد. يهرول إلى أحد أبنائه ليحتضنه، ولكن، يرن جرس الباب. تجرى زوجته لتفتح. يدخل الأب ومجموعة أخرى من الأصدقاء، يحملون جثمانًا، مثقوب الرأس مفقأ العين، مهشم اليدين والقدمين. كدمات زرقاء متفرقة فى الجسد. تصرخ الزوجة.... يبكى الأولاد.... ينظر إليهم مشوشًا. لا يقوى على الكلام. لا يفهم.... يقترب من الجثمان يتفحصه جيدًا. -إنه يشبهني.. ليس أنا.. لست أنا.. أنا ولكن..إنه جثمانى.