بقلم - منعم بلمقدم
من سار على الدرب وصل ومن تواضع لله رفعه، صفتان جمعهما فرعون الكرة المصرية وفنانها الحالي ومبدعها الكبير الذي يحق للمصريين أن يفتخروا به ولربما شكل لهم الأيقونة التي لم يعرفوا لها مثيلًا في التاريخ وقد تتجاوز ما حققه لاعبون عباقرة كبار مروا من أرض الكنانة يتقدمهم الملهم محمود الخطيب، محمد صلاح الذي قرر أن يمشي وحيدًا في الأنفيلد على عكس ما تردده جماهير الليفر.
لم يسبق في تاريخ الكرة المصرية وأن ارتقى لاعب في العالي وأن بلغ العالمية كما يبلغها اليوم صلاح ومرشح لأن يتجاوز هذا السقف بكثير في المقبل من الأعوام بعد أن أصبح مطلبًا عاجلًا لكبار قامات الكرة الأوروبية وفي الطليعة ريال مدريد.
الخطيب وشوبير ومجدي عبدالغني وحسام حسن وأحمد حسن جلهما لمعوا في الداخل ولم يسطع بريقهم في الخارج وإن كان المشاكس أحمد حسام الشهير بميدو هو من تجرأ على العالمية في فترة من الفترات إلا أنه أفل بسبب مشاكساته وأحيانًا بسبب سوء لختياره، إلا أنه لم يصل لما صار يمثله اليوم محمد صلاح من قيمة وخامة كروية كبيرة استطاعت أن تلمع في واحد من أقوى بطولات ودوريات العالم، ويتقدم الجميع بما فيهم هاري كين هداف 2017 ويتصدر هدافي البريمر ليغ.
تابعت صلاح قبل 7 أعوام لما حل للمغرب رفقة الأولمبي المصري، وراقني ما كان يفعله هذا الفتى الضئيل والقصير المكير كما كان يردد المعلق الراحل حمادة إمام، وأثار إعجابي وخمنت أنه سيكون ذو شأن ومنزلة في المستقبل.
ما بلغه صلاح اليوم من رفعة وهو يتصدر مشهد الأفضل بالقارة السمراء وبأنجلترا ويوضع ضمن صفوة أفضل 20 لاعبًا في أوروبا، هو ثمرة عمل مضني لفتى انطلق من المقاولين العرب ونحت على الصخر وتدرج في عالم الاحتراف ولم يركب السلم بسرعة.
رضع من ثدي الاحتراف في سويسرا وتعلم في إيطاليا ولم تكن خطيئة مورنيو الكبيرة بأن تجاهله رفقة البلوز لتحد من طموحه الجارف ليعود لأنجلترا على هودج التقدير رفقة العريق ليفربول بعد أن ترك بالكالشيو آثارًا للاعب مبدع في حضرة البنفسجي فيورونتينا وبعده أميرًا مع قياصرة وذئاب روما.
صلاح هو الدرس الذي على لاعبينا المغاربة استخلاصه، لأنه يوم كان صلاح يشق طريق نجوميته كان لنا منتخب أولمبي قاده الهولندي بيم فيربيك وضم كوكبة من نجوم شابة وواعدة تنبأ لها الجميع بالتألق وأن تسطع في سماء العالمية منها مختار ولبيض وخاصة عبدالعزيز برادة.
يومها كان صلاح لاعبًا في المقاولين العرب وكان برادة في فرنسا يسبقه بمسافة، ولما انتقل صلاح لبازل السويسري سافر برادة لليغا ليلحق بخيطافي وهو يدنو على بعد مسافة من ريال مدريد في ضاحية العاصمة.
سرق صلاح الأضواء في سويسرا بعد أن تحول للملهم واللاعب الأكثر حسمًا داخل ناديه المتواضع ومقابله كان برادة يصاقر عمالقة الليغا من ميسي لغاية رونالدو.
الاختلاف الذي يبرز فداحة الفوارق التي لا يصلح معها قياس هو أن صلاح برفعة الأخلاق والنضج والمحيط السليم ركب سلم المجد باختيارات رائعة في إيطاليا واستقر في أنجلترا في صفقة قياسية، في حين اختار برادة في سن 24 سنة أن يدفن دوليته مع الأسود ومساره الاحترافي الساطع في رمال الخليج وفي بطولة الإمارات.
فضل برادة المال والراتب الذي لا تقتطع منه الضرائب والذي يؤدى صافيًا فاختار صلاح الارتماء في حضن العالمية والجد وها هو اليوم يتحول لرئة الفراعنة في وقت أصبح فيه برادة في نفس السن مجرد ذكرى لعابر سبيل بلا بصمة مع الأسود.
محمد صلاح هو درس للاعب المغربي المحلي الذي يغرق في هواية التفكير ويحصر طموحه في سيارة فارهة وإجازة في ماربيا، صلاح هو الدرس الذي يذكرنا بضياع جيل مونديال 2005 في هولندا وبغياب شبل واحد من جيل لندن 2012 عن سماء العالمية وعرين الأسود، لأن العبرة بالاستمرارية والثبات اللذان جسدهما محمد صلاح بالنجاح والفلاح.