سحر البينسات

سحر "البينسات"..

المغرب اليوم -

سحر البينسات

بقلم : يونس الخراشي

"البينسات"، وهي عبارة عن تذكارات صغيرة جدا، بسلك لاصق، تعلق على الأقمصة أو في القبعات أو يحتفظ بها، حضور مثير للغاية في كل المنافسات الرياضية العالمية الكبرى، لا سيما منها الألعاب الأولمبية، إذ تشكل في حد ذاتها حدثا ضمن الحدث، وتصير أعز طلب من لدن كثيرين، بل إن هناك من يقم لها سوقا خاصا بها، حيث تابع بعضها بأثمان باهظة.

في دورة ريو، التي كنا ننتقل ضمنها من مكان إلى مكان كي نغطي الحدث، وبخاصة منه كل ما يتصل بالرياضيين المغاربة، فاجأنا الطلب المتجدد لأغلب من التقيناهم لـ"بينس" يمثل المغرب، حتى إن بعض من كانوا لا يبتسمون لنا في الأيام الأولى، سرعان ما تواضعوا، وجاؤوا يطلبون منا "بينسات"، بكل تودد، والابتسامة تعلو وجوههم.

وحين طلبت من رئيس البعثة، وقد زارنا مساء أحد الأيام في فندق "أوبتيون"، أن يوفر لنا "بينسات" إن أمكنه ذلك طبعا، بدا الأمر غير ذي بال في حينه، غير أن الزملاء ما فتئوا يلاحظون، وقد توفرت "البينسات" لاحقا، وإن بعدد قليل جدا، 11 لكل فرد منا، إلى أي حد هي ذات أهمية كبيرة، خاصة أنها جعلتنا نستجيب لطلبات كثيرين، وفتحت لنا أبوابًا مغلقة، وهيأت لنا فرصًا طيبة للحوار، والنقاش، وجعلتنا نستحق الشكر أيضا.

ففي مرة كنا نعود من رحلة بعيدة إلى المركز الإعلامي، ونرغب في الذهاب بأقصى سرعة إلى الفندق، حتى نستريح بعض الشيء، ثم نواصل العمل، غير أننا وجدنا أنفسنا ننتظر مجددا حافلات "الباك وان" العجيبة، والتي تتأخر أكثر من اللازم. ولم يكن من الزميل نور الدين بلحسين، المصور الساخر، سوى أن يهدي "بينسا" للمشرف على الحافلات، والذي ظل يناديه "دوستي"، لنرى عجبا يحدث أمامنا.

هل تعرفون ما الذي فعله "دوستي هذا"؟

لقد طلب منا، ببرتغالية لم نفهم منها سوى إشارات يديه، أن ننتظر قليلا. وانطلق مسرعا نحو حافلة كانت تصل لتوها، وتبرز منها إشارات ضوئية في الجانب الأيمن، وأخرى في أعلى زجاجتها الأمامية، تدل على أنها ليست تعنينا، ليطلب من سائقها تغييرا فوريا على خط "الباك وان"، وأن يعجل بالاقتراب من محطتنا، لنركب، وننطلق فورا، فيما كان الرجل ما يزال يتلمس "البينس" المغربي، فرحا به مثل طفل أهديت له للتو لعبة عجيبة، وكنا نحن نقول لبلحسين:"أنت متهم بإرشاء"، ونضحك.

في الأيام التالية صارت "البينسات" التي نملكها عملة نادرة وغالية الثمن، لأن الزملاء شاهدوا بأعينهم قدراتها السحرية في تغيير تعامل الناس، وكيف تفتح الأبواب المغلقة، وكذلك الأفواه التي لا تبتسم عادة، وهو ما صار يقينيا حين كانوا يهدونها إلى من يطلبها، فيلاحظون أن الأسارير تتغير فورا، وتنطلق الوجوه، فتصدر الابتسامات، ويصبح الحديث لبقا، وأكثر مرونة، حتى مع من يفترض فيهم أن يبقوا وراء المكاتب، ولا يتزحزحون منها؛ ولكن دائما في حدود المقبول، ودون أي تسلط أو خروج على القانون.

في صباح اليوم الذي كنا نستعد فيه لتغيير الفندق نحو "بلا سريو" بكوباكابانا، تحدث معي المسؤول عن المطبخ لأول مرة، إذ أشار لي بأنه يرغب في "بينس"، وقلت له انتظرني للحظات، سأعود إليك بعد حين، مما جعله يسر. أما حين عدت إليه بالمطلوب، فقد طار من الفرح، ولم يعد يعرف بأي شكل يشكرني، في وقت تقدمت فيه خادمات المطعم كلهن نحوي، وقد كن تعودن على وجودي في ساعة مبكرة جدا كل يوم، ليطلبن بدورهن "بينسات"، وهو ما استجبت له، وبعض الزملاء، ليعم الفرح في المكان، خاصة ساعة الرحيل.

أما وقد كنا بصدد مغادرة مطار ريو دي جانيرو، في اليوم الأخير لوجودنا هناك، نحو مطار ساو باولو، ومنه إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، فقد فوجئت بمسؤولة عن التدقيق في الجوازات تسرع بطبع جواز سفري، ثم تمدني به وهي تطلب مني، والابتسامة تعلو وجهها، "بينسا". أما حين أهديت لها تذكارا مغربيا، فقد قالت لي:"أرجو ألا يكون في الأمر أي إزعاج لك"؛ أي أنني لا أرى في ذلك استغلالا للموقف، فقلت لها على الفور:"بل هو للتذكري أن المغاربة أهل كرم فقط"، فانطلقت إلى وجهتي، وكلمة "أوبريغادو" تلاحقني.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سحر البينسات سحر البينسات



GMT 14:13 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نهاية شهر العسل

GMT 11:30 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

البطولة المنسية

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 18:23 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

يا آسفي علينا !!

GMT 10:34 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخيرا أصبحنا نستوعب الدروس

GMT 08:58 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"واشْ عرفْـتوني"

GMT 03:39 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

عناد فوزي لقجع

GMT 19:54 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيخ كومارا استثناء والبقية في مهب الريح

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 04:51 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

تصميم مميز للمنزل الذي تم فيه تصوير "برود تشيرش"

GMT 21:08 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

الإسباني هيكتور بيليرين يعلن سر "وشم" ذراعه الأيمن

GMT 00:00 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

عبد العزيز يعلن أنّ منظومة مصر الرياضية تمر بمرحلة دقيقة

GMT 07:51 2015 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

نبات "مخلب القط" يخفف آلام المفاصل والركبة

GMT 07:34 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الملك يتفقّد المستشفى العسكري في الرباط بزيارة مفاجئة

GMT 07:19 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل عقارين في القائمة القصيرة لجائزة أفضل منزل لعام 2017
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya