يوميات ريو دي جانيرو  يوم في السماء الأخيرة

يوميات ريو دي جانيرو "يوم في السماء الأخيرة"

المغرب اليوم -

يوميات ريو دي جانيرو  يوم في السماء الأخيرة

بقلم : يونس الخراشي

ما إن علمنا، ونحن في الطائرة، الموجودة على أرض المطار الشاسع لمدينة ريو، أن الرحلة ستتوقف في مدينة ساو باولو، جنوبًا، قبل أن تنطلق شمالاً نحو الدار البيضاء، عبر بحر الظلمات، حتى أصبنا بخيبة صغيرة، إذ أن شوقنا إلى العودة، ومعانقة الأهل والوطن، كان قد بلغ مداه، ولم يعد لدينا من احتمال لمزيد من الصبر. وكان معنا في الرحلة رياضيون كثيرون، ممن مثلوا البعثة المغربية في دورة الألعاب الأولمبية، ورياضيون من دول أوروبية وأفريقية، فضلا عن مسؤولين مغاربة، وإعلاميين من دول عربية، كلهم ينتظرون إقلاع الطائرة، وقد بدأ الظلام يغشى ريو، وهي تواجهه بضوئها الكثيف المنبعث من كل مكان.
للحظتي الإقلاع والهبوط، بالتحديد، رهبة في النفوس عجيبة، حتى وإن حاول البعض أن يبدي غير ذلك، إما بافتعال حديث جانبي، أو ارتجال مزحة، أو البحث عن شيء ما، أو حتى الهروب نحو نوم يصعب تصديقه في تلك اللحظات بالذات، أو إعطاء الآخرين انطباعًا خاطئًا بأنه لا يهتم. وهكذا، فقد شعرت بخوف غريزي يسري في عروقي، وطائرتنا تستعد للإقلاع من ريو، ثم وهي تمضي نحو الهبوط في ساو باولو، ثم وهي تعود للإقلاع نحو الدار البيضاء، ما "طيّر النوم" من عيني، على حد تعبير عادل إمام في مسرحيته الشهيرة "شاهد ما شفشي حاجة"، رغم أنني كنت أعاني إرهاقًا كبيرًا جدًا.
أما وقد صرنا على بعد أميال في السماء، وفوق السحاب بالتحديد، من حيث لم يكن ممكنًا رؤية أي شيء، باستثناء الظلام، وبعض الغمزات التي تصدر من أضواء في الجناح الأيمن للطائرة، فقد بدأ الأغلبية في الاستسلام للنوم، فيما لجأ آخرون إلى القنوات الموضوعة رهن الإشارة على ظهر الكراسي، للتسلية، وظل غيرهم منشغلين بهواتفهم المحمولة، وفتح البعض كتابه ليواصل القراءة.
كان مفترضًا أن نقضي أكثر من 12 ساعة في السماء؛ أي نصف يوم بالتمام والكمال، حتى نصل إلى الدار البيضاء. ولست أدري أمن سوء حظي أم من حسنه أنني نادرًا جدًا ما أنام عندما أكون على سفر، مما منحني، ووجهي قريب من نافذة الكرسي 18D، فرصة، ونحن في ذلك المكان من العالم، كي أشاهد دورة اليوم كله، من زاوية مثيرة للدهشة، تختلف تمامًا عما اعتدت عليه طيلة حياتي.
ولا أخفيكم أن اللحظة الأروع على الإطلاق، ويا للعجب، هي تلك التي اشتد فيها سواد ظلام الليل، بما جعل النجوم تبدو، وهي تنتثر في السماء، أشبه بخيمة من ضوء رائع، آنست وحدتي، وهدأت روعتي، لا سيما وزميلي عبد الرحمن إيشي، من يومية "لوماتان"، كان غارقًا في نوم عميق، ولم أجد متعة في أي من تلك الأفلام والوثائقيات التي كانت رهن الإشارة، خاصة إنها هي نفسها التي اقترحت علينا في رحلة الذهاب، من الدار البيضاء، نحو ريو. "سبحان الله، التكرار ديال قنوات القطب العمومي تا فالطيارة". أما الكتب التي كانت على "الأيباد"، فقرأت منها ما تيسر، وبدون متعة كبيرة.
كانت الرحلة، بطبيعة الحال، فرصة مواتية لاستيضاح أشياء كثيرة من الرياضيين المغاربة، ظلت دون تفسير، وإن بدت تفسيرات بعضهم، وهم يجالسوننا، أو يعبرون بجانبنا، أو يجالسون غيرنا، أنا وزميلي "إيشي"، مقنعة نسبيًا، لأنها وجهة نظر الأشخاص الموكول إليهم التنافس للفوز بالميداليات، فإنها بقيت مثل صدر بيت، أو عجزه، بحاجة إلى الجزء الآخر من البيت، بل إلى القصيدة ككل، ليبرز المعنى كاملاً.
عندما كانت الآشعة الأولى للشمس تبزغ من جهة ما من السماء، حمراء وسط غبش الليل، معلنة بدايات الصباح، وبالتالي اقترابنا من مدينتنا، بدت المسافة المتبقية أطول، بفعل اشتداد الشوق إلى الوصول، ولم يعد من شيء يمكنه أن يسلينا، إذ جربنا كل الأشياء في ما سبق، حتى بعض الغفوات التي كانت تهون عناء السفر.
قلت في نفسي، وحسرة مثل وخز "مخيط" تؤلمني في جهة ما من قلبي، إزاء النتائج التي آلت إليها مشاركة المغرب في الألعاب الأولمبية لريو دي جانيرو، ألم تر كيف أن الإقلاع يحتاج إلى آلة جيدة، وقوة رهيبة دافعة للطائرة، وإلى ربان ذكي، وأن الصعود ليس سهلاً، بل يحتاج إلى وقت وصبر، حتى تصل المركبة إلى مكان محدد تستقر فيه، فيما الهبوط أكثر سهولة، ودائمًا يثير لدى الجميع مغصًا في المعدة، والأمعاء، وأن الوجهة والطريق إليها ينبغي أن يكونا محددين معًا من البداية، وإلا فإنه التيه المطلق.
حين وصلنا، بسلام، آمنين، إلى مطار محمد الخامس، في الدار البيضاء، وجدناه شبه فارغ من الطائرات، بعكس مطار ريو، الذي كان أشبه بميدان للعب بالمركبات، ومع ذلك، فقد انتظرنا في صف طويل، كي تنتهي الإجراءات الأمنية، بفعل وجود رجلي أمن فقط عند مدخلنا الأول، قبل انطلاقنا بسرعة إلى المدخل الثاني، حيث مرت الإجراءات بطريقة أسرع.
أما ونحن ننتظر حقائبنا، عند الحزام الحامل للأمتعة، فقد كانت الرغبة في الخروج سيدة الموقف، وقال لي زميل إن مسؤولاً في جامعة رياضية "أمر" الرياضيين المنتمين إليها بضرورة أن يرتدوا أقمصتهم الوطنية، وأن يستعدوا للانتقال رأسًا إلى المقر الرئيسي للجامعة، حيث يتعين عليهم أن يقابلوا السيد الرئيس. تبادلنا ضحكة صغيرة، فيها ألم كبير على رياضاتنا التي تغرق في البيروقراطية، ورحت أبحث عن زوجتي، وابني وابنتي، وقد أعياهما الانتظار، لأسعد بلقاء حار.
إلى اللقاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوميات ريو دي جانيرو  يوم في السماء الأخيرة يوميات ريو دي جانيرو  يوم في السماء الأخيرة



GMT 14:13 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نهاية شهر العسل

GMT 11:30 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

البطولة المنسية

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 18:23 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

يا آسفي علينا !!

GMT 10:34 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخيرا أصبحنا نستوعب الدروس

GMT 08:58 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"واشْ عرفْـتوني"

GMT 03:39 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

عناد فوزي لقجع

GMT 19:54 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيخ كومارا استثناء والبقية في مهب الريح

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 04:51 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

تصميم مميز للمنزل الذي تم فيه تصوير "برود تشيرش"

GMT 21:08 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

الإسباني هيكتور بيليرين يعلن سر "وشم" ذراعه الأيمن

GMT 00:00 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

عبد العزيز يعلن أنّ منظومة مصر الرياضية تمر بمرحلة دقيقة

GMT 07:51 2015 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

نبات "مخلب القط" يخفف آلام المفاصل والركبة

GMT 07:34 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الملك يتفقّد المستشفى العسكري في الرباط بزيارة مفاجئة

GMT 07:19 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل عقارين في القائمة القصيرة لجائزة أفضل منزل لعام 2017
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya