باك وان

"باك وان"..

المغرب اليوم -

باك وان

بقلم : يونس الخراشي

التعب صديق جيد، يقودك في بعض الأحيان إلى اختيارات ممتازة. ونتيجة للإرهاق الذي كان يصيبني، وزملائي الآخرين، لأننا كنا نشتغل دون توقف، إلا لماما، كي نأكل، أو كي ننام بعض الوقت لنسترجع طاقة العمل مجددا، فقد كنت أستسلم للنظر إلى جمال ريو ديجانيرو الرائعة من حولي، تاركا للعينين أن تسبحا في ملكوت بديع، ينتهي غالبا بحسرة، نتيجة سؤال ينبض في القلب:"لماذا لا نملك مدننا كهذه؟".
حدث ذلك عدة مرات، وبخاصة حين كنا نصعد إلى حافلات "الباك وان"، المخصصة لنقلنا إلى الفندق، ومنه إلى المركز الإعلامي، بين منطقتي بارا وإيبانيرما، فنجد "الويفي" معطلا، إذ كنت ألقي برأسي الأقرع على زجاج النافذة، وأستسلم لخدر البرد المثلج الهابط من المبردات، والمنبعث من زجاج نوافذ محكمة الإغلاق، لا يمكن فتحها إلا بطريقة واحدة، وهي تلك المطارق الحمراء المعلقة في جدران الحافلة، والمكتوب بجانبها طريقة استعمالها عند حدوث كوارث؛ مع أن الكارثة الوحيدة هي أن تكتشف كم هي مدينتك متسخة، وبئيسة، بالقياس إلى مدن أخرى محسوبة بدورها، ظلما وعدوانا، على العالم الثالث.
كانت الانطلاقة من فندق "أوبتيون"، حيث كنا نقيم، تبدأ في اتجاه اليمين الحاد، لأن الوسط يؤدي إلى طريق سيار، ثم بعد مسير بحوالي 600 أو 700 متر أو أكثر، تنعطف الحافلة يسارا، ليعود السائق من الجهة المقابلة إلى شمال المدينة، من طريق مستقيم، قبل أن ينعطف انعطافة واحدة أو اثنتين، ليعبر من جانب القرية الأولمبية، حيث يقيم أبطال العالم جميعهم في عمارات شاهقة، ثم إلى اليمين مرة أخرى، فإلى لفات لولبية، وهو يصل إلى المحطة الأخيرة، ليتوقف عند علامة تخص "باك وان" بالتحديد.
وأثناء ذلك السباق المحموم للسائقين، الذين كانوا يسرعون أكثر من اللازم، ربما لأنهم نصحوا بذلك تجنبا لأي هجمات على حافلات الصحافيين والحكام (وقع هجوم منذ اليوم الأول)، أو لربما لكي لا يدقق الإعلاميون، بخاصة، في بعض الأمور السيئة، كنت أستعيد اكتشاف المدينة، أو للحق ذلك الجزء من المدينة (لأنها ضخمة)، بحيث كنت أركز على المناطق التي لم يسبق لي أن دققت فيها النظر، فأستزيد مما أرى على ما سبق أن رأيت.
الطريق نفسها كانت جيدة من حيث بينتها، أما العمارات فكانت تثيرني دائما لكونها شاهقة جدا، ومتباعدة عن بعضها بما يتيح لكل ساكن حقا في الهواء والخضرة ومساحات للهدوء وأخرى للعب، بالإضافة إلى أنها كانت بواجهات متناسقة، وبنوافذ لا شبابيك حديدية تغير مظهرها الأصلي، فيما كانت البنايات البسيطة تتيح لي أن أرى ما وراءها، وهو غالبا عبارة عن أحياء لسكان بسطاء، ولكنهم جميعا منظمون، بحيث أنك لا ترى أبدا قمامات عفنة، أو مظاهر غير لائقة، باستثناء تلك المناظر الفاقئة للعينين، وتهم الفافيلات؛ أو العشوائيات بلغتنا.
شيء آخر كان يستدعي مني تدقيقا في النظر، وهو محطات الحافلات العموميو، والتي كانت تتواتر كلما تقدمنا في الطريق نفسه، متوسطة الطريق، عبارة عن بنايات مستطيلة، بسقف بسيط، وبأبواب زجاجية إلكترونية، تتيح للحافلة، التي لها طريقها الخاص (أوتوروت - لا إشارات ضوئية فيه)، الدخول بأمان، إلى أن يصعد الركاب، ثم تنطلق بسرعة جنونية بدورها.
بطبيعة الحال كنت أراقب الناس من زجاج الحافلة، وهي تركض مثل وحش في الطريق، فأراهم على قدر من التحرر، بل على قدر كبير من التحرر، بما يتناسب مع ثقافتهم، ومعتقداتهم، دون أي تحرش يذكر بالفتيات، والنساء، وهن تمضين في الشوارع بألبسة خفيفة، جنبا إلى جنب مع شباب ورجال، متخففون بدورهم في ألبستهم، بفعل الحرارة، وبفعل ثقافتهم الخاصة في هذا الجانب.
كانت صور السيارات، على اختلافها، بدورها تثيرني، بحيث كنت أرى كل الأنواع التي توجد في المغرب، إلا سيارة واحدة، وهي "فولسفاكن" القديمة، التي اختفت إلى حد كبير، وهي تستعمل، في ريو بكثرة، لحمل الأثقال. فكنت كلما شاهدتها استرجعت ذكريات خاصة معها، وتساءلت كيف لهؤلاء أن يحتفظوا بهذا النوع من السيارات؟
أشياء أخرى كثيرة كانت تأسرني ونحن في الطريق، ضمنها تلك الجبال التي تشبه "قوالب السكر" عندنا، بالخضرة التي تكسوها، وهي تطل على شاطئ من المحيط الأطلسي، وتجدها مرة إلى اليمين، وأخريات في اليسار، قبل أن تجدها مطلة على بحيرة كبيرة، برائحة نتنة بعض الشيء، قبالة المركز الإعلامي، وتشكل واحدة من أجمل ما يوجد في ريو ديجانيرو، المدينة الحالمة بنهاية الأسبوع، ولا شيء غير نهاية الأسبوع.
إلى اللقاء.
(مع البرازيلي راي، بقرب حافلة "باك وان"، وجانب من ريو)

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

باك وان باك وان



GMT 11:51 2019 السبت ,24 آب / أغسطس

الألعاب الإفريقية..

GMT 12:03 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

إيكيدير الإنسان

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 04:51 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

تصميم مميز للمنزل الذي تم فيه تصوير "برود تشيرش"

GMT 21:08 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

الإسباني هيكتور بيليرين يعلن سر "وشم" ذراعه الأيمن

GMT 00:00 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

عبد العزيز يعلن أنّ منظومة مصر الرياضية تمر بمرحلة دقيقة

GMT 07:51 2015 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

نبات "مخلب القط" يخفف آلام المفاصل والركبة

GMT 07:34 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الملك يتفقّد المستشفى العسكري في الرباط بزيارة مفاجئة

GMT 07:19 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل عقارين في القائمة القصيرة لجائزة أفضل منزل لعام 2017
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya