معضلة الهجرة ووصفة المغرب لأفريقيا

معضلة الهجرة ووصفة المغرب لأفريقيا

المغرب اليوم -

معضلة الهجرة ووصفة المغرب لأفريقيا

بقلم - ادريس الكنبوري

ما يسعى إليه المغرب، خلال القمة الجديدة للاتحاد الأفريقي، هو محاولة إقناع دول القارة بنهج سياسات جديدة في موضوع الهجرة تدرجها ضمن رؤية اقتصادية أوسع وتجعل منها قاطرة للتنمية المشتركة بدل أن تكون عبئا مكلفا.

تواجه القارة الأفريقية منذ زمن طويل أزمة كبرى تتمثل في الهجرة، التي صارت شوكة في أقدام الأفارقة وتتجاوز كونها معضلة عابرة أو محدودة الانتشار، إلى حيث أصبحت ظاهرة بنيوية مرتبطة بالمناخ السياسي والاقتصادي لبلدان القارة. ومنذ بضع سنوات، ومع التحوّلات الأمنية وظهور الجماعات الإرهابية، تحوّلت الهجرة إلى موضوع ساخن على طاولة القمم الأفريقية – الأوروبية، خصوصا بالنسبة لفرنسا ذات الارتباط التقليدي بالقارة، بحكم الماضي الاستعماري، وكذا بحكم أن فرنسا تضم جالية أفريقية واسعة، وتنظر إلى الهجرة كتحدّ وطني وإقليمي خلال الحقبة القادمة.

ولكن موضوع الهجرة على الصعيد الأفريقي لم يجد الحلول المناسبة له، ويعود ذلك إلى جملة أسباب، من بينها أنّ البلدان الأفريقية لم تصل بعدُ إلى جعل قضية الهجرة عنصرا في منظومة تعاون كاملة ومندمجة، فهي تعالجها في نطاق ضيّق داخل القطر الواحد وفق سياسات وطنية قصيرة المدى تفتقد إلى الإمكانيات والوسائل التي تسمح بالحدّ منها، في وقت لم تعُد الحدود تقف في وجه المهاجرين ولم تعُد الأسوار الوطنية قادرة على لجم قوافلهم.

أما على صعيد العلاقات مع أوروبا، فإن البلدان الأفريقية ظلت تنتظر دائما التمويل الأوروبي لمعالجة أزمة الهجرة، في وقت تراجع فيه حجم المساعدات التي تقدّمها الدول الأوروبية للبلدان الأفريقية نتيجة الأزمة الاقتصادية المالية من جهة، والتباين في مواقف العواصم الأوروبية حيال أزمات القارة من جهة ثانية.

وقد أصبحت الهجرة منذ بضع سنوات ضحية الإرهاب في القارة، ذلك أن البلدان الأوروبية- وفرنسا بوجه خاص- لم تعد تولي الهجرة اهتماما خاصا إلا بقدر ما يساعد ذلك في مواجهة المخاطر الإرهابية على أمنها.

ومع تزايد هذه المخاطر والتركيز الأوروبي عليها، صارت الهجرة عبئا ماليا مضاعفا على الجانب الأوروبي، إذ أصبح مطلوبا منه تقديم الدعم المالي واللوجستي لمساعدة الدول الأفريقية على محاربة الإرهاب، وفي نفس الوقت مواكبة السياسات الأفريقية في مجال الهجرة ماليّا، وهو ما أدى في النهاية إلى إمالة الكفة لصالح الإرهاب على حساب الهجرة.

وفي أفق رفع هذا التحدي الذي يعيشه الأفارقة، عمل المغرب- منذ عودته إلى الاتحاد الأفريقي في العام الماضي- على وضع مقترح مخطط أفريقي لمعالجة معضلة الهجرة، من المنتظر أن يتقدّم به الأحد في قمة رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد بأديس أبابا، حيث انطلقت أشغال القمة الأفريقية الثلاثون قبل أيام ويتوقع أن يحضر هذه القمة العاهل المغربي الملك محمد السادس.

المخطط المقترح، كما أعلن عنه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، يشمل ثلاثة محاور، الأول ينظر إلى الهجرة كفرصة لا كضرورة، والثاني يرمي إلى تجاوز الصور النمطية حيال المهاجرين الأفارقة، بينما يهم الثالث إعداد مخطط شامل لاحترام حقوق المهاجرين بالتنسيق مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.

بيد أننا لو عدنا إلى الخلف للاحظنا بأن الرؤية المغربية لظاهرة الهجرة في إفريقيا قد بدأت منذ سنوات، إذ تمكّنت الرباط من صياغة مشروع وطني شامل حول الهجرة، تبلور في وضع قانون خاص بالمهاجرين هو الأول من نوعه في تاريخ البلاد، واتخاذ مجموعة من الإجراءات الداخلية مثل تسوية الأوضاع القانونية للمهاجرين الأفارقة، والإشراف على برامج خاصة تحارب النظرة الدونية للمهاجرين الأفارقة، خصوصا أولئك القادمين من بلدان الساحل. وقد حظيت هذه التجربة المغربية بترحيب كبير لدى العواصم الأفريقية التي اعتبرتها مبادرة جيدة صادرة عن بلد أفريقي.

وما يسعى إليه المغرب، خلال القمة الجديدة للاتحاد الأفريقي، هو محاولة إقناع دول القارة بنهج سياسات جديدة في موضوع الهجرة تدرجها ضمن رؤية اقتصادية أوسع، وتجعل منها قاطرة للتنمية المشتركة بدل أن تكون عبئا مكلفا. غير أن هذا الطموح ليس سهلا بالنسبة للاتحاد الأفريقي الذي لا زالت تنخره الانقسامات، ولم يتجاوز العوائق البنيوية التي تحُول دون التنسيق المشترك، فقد تكون المخططات قوية وفاعلة، لكنها تحتاج الإرادات السياسية التي تنفذها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معضلة الهجرة ووصفة المغرب لأفريقيا معضلة الهجرة ووصفة المغرب لأفريقيا



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya