السلفية الوطنية والسلفية الجهادية

السلفية الوطنية والسلفية الجهادية

المغرب اليوم -

السلفية الوطنية والسلفية الجهادية

ادريس الكنبوري

دأب البعض على استدراج موضوعة السلفية الوطنية إلى ساحة الحديث كلما تعلق الأمر بالسلفية الجهادية، على أساس أنهما من مضغة واحدة. وهو أمر أشكل كثيرا على البعض حتى أصبح عدد من الباحثين يُعول على المرور على السلفية الوطنية بوصفها محطة في الطريق إلى السلفية الجهادية. وفي بعض الأحايين يجعل البعض الأولى مقابل الثانية، واضعا السلفية الوطنية ضمن مدرج السلفية المتنورة والسلفية الجهادية في مدرج السلفية المتشددة، أو المتخلفة.

والحقيقة أن لفظة السلفية خلقت إشكالا عويصا في الفكر العربي الإسلامي المعاصر، وقد أطلقت في أحقاب معينة للتدليل على العودة إلى الماضي، في مقابلة التنوير والحداثة. ولربما أطلقت للتدليل على رفض التجديد والقراءة التوليدية للمشروع الفكري الواحد، مثلما شاع في الأدبيات الماركسية الحديث عن الماركسية السلفية، أو في مدارس علم النفس عن السلفية الفرويدية، للدلالة على قصر الفرويدية على مسألة الليبيدو والمتعة الجنسية.

ولم تكن السلفية الوطنية، في منشئها، بعيدة عن هذا التداول عند من نحت هذا اللقب في بدايات القرن الماضي، ومنهم علال الفاسي. فقد شِيء لها أن تكون رجوعا إلى منابع التراث الإسلامي لبناء الفكر والمجتمع، في مواجهة أطروحات اتباع الغرب وتقليد أوروبا "بخيرها وشرها" كما كتب طه حسين في كتابه عن مستقبل الثقافة في مصر، قبل أن يدخل على قناعاته تعديلا في أخريات حياته.

لقد كانت السلفية الوطنية على المستوى السياسي ـ كما يشير إلى ذلك إسمها ـ مرتبطة بالدولة الوطنية التي ولدت في حقبة ما بعد الاستعمار، ولم تكن تشكك في الانتماء الوطني أو تنكر مفهوم"الوطن" وهي تتحدث عن الأمة، خلافا للسلفية الجهادية التي جاءت انقلابا على هذا النمط من الانتماء. وعلى المستوى الإيديولوجي كانت ردة فعل على التغريب الثقافي للاستعمار الغربي. فقد اعتبرت أن الاستعمار سلخ الشعوب العربية والإسلامية من هوياتها، فطرحت مشروعا ثقافيا وتربويا بديلا لإعادة بناء الذات من منطلق التراث الإسلامي. لكنها لم تنف الغرب نفيا باتا، بل عملت على صوغ آلية للتوفيق بين الأصالة والعصرنة، مؤمنة بأن الحضارة الإسلامية توقفت في زمن معين لم تعد فيه سيدة العالم، وأن الحضارة الغربية شكلت لحظة استئناف لمضامين عدة جاءت بها الحضارة الإسلامية، وأنه من المفيد اقتباس ما هو جيد عند الغرب وطرح ما هو رديء، لأنه لا يمكن البناء من عدم.

وتخالف كل هذه البنود البنية الفكرية لدى السلفية الجهادية، فهذه الأخيرة لا تعترف بالوطنية وتعتبرها جاهلية وشركا، ولا ترى في الغرب سوى مجتمعات همجية، وتختزل انتماءه كله في الدين، من حيث كونه غربا مسيحيا، وتعتبره دار حرب لا تجوز المعاملة معها. أما نزعة التوفيق بين الأصالة والعصرنة فهي جمع بين ما لا يجتمعان، أي الكفر والإيمان. وفوق ذلك، وربما أهم منه، أن تيار السلفية الجهادية يرى في رواد السلفية الوطنية إما متغربين أو متحللين، ويحاكمونهم وفق قاعدة الولاء والبراء، ويعتبرون سلفيتهم سلفية إسمية مزعومة.

ويبرز الفرق بين السلفية الوطنية والسلفية الجهادية على المستوى الفكري بأشد ما يكون. فعلى حين تعتبر السلفية الجهادية المعتزلة زنادقة أو كفارا في أسوأ الأحوال، فإن غالبية رواد السلفية الوطنية كانوا من أهل الاعتزال، حتى وإن لم يكونوا يعلنون ذلك علنا في كتاباتهم، عدا أولئك الذين انخرطوا في نقاشات حول الأسماء والصفات إما بهدف تجديد العقيدة كما فعل محمد عبده في"رسالة التوحيد"، أو لمناظرة خصوم الدين كما فعل جمال الدين الأفغاني في"الرد على الدهريين". وتجمع السلفية الجهادية، ومعها التقليدية، جميع رواد مدرسة السلفية الوطنية تحت إسم جامع هو"الاتجاه العقلي"، المرفوض. وفي حين نجد عند السلفية الوطنية مفهوما حضاريا تؤسس به للوحدة الإنسانية الجامعة، هو مفهوم الحوار، مقرة بالاختلاف والتعددية بين البشر وبأن الاختلاف الديني لا يلغي الاجتماع الإنساني المشترك، على قاعدة مقولة علي بن أبي طالب"الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، نلفي السلفية الجهادية كافرة بمفهوم الحوار، مؤمنة بأن الناس إما مؤمن أو كافر، واضعة مفهوم التكفير مكان الحوار.

ويكاد الأمر الوحيد الذي يجانس السلفيتين هو الموقف من التصوف. فقد اتخذت السلفية الوطنية موقفا رافضا للزوايا الصوفية والطرقية في بداية القرن، متأثرة في ذلك بدعوة محمد بن عبد الوهاب الذي حارب الطرق الصوفية في الحجاز في نهاية القرن الثامن عشر، وهو نفس الموقف الذي تتبناه السلفية الجهادية. غير أنه في حين كان البعد السياسي غالبا على السلفية الوطنية في موقفها ذاك، نجد أن البعد العقدي هو الغالب على السلفية الجهادية، باعتبار التصوف بدعة وهرطقة في الدين. وهما معا انطلقا من تجربة محمد بن عبد الوهاب الحجازية، لكن السلفية الوطنية اكتفت باقتباس التجربة من دون مضامينها العقدية الحنبلية المتشددة عند بن عبد الوهاب، فهي لم تقتبس منه مفهوم الجهاد مثلا، بينما السلفية الجهادية ترتكز في عمقها على سلفيته، وتعتبر نفسها عودة إلى تلك الأصول التي تعرضت للخيانة من طرف من ادعوا تبنيها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلفية الوطنية والسلفية الجهادية السلفية الوطنية والسلفية الجهادية



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:41 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 14:36 2017 السبت ,22 تموز / يوليو

بين إعلام الحقيقة وإعلام المنتفعين

GMT 03:43 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بقلم : أسامة حجاج

GMT 01:55 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أكثر من 700 دودة شريطية تغزو دماغ ورئتي رجل

GMT 13:54 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

قائمة "نيويورك تايمز" لأعلى مبيعات الكتب

GMT 03:22 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

"سوني" تطلق نسخا جديدة كليا من "PlayStation"

GMT 12:13 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

السبع ينفي وجود انخفاضات في أسعار السيارات الأوروبية

GMT 07:21 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أبرز وجهات شهر العسل في كانون الأول

GMT 02:51 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

نجمات مهرجان الجونة يجذبن عشاق المجوهرات الثمينة

GMT 07:47 2018 الأحد ,23 أيلول / سبتمبر

اعتقال شخص أقدم علي التحرش بسيدة في مدينة فاس

GMT 22:20 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

العثور على رضيع متخلى عنه في أحد شوارع مدينة وزان
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya