ابتسامة بنكيران في البيت الأبيض

ابتسامة بنكيران في البيت الأبيض

المغرب اليوم -

ابتسامة بنكيران في البيت الأبيض

توفيق بو عشرين

استأثرت «جلابة» نبيلة بنكيران، حرم السيد رئيس الحكومة، وألوانها الفاقعة وشكلها التقليدي باهتمام شعب «الفيسبوك»، والمهتمين بالبروتوكولات

 حيث انقسم الجمع إلى مؤيد ومعارض، معجب ومستنكر، ونسي الجميع حدث دخول بنكيران نفسه إلى البيت الأبيض لأول مرة، ودلالات تمثيله الملك محمد السادس في مؤتمر دولي حضره أكثر من 46 رئيس دولة إفريقية، في لقاء خططت واشنطن لجعله مقدمة للتصدي للنفوذ الصيني في القارة السمراء، وعنوانا لاسترجاع مكانة العام سام في قارة غنية بالمواد الأولية وبالنزاعات المسلحة وبالفرص الاستثمارية وبالانقلابات العسكرية...

صورة رئيس الحكومة في البيت الأبيض، وهو يلتقط صورا تذكارية مع الرئيس باراك أوباما وحرمه، كانت توحي بأن رئيس حكومتنا سعيد ومسرور باللقاء، وبدخوله على أقوى رئيس دولة في العالم. إنه يرى كيف أنه نجح في الخروج من عاصفة الخريف العربي ورأسه فوق جسد الحكومة. نعم، لقد حلقوا له الرأس أو هو حلقه بنفسه قبل أن يحلقوه له عندما رأى ما وقع لمرسي في مصر وللغنوشي في تونس، لكنه مازال هنا...

إذن، وجود بنكيران في البيت الأبيض كإسلامي وحيد في العالم العربي يقود دولة لا هي محاصرة مثل السودان، ولا هي منبوذة مثل إيران، دليل على أن التجربة المغربية في إدماج الإسلاميين، أو جزء منهم على الأقل، ناجحة إلى الآن، وهي تجنب البلاد مخاطر كثيرة، وهي تسد الطريق على التطرف الديني الذي يعصف بالعالم العربي اليوم.

بنكيران الذي كان أيام الشباب وأحلام الثورة يعتبر أمريكا شيطاناً أكبر وقلعة الإمبريالية ونصيرا لإسرائيل على الفلسطينيين، ها هو اليوم يرسم ابتسامة عريضة على وجهه وهو يدخل على ساكن البيت الأبيض ليمثل بلده المغرب في لقاء مهم. هذا يعني أن الإسلاميين يتغيرون ويصبحون أكثر واقعية وبرغماتية كلما اقتربوا من السلطة، واندمجوا في المشهد السياسي المحلي والدولي، وهذه أحسن طريقة لوضع أفكارهم ورؤوسهم على رحى الواقع حتى تزول النتوءات الحادة من على جلدهم...

عندما يصل الإسلاميون إلى السلطة ليغيروا الواقع فأنهم في الوقت ذاته يشرعون في التغير هم أنفسهم، ومن مخاض عملية التغيير والتغير يولد الاندماج السلس، وتدور عجلة الديمقراطية والتناوب على السلطة بين الأحزاب من كل الاتجاهات، دون المساس بمؤسسات الدولة وقواعدها العامة وهيكلها الإداري والبيروقراطي.

لقد نقلت وثائق ويكليكس معلومات وتصريحات لكبار رجال الدولة المغربية وهم يقولون للأمريكيين إن الإسلاميين المغاربة يكرهون أمريكا، وإن الاعتدال الذي يظهرونه أمام السفير الأمريكي بالرباط ليس صحيحا، وإنه جزء من خدعة سياسية، لأن الإسلاميين قنافذ لا أملس فيها. عشنا ورأينا الملك محمد السادس يبعث رئيس حكومته إلى واشنطن لتمثيل المغرب في مؤتمر تحت الرعاية المباشرة للرئيس باراك أوباما، وهذا مؤشر يحمل دلالات كبرى على أن الجالس على العرش يحاول أن يحترم قواعد اللعبة، ويتكيف ومحيطه مع التجربة المغربية التي تتجه نحو التطبيع مع الإسلاميين، من جهة، ومع صناديق الاقتراع وما تفرزه، من جهة أخرى، وهذا هو الأهم في العملية. هذا على عكس ما يحدث مع أحزاب المعارضة (اليمينية واليسارية والإدارية) التي مازالت ترى أن وصول العدالة والتنمية إلى الحكومة حادثة سير يجب ألا تتكرر، وقوس يجب أن يغلق سريعا، ومعه سيغلق الانفتاح الديمقراطي، وسنرجع إلى أسلوب «اعطيني نعطيك» من تحت الطاولة، بعيدا عن صندوق الاقتراع الذي لا يلعب، والحالة هذه، إلا دورا تكميليا واستئناسيا، أما جوهر الصفقة فيقع في مكان آخر. إن هذا الضيق السياسي والإيديولوجي والمصلحي هو الذي دفع حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، إلى أن يتهم رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، بإقامة علاقة مع داعش والنصرة والموساد الإسرائيلي، داخل مؤسسة البرلمان!

صحيح أن الدبلوماسية المغربية مجال مازال محفوظا بالكامل لرئيس الدولة، وأن الحكومة لا تلعب إلا في هوامش تنفيذية صغيرة، لكن في الوقت ذاته يجب الانتباه إلى دلالات صورة بنكيران في البيت الأبيض، وقدرة هذا النموذج المغربي بكل أعطابه ومشاكله على رسم معالم طريق ثالث للتعامل مع الربيع العربي، وتجنب تداعيات الخريف التي أسقطت دولا أخرى في أنهار من الدماء والفتن والاضطرابات...

الإسلاميون فيهم عيوب كثيرة ليس أقلها انعدام خبرتهم في إدارة الدولة، وقلة الكوادر والأطر الكفأة في صفوفهم، وخلط بعضهم بين الدين والسياسة، لكن هؤلاء أبناء هذه الأرض، وهم خرجوا من رحمها، والآن هم الأكثر شعبية في أوساط الطبقات المتوسطة والفقيرة لاعتبارات كثيرة، لهذا فإن إدماجهم في اللعبة يعني إبقاء الديمقراطية حية، وطردهم من اللعبة يعني خنق أي احتمال للخيار الديمقراطي، كما وقع ويقع الآن في مصر التي خرجت من سلطوية مبارك إلى ديكتاتورية السيسي، وبقية التفاصيل معروفة.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ابتسامة بنكيران في البيت الأبيض ابتسامة بنكيران في البيت الأبيض



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 21:05 2017 الإثنين ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الجهاز الفني للأحمر يُوافق على طلب وليد أزارو

GMT 22:26 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

ريتا حرب تؤكد أن تجربتها مع الجمهور المصري مرعبة

GMT 10:45 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

درس علمي بتعاوني الملحاء والمخلاف الثلاثاء

GMT 05:04 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

مهرجان "ضيافة" يعلن شروط الترشح لجائزة أفضل مدوّن في دبي"

GMT 16:36 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

العجز المالي لمولودية وجدة يبلغ 700 مليون سنتيم

GMT 02:43 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

حسن الرداد في ضيافة "أبلة فاهيتا" في "الدوبلكس"
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya