الاعتراف بالخطأ فضيلة

الاعتراف بالخطأ فضيلة

المغرب اليوم -

الاعتراف بالخطأ فضيلة

توفيق بوعشرين

امتلكت النيابة العامة في انزكان شجاعة الاعتراف بخطأ متابعة فتاتي التنورة، وقال نائب وكيل الملك في جلسة المحكمة أمس: «لقد وقع خطأ خلال تكييف التهمة التي تتابع بها الفتاتان، والنيابة العامة تتبنى كل ملتمسات الدفاع التي تطالب بإسقاط المتابعة عنهما، حتا احنا عندنا بناتنا ومنبغيوهمش يتعرضو لشي مكروه». وأضاف ممثل النيابة العامة في مراجعة واضحة للموقف الأول: «إن المغرب قطع أشواطا كبيرة في تكريس حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، وإنه لن يقبل بالتراجع إلى الوراء مهما كان شكل هذا التراجع».

النيابة العامة خصم شريف، ولا يجب أن يمنعها الكبرياء من الرجوع عن الخطأ، ولهذا وجب علي وقد انتقدت موقف وكيل الملك الأسبوع الماضي، ووصفته بالداعشي عندما قرر متابعة الفتاتين عِوَض متابعة من تحرش بهما من الرجال.. من واجبي أن أشد على يد هذا المسؤول القضائي، وأتمنى أن يتعلم منه قضاة آخرون كبارا وصغارا، وأن يصلحوا أخطاءهم، وأن يراجعوا قراراتهم، خاصة عندما تمس أبرياء في حريتهم وأموالهم وكرامتهم، فمحاكمنا، للأسف الشديد، مليئة بالمظالم، والظلم ظلمات يوم القيامة، وليس بين دعوة المظلوم والسماء حجاب.

الآن لنرجع مرة أخرى إلى نازلة انزكان، التي من المرتقب أن تنتهي نهاية سعيدة، وأن يقضي القاضي بسقوط المتابعة وإغلاق هذا الملف الذي كلّف سمعة البلاد الكثير.

حادثة انزكان يجب أن تفتح عيوننا على حقائق كثيرة طفت على سطح هذه النازلة ومنها:
أولا: أن الرأي العام المغربي صارت له قدرة كبيرة على التأثير في القرار السياسي، وحتى في القرار القضائي الذي من طبيعته أنه محصن وبعيد عن تأثير الجمهور، فلولا تحرك جيش الفايسبوك وتظاهرات النساء والرجال في الشارع، وأقلام الصحافيين، وبعض الأصوات الليبرالية وسط الأحزاب والدولة، لما أغلق ملف الفتاتين على اللون الوردي، ولكانت المسكينتان الآن في زنزانة مظلمة في هذا الشهر الحار. أملي أن يتحرك هذا الرأي العام كلما أحس بأن الحرية الفردية والجماعية في خطر، وأن ينتقد كل السلط مهما كان موقعها عندما تخطئ، وعندما تقمع حرية الصحافة والرأي والتنظيم، أو تعتدي على حقوق الإنسان، أو تصمت عن نهب المال العام.

ثانيا: لا بد من نقاش عميق بمناسبة الشروع في تنزيل خارطة إصلاح العدالة حول موضوع تكوين القضاة المغاربة، وتوجهاتهم في تفسير القانون وتأويله، خاصة أن المشرع المغربي وضع في أيديهم سلطة تقديرية كبيرة. الشهر الماضي كنت في زيارة للدانمارك، وأجريت حوارا صحافيا مع مسؤولة كبيرة في وزارة العدل الدانماركية عن العقوبات البديلة، وسألتها عن الجهات التي كانت تعارض هذه العقوبات عند بداية العمل بها في الدانمارك قبل سنوات، فأجابت بدون تردد أن «القضاة كانوا من أكبر معارضي الفلسفة الجديدة للعقوبات». فسألتها ثانية: ولماذا؟ فقالت: «القضاة جسم محافظ في كل دول العالم، وهم يميلون إلى التشدد في الغالب، ويعتقدون أن العقاب التقليدي هو أفضل رادع للمجرمين، وأن المجتمع ينتظر منهم عقوبات شديدة ضد المجرمين، لكن هذا مجرد تبرير لحقيقة أخرى وراء تشدد القضاة الذين عارضوا العقوبات البديلة.. إنهم رأوا فيها حدا من سلطتهم وانتقاصا من هيبتهم. عندما يحكم القاضي على متهم بسنة حبسا موقوفة التنفيذ، أو بقضاء خدمة في مستشفى عِوَض الذهاب إلى السجن، يشعر هذا القاضي وكأن سلطته ناقصة، وكأن هيبته في خطر». سألت السيدة في مكتبها مرة أخرى: «وكيف عالجتم هذا المشكل؟». فقالت: «عالجناه بإعادة تكوين القضاة، والنقاش معهم حول أفضل السبل للعقاب، وقلنا لهم إن السجن ليس هو المكان النموذجي لقضاء العقوبات. أدخلنا مواد كثيرة عن حقوق الإنسان إلى برنامج تكوين القضاة، ووضعنا أمامهم الدراسات والأرقام والإحصائيات التي تدعم برنامج العقوبات البديلة».

إذا كان هذا يحصل في الدانمارك المتقدمة بمائة عام على الأقل على المغرب، فماذا نقول نحن في هذه الحالة عن تكوين قضاتنا، وعن ممارستهم للسلطة التي بين أيديهم؟

ثالثا: لقد أبانت ثلاثة أطراف عن نضج كبير في التعامل مع نازلة انزكان؛ الطرف الأول هو القضاء الذي راجع موقفه وأصلح خطأه، ونتمنى أن تصل الرسالة واضحة إلى باقي مكونات الجسم القضائي. الطرف الثاني هم الإسلاميون في الحكومة وخارجها، والذين لم ينزلقوا للدفاع عن موقف النيابة العامة تحت شعار «الدفاع عن الأخلاق والحشمة» إرضاء للجمهور المحافظ. ثالث طرف عبر عن موقف ناضج من حادثة انزكان، كما حادثة الاعتداء على مثلي في فاس، هو الدولة التي لم تسكت عن خرق الحريات الفردية، ولا عن تلطيخ سمعة بلاد ستقدم في الإعلام العالمي على أنها تحاكم فتاة على لباسها القصير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاعتراف بالخطأ فضيلة الاعتراف بالخطأ فضيلة



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 08:36 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

سيخيب ظنّك أكثر من مرّة بسبب شخص قريب منك

GMT 17:16 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تكبير الأرداف من دون عملية

GMT 19:26 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

"إلعب إلعب" أغنية سناء محمد الجديدة على يوتيوب

GMT 03:38 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

6 علامات تُشير إلى مشاكل في الغدة الدرقية
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya