المجذوب وبنكيران وسؤال للمستقبل

المجذوب وبنكيران وسؤال للمستقبل..

المغرب اليوم -

المجذوب وبنكيران وسؤال للمستقبل

توفيق بوعشرين

هناك مثل إنجليزي يُقال على هامش الاحتفالات التي تجري عقب سباقات الخيل.. يقول المثل: «الجياد تجني المال والخراف تُذبح».. هذا هو الانطباع العام الذي تركه بيان الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عندما اختار وزراؤها تقديم عبد العزيز أفتاتي قربانا لبقائهم في مواقع المسؤولية دون إزعاج ودون تحمل كلفة المناصب التي يوجدون فيها…

إذا كان أفتاتي دخل إلى منطقة أمنية محظور دخولها، فليس هو من يستحق العقاب. الذي تركه يعبر هو المسؤول لأن برلماني وجدة، كباقي المواطنين، لا يعرف خريطة المواقع العسكرية؟ وإذا كان أفتاتي قد قدم نفسه كمبعوث لرئيس الحكومة فكيف يقبل مسؤول في الدرك أو الجيش أن يتلقى أوامر من غير قيادته، ويترك برلمانيا يمر إلى منطقة محظور العبور منها؟ وإذا كان روبن هود المنطقة الشرقية ارتكب جنحة أو جناية، فليقدم إلى القضاء ليقول كلمته فيه.. في دولة المؤسسات لا أحد فوق القانون ولا أحد تحت القانون كذلك… لا بد أن ننتبه إلى أن أفتاتي برلماني ونائب للأمة، ويجب ألا يعاقب كتلميذ شقي يلعب في الفصل أثناء الدرس… إذا كانت جريمة أفتاتي خطيرة، ففي هذه الحالة حزب المصباح كان أمام خيار واحد؛ أن يترك النيابة العامة ووزارة العدل تستدعيه وتحقق معه وتقدمه للعدالة لتقول كلمتها فيه في محاكمة عادلة، أما إدانته ببلاغ صحافي، وتعليق مهامه، وتوقيف نشاط برلماني وعضو منتخب في المجلس الوطني، وأحد الأصوات المسموعة في الحزب، فهذا أعطى ويعطي الانطباع بأن حزب المصباح ليس حزب مؤسسات، وأنه ضيعة كباقي الضيعات الأخرى، واستقلاليته محل سؤال عريض…

في السياسة ليست الحقائق وحدها مهمة، بل أحيانا تصير الانطباعات التي تترسخ في أذهان الناس أقوى من الحقيقة، والانطباع الذي تركته هذه الحادثة لدى الرأي العام داخل الحزب وخارجه هي أن هناك جهات تريد إغلاق فم أفتاتي، وتزعجها أسئلته وتدخلاته وسلوكه السياسي غير المنضبط لسقف المرحلة، وأن الحزب عوض أن يقبل بالاختلاف، وعوض أن يحمي أبناءه، يسلمهم في أول فرصة إلى الآلة التي تطحن كل من يقف أمامها.. اقرؤوا تعاليق المواطنين في «الفايس بوك»…

ليس أفتاتي من خرج مجروحا من هذه الحادثة، الذي خرج مجروحا هو حزب العدالة والتنمية الذي توجد على رأسه أمانة عامة، فيها وزير العدل، تتخذ قرارا خاطئا بالإجماع، ولا تحترم قرينة البراءة ولا مبدأ «المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته»… ثم على فرض أن أفتاتي دخل إلى منطقة أمنية محظور الدخول إليها، ألم يسبق للآخرين أن دخلوا إلى مناطق أمنية وعسكرية أكثر حساسية؟ هل تتذكرون أزمة أكديم إيزيك؟ ألم يتدخل مدنيون وسياسيون من أحزاب معينة فيها مع ما ترتب على ذلك من نتائج كارثية؟ لماذا لم تقدم أحزابهم على تجميد عضويتهم؟

الناس يقولون لكم أيها البيجيديون: إذا كنتم تتصرفون مع مناضل قيادي في حزبكم بهذه الخفة والاستهانة بحقوقه، فكيف ستفعلون مع أبناء المغاربة عندما يجدون أنفسهم وسط الكوليماتور…

الزعامة لها ثمن، والقيادة لها تكلفة، والإصلاح له مستلزمات، والحلول السهلة ليست دائماً هي الصائبة.. كثيرا ما أدت السهولة إلى كوارث يصعب إصلاحها…

رئيس الحكومة يجمد عضوية برلماني اختاره الشعب ليمثله في البرلمان، لكنه عاجز عن إقالة موظفي التلفزيون الذين أحرجوه أمام الشعب الذي رفضت قطاعات واسعة منه نقل حفل ستربتيز جنيفر لوبيز على الهواء مباشرة في الشاشة الصغيرة الموضوعة في كل البيوت، واختارت الأمانة العامة أن تدفع الخلفي إلى الاستقالة من منصبه باعتباره وزيرا لا يستطيع أن يفرض على جنرالات التلفزيون الانضباط لدفاتر التحملات وللقانون السمعي-البصري، عوض أن يعلن رئيس الحكومة شغور المناصب التي تمرد أصحابها على القانون… من عجائب الديمقراطية المغربية أن تصير إقالة الوزراء أسهل من إقالة الموظفين. أين يأتي خطأ الكوبل الحكومي وشكولاطة الكروج وكراطة أوزين أمام فضائح التلفزة وجرائم بعض كبار الموظفين الذين لا يُسألون عما يفعلون؟

أيها السادة، إذا كانت هذه التجربة الحكومية «التأسيسية»، التي جاءت بعد الربيع المغربي وبعد الدستور الجديد وبعد انتخابات هي الأفضل في تاريخ المغرب.. إذا كانت هذه التجربة، وبعد كل ما قيل وكتب عنها، لا تستطيع أن تتقدم بنا خطوة إلى الأمام على درب احترام إرادة الأمة، وصون مشاعر الناس، وإعلاء قيمة من يختارهم الشعب، واحترام المنهجية الديمقراطية، فما فائدتها؟

بنكيران يجب أن يجيب عن هذا السؤال: هل وظيفته فقط أن يرفع الدعم عن صندوق القاصة، وأن يمنع الشباب العاطل من التوظيف المباشر في الوظيفة العمومية، وأن يزيد 200 درهم في منحة الطلبة، وأن يخطب في البرلمان بصوت عالٍ.. هل هذا هو سقف هذه التجربة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المجذوب وبنكيران وسؤال للمستقبل المجذوب وبنكيران وسؤال للمستقبل



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 08:36 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

سيخيب ظنّك أكثر من مرّة بسبب شخص قريب منك

GMT 17:16 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تكبير الأرداف من دون عملية

GMT 19:26 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

"إلعب إلعب" أغنية سناء محمد الجديدة على يوتيوب

GMT 03:38 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

6 علامات تُشير إلى مشاكل في الغدة الدرقية
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya