تلفزيون المعارضة

تلفزيون المعارضة

المغرب اليوم -

تلفزيون المعارضة

‎توفيق بوعشرين

إن الصراع الدائر اليوم بين رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ومديرة الأخبار في القناة الثانية، سميرة سيطايل، يعطي فكرة واضحة وجلية عن الصعوبات الكبيرة التي تعترض مسار التحول الديمقراطي في المغرب
وعن الحواجز التي تقف أمام تطبيق الدستور، وعن وجود معارضة أخرى للحكومة غير معارضة لشكر وشباط والباكوري والراضي «مول الغابة».. معارضة لا تشارك في الانتخابات، ولا تؤسس أحزابا، ولا تتعرض للمحاسبة ولا للمساءلة ومع ذلك تتمتع بفعالية وقوة تمكنها، مثلا، من شن حملة على عقد البرنامج الذي وقعته الحكومة مع المكتب الوطني للماء والكهرباء، وأن توهم المواطنين بأن الزيادة في فواتير هاتين المادتين الحساستين ستشمل الأغنياء والفقراء على السواء، وهذا خطأ، من جهة، وتضليل للرأي العام ولعب بالنار، من جهة أخرى.
العرايشي وسيطايل وبن الشيخ موظفون لدى الإدارة الموضوعة، دستوريا، تحت سلطة رئيس الحكومة، ومع ذلك يخرج الثلاثة وينتقدون الحكومة والوزارة الوصية، ويعبرون عن مواقف سياسية، بل أكثر من هذا تقول سيطايل إن رئيس الحكومة عندما ينتقدها علانية، ويشكو حربها له على القناة الثانية، يتحرش بها نفسيا...
التلفزات الرسمية تابعة كلها لشركة مملوكة للدولة، ورئيس هذه الشركة يعين بظهير شريف بناء على اقتراح رئيس الحكومة. معنى ذلك أن هذا المنصب، الذي اعتبره القانون التنظيمي، الذي أعدته الحكومة وصادق عليه البرلمان، منصبا استراتيجيا، يفترض أن يقع حوله توافق بين سلطة الاقتراح وسلطة التعيين...
هذا ما يقوله القانون.. ما يقوله الواقع شيء آخر تماماً. هؤلاء الجنرالات الثلاثة الذين يديرون القطب العمومي يعتبرون أنفسهم شخصيات سامية مسؤولة أمام القصر وليس أمام الحكومة، وأنهم يخدمون أجندة أخرى لا علاقة لها بالسياسات العمومية التي تضعها الحكومة في دفاتر تحملات تصادق عليها الهاكا، وفق ما ينص عليه القانون.
قدم، أول أمس، محمد الأشعري، وزير الثقافة والإعلام السابق، شهادة معبرة في ندوة علمية حول التلفزيون والجهات التي تتحكم فيه، وهنا حكى واقعة معبرة جداً، حيث قال: «لم يكن في أجندة الوزير الأول الأسبق، عبد الرحمن اليوسفي، السيطرة على الإعلام، لكن مع ذلك وقعت له حادثة سير مع القناة الثانية. لقد تم قص صوره واستثناؤه من تغطية للقناة الثانية خلال مشاركته في مسيرة شعبية». وكشف الأشعري أنه «اتصل بمدير القطب العمومي، فيصل العرايشي، الذي تحجج بخطأ مهني ارتكبه الصحفي خلال تغطيته للمسيرة، بيد أن اليوسفي طلب من العرايشي عدم معاقبة الصحفي أو تقديمه ككبش فداء». لماذا؟ لأنه -يضيف الأشعري- «كان يدرك أن الأمر لا يتعلق بخطأ مهني. كان يعرف أن التلفزيون كان مجالا للتدخل من طرف الكثير من الجهات، باستثناء حكومة اليوسفي». انتهى كلام الأشعري.
خلاصة هذه الشهادة تقول إن الجميع يتدخل في عمل التلفزات باستثناء الحكومة. أنا شخصيا ضد تدخل الحكومة، وغير الحكومة، في التلفزات الرسمية، التي يجب أن تتحول إلى عمومية، وأن أفضل طريقة لإدارة هذا المرفق الحيوي والاستراتيجي هي النموذج البريطاني الذي يعطي BBC استقلالية كاملة من خلال آليتين؛ أولا، التمويل المباشر من جيوب دافعي الضرائب، حيث لا تمر هذه الضريبة عن طريق ميزانية الحكومة، بل توضع مباشرة في صندوق الهيئة التي تسير الشبكة الأشهر في العالم. ثانيا، يقترح رئيس الهيئة من قبل الحكومة، ويعين من طرف البرلمان، ويتم اختياره من كبار المهنيين والحكماء المشهود لهم بالكفاءة والاستقلالية والتجرد...
وبعدها لا تتدخل الحكومة في عمل الهيئة.. تستطيع إقالة رئيسها، لكنها لا تستطيع التحكم فيها لأن لها مجالس تحرير ونقابة قوية وتقاليد وأعرافا مهنية يصعب القفز فوقها، وحتى عندما تقع خلافات، وهي تقع وبعضها يكون كبيرا مثل ما وقع من أزمة بين «بي بي سي» وحكومة توني بلير في حرب الخليج الثانية، حيث لم يساير التلفزيون العمومي أكاذيب الحكومة حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، فإن الحكومة لا تطوع التلفزيون العمومي لسياستها لأنه مؤسسة في خدمة الجمهور الذي يمولها، وحتى الإعلانات غير موجودة في هذه الشبكة حماية لاستقلالية خط تحريرها.
لكن إذا لم نصل إلى صيغة ينال بها الإعلام الرسمي في بلادنا استقلاليته كاملة عن الحكومة وعن مراكز القوى الكثيرة في الدولة، فلا أقل من تطبيق القانون الحالي، وجعل القنوات العمومية تلتزم بدفاتر التحملات التي تضعها حكومة منتخبة، أما التمرد عليها، والخضوع، في المقابل، لسلط أخرى فهو أمر يتناقض مع الديمقراطية ومنهجيتها..
إن تصوير الخلاف بين القناة الثانية والحكومة على أنه خلاف بين طرف يريد الحرية والاستقلالية والمهنية لوسائل الإعلام العمومية، وطرف يريد أن يبسط نفوذه وسلطته وجبروته على الإعلام، ويوظفه سلاحا إيديولوجيا في معاركه.. هذه الصورة مضللة وغير حقيقية بالمرة، فلم ينل التلفزيون المغربي حريته بعده لنخشى عليه من عبودية الحكومة..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تلفزيون المعارضة تلفزيون المعارضة



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:41 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 14:36 2017 السبت ,22 تموز / يوليو

بين إعلام الحقيقة وإعلام المنتفعين

GMT 03:43 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بقلم : أسامة حجاج

GMT 01:55 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أكثر من 700 دودة شريطية تغزو دماغ ورئتي رجل

GMT 13:54 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

قائمة "نيويورك تايمز" لأعلى مبيعات الكتب

GMT 03:22 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

"سوني" تطلق نسخا جديدة كليا من "PlayStation"

GMT 12:13 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

السبع ينفي وجود انخفاضات في أسعار السيارات الأوروبية

GMT 07:21 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أبرز وجهات شهر العسل في كانون الأول

GMT 02:51 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

نجمات مهرجان الجونة يجذبن عشاق المجوهرات الثمينة

GMT 07:47 2018 الأحد ,23 أيلول / سبتمبر

اعتقال شخص أقدم علي التحرش بسيدة في مدينة فاس

GMT 22:20 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

العثور على رضيع متخلى عنه في أحد شوارع مدينة وزان
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya