زلزال تحت العقال

زلزال تحت العقال

المغرب اليوم -

زلزال تحت العقال

بقلم ـ توفيق بو عشرين

كان لدي زميل دراسة مغربي مقيم في الرياض دائم الشكوى من مشكلة لا توجد سوى في السعودية، مشكلة لا حل لها إطلاقا، كان هذا الأستاذ في الجامعة السعودية محروما من إمكانية السفر خارج المملكة العربية السعودية لحضور موتمر أو نشاط أو لقاء، وذلك لسبب يبدو تافها هنا، لكنه معقد هناك، صاحبنا ليس لديه سائق فليبني أو هندي أو باكستاني لأن راتبه لا يسمح له بذلك، وزوجته المغربية التي تسوق في كل بلاد الدنيا لا تستطيع أن تجلس خلف المقود لتأخذ الأطفال إلى المدرسة، أو لتزود البيت بحاجياته من السوق في غياب الزوج، لهذا يظل الأخير معتقلا في الرياض إلى أن تحين العطلة السنوية، فيأخذ العائلة كلها إلى المغرب أو أوروبا، حيث تستطيع زوجته أن تسوق سيارة…

أمس، بقرار ملكي حل سلمان بن عبد العزيز هذا المشكل، وسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، وقبلها بامتلاك رخصة السياقة دون إذن من ولي أمرها، ولكي يخفف من صدمة القرار على التيار الديني الوهابي المتنفذ، استشار هيأة كبار العلماء الذين نقضوا فتوى سابقة لهم تحرم على الجنس الناعم سياقة السيارات، وقالوا اليوم: (إن الأصل في هذا الأمر هو الإباحة، وإن التحريم ارتبط بما يحيط بسياقة المرأة للسيارة من مخاوف السقوط في الاختلاط أو الفتنة أو ما شابه، وإن مبررات المنع في السابق كانت من باب سد الذرائع، وهي ظنية وليست قطعية، أما وإن ولي الأمر سمح بذلك وأحاطه بضمانات، فإن هيأة العلماء لا ترى مانعا)…

طبعا تعرض كبار علماء الوهابية لسخرية سوداء من تناقضاتهم هذه، سواء في معسكر المؤيدين للقرار، أو في معسكر الرافضين له، لكن، وبما أنك في السعودية فلا تستغرب من التناقضات التي تعيش فيها البلاد طوال السنة…

كلمت أحد الأصدقاء السعوديين المحسوبين على التيار الليبرالي لأعرف ردود فعله على القرار فقال: (والله أنا حائر، لا أعرف هل أفرح بقرار انتظرناه طويلا، أم أخجل من بلادي التي لم تقتنع بحق المرأة في قيادة السيارة سوى في 2017، أي بعد 87 عاما من قيام حكم آل سعود، المسنود بعلماء الوهابية، الذين يعطون شيكا سياسيا على بياض لولي الأمر، مقابل أن يعطي الأخير شيكا اجتماعيا وأخلاقيا على بياض لمؤسسة العلماء، التي تتحكم في رقاب الناس خارج الفهم الوسطي للدين وخارج منطق العصر).

سارع الصديق الجديد للرياض (أبو إيفانكا) من واشنطن للترحيب بالقرار، الذي يعطي للمرأة السعودية بعضا من حقوقها، فيما صمت ترامب عن حق 26 مليون سعودي في دستور وبرلمان وأحزاب ونقابات وإعلام حر وقضاء مستقل وحرية قول ودولة مؤسسات، هذه كلها مطالب معلقة على إرادة الحاكم ودرجة شهيته للسلطة…

رغم أن مملكة النفط التي تنتج 12 مليون برميل في اليوم، تصرف المليارات على تحسين صورتها في العالم، فإنها توجد في أسفل ترتيب الدول من حيث السمعة في الخارج، ويكفي للإنسان أن يطل على وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية، وعلى أفلام هوليود، وعلى مكتبات لندن وباريس ونيويورك، ليكتشف أن العلم الأخضر للمملكة لا يظهر منه إلا السيف، وأن بلاد الحرمين أصبحت مرادفة لعش متخصص في تفريخ الإرهابيين، وتصدير التطرف إلى بلدان أخرى لم تعرفه قبل خروج الوهابية إلى العالم، للتبشير بفهمها البدوي للدين، وفقهها المتشدد لأحكام التدين. السعودية عوض أن تحسن شروط عيش السكان داخلها ونمط الحكم فيها، تجري لتحسين الصورة في أمريكا حتى وإن كانت غير مطابقة للأصل، فيخسر السعوديون على جهتين، يخسرون أموال العلاقات العامة التي تصرف في الخارج، ويخسرون فرص الإصلاح في الداخل….

القرارالجديد الذي يسمح لنصف المجتمع بسياقة عربة من أربع عجلات يطرح جملة من الملاحظات…

أولا: السعودية على أبواب بداية نهاية (الحلف المقدس) الذي جمع بين آل سعود (وآل عبدالوهاب)، لا يمكن لدولة حديثة أن تعيش رهينة مؤسسة دينية كهنوتية، حتى وإن وفرت لها شرعية الولاء المطلق للحكم المطلق، لأن هذا التعايش بين الحاكم الذي يسيطر على السلطة، ورجل الدين الذي يسيطر على المجتمع، أصبح مكلفا للمملكة في الخارج والداخل، فالسعودية ومنذ أحداث شتنبر 2001، وهي تتعرض لضغوط قوية باعتبارها مسؤولة معنويا وإيديولوجيا وسياسيا عن 16 سعوديا من أصل 18 انتحاريا كانوا على متن الطائرات الأربع التي انفجرت في نيويورك وواشنطن وبنسليفانيا…

ثانيا: مظاهر التشدد الديني مع المجتمع السعودي لا تقود إلى سلامته ولا إلى طهارته ولا إلى نقائه كما يتوهم العقل الفقهي الوهابي، العكس هو الصحيح، جل الإحصائيات تقول إن ثلاثة بلدان إسلامية توجد على قائمة البلدان التي تعرف أعلى معدلات التحرش الجنسي، وهذه الدول هي: السعودية ومصر وأفغانستان وكلها دول محافظة ومتدينة شكليا، ويحتل الفقهاء والوعاظ فيها دورا بارزا في توجيه سلوك المجتمع… منع اختلاط الذكور بالإناث، وحظر التربية الجنسية في المدارس، وزرع الثقافة الذكورية التي تحتقر المرأة، وغياب المساواة بين الجنسين وبين المواطنين عموما، وانتشار ثقافة لا قانون ولا حقوق، كلها تحرر الغرائز من عقالها وتجعل الإنسان والحيوان يقتربان من بعضهما، أحد الفروق الجوهرية بين الإنسان والحيوان أن الأول يتحكم في غريزة الأكل والشرب والجنس والعنف، فيما الثاني لا يتحكم فيها.

ثالثا: يوما بعد يوما يتضح (نفاق) المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية وفي غيرها من البلدان العربية، حيث تتعرى تبعيتها للسلطة، وينكشف دورها في نشر قيم العبودية للحاكم، والطاعة لولي الأمر، والاستخفاف بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فطاعة ولي الأمر واجبة (حتى وإن ضربك على ظهرك وأخذ مالك)، يقول علماء السعودية، مخالفين قيم الدين الذي لم يجعل الإكراه حتى في الإيمان وقال تعالى: (لا إكراه في الدين)، وقال (ومن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر). فكيف يسمح الخالق بالإكراه في السياسة والاجتماع والثقافة والتعليم…

ستسوق المرأة السعودية في سنة 2018 سيارة أمريكية أو يابانية، لكن من يسوق بلاد الحرمين نحو بر الأمان وسط إعصار لا يرحم…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زلزال تحت العقال زلزال تحت العقال



GMT 14:42 2020 الجمعة ,27 آذار/ مارس

الدولة قبل العِلم

GMT 05:04 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

الرياض بين موسكو وواشنطن

GMT 04:31 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الرياض بين موسكو وواشنطن

GMT 11:41 2019 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

حل خلاف الرياض ـ أبوظبي

GMT 07:24 2019 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

حل خلاف الرياض ـ أبوظبي

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 21:05 2017 الإثنين ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الجهاز الفني للأحمر يُوافق على طلب وليد أزارو

GMT 22:26 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

ريتا حرب تؤكد أن تجربتها مع الجمهور المصري مرعبة

GMT 10:45 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

درس علمي بتعاوني الملحاء والمخلاف الثلاثاء

GMT 05:04 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

مهرجان "ضيافة" يعلن شروط الترشح لجائزة أفضل مدوّن في دبي"

GMT 16:36 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

العجز المالي لمولودية وجدة يبلغ 700 مليون سنتيم

GMT 02:43 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

حسن الرداد في ضيافة "أبلة فاهيتا" في "الدوبلكس"
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya