معركة لا منتصر فيها

معركة لا منتصر فيها

المغرب اليوم -

معركة لا منتصر فيها

بقلم - توفيق بو عشرين

تكبر طموحات الجيل الجديد من حكام الخليج، لكن شبه الجزيرة العربية لا تكبر، فأحكام الجغرافيا لا تستأنف ولا تساير الأحلام والأوهام، فرغم أن عائلات آل ثاني وآل خليفة وآل صباح وآل سعود دخلوا في منافسة شرسة لخلق محاور تجارية عالمية، وخطوط جوية دولية، وإمبراطوريات إعلامية ممتدة، ولوبيات نشطة في العواصم الأوروبية والأمريكية، فإنهم انتهوا إلى تدمير مكتسبات استراتيجية كانت بحوزتهم، بقرارهم إعلان الحصار على إمارة قطر والدخول في حرب دبلوماسية غير مسبوقة في منطقة حساسة جدا، فقد دمر حكام الخليج مجلس التعاون الخليجي، الذي كان يجمع بين البلدان الستة (السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وعمان)، وكان يشكل حزاما لحماية الأمن القومي الهش لهذه البلدان، وفضاء للتعاون الاقتصادي بينهم. الأزمة الأخيرة لم تدمر فقط، مكتسبات تجارية ومالية واجتماعية في هذه الدول، بل دمرت أيضا تقاليد التعايش وأعراف الضيافة في القبيلة التي توارثوها أبا عن جد، وفي مقدمة هذه الأعراف عدم قطع أواصر الرحم وعدم المساس بالأمن الغذائي لبعضهم بعض… أمس غادر آخر مواطن (ة) قطري (ة) الأراضي السعودية عائدا (ة) إلى بلاده تاركا (ة)، إما زوجة أو زوج مع الأبناء خلفه. فإذا كانت الخلافات بين الأنظمة، فما ذنب الأسر أن تتشرد والعائلات أن تتمزق، هذا ليس له من اسم إلا الجنون…
يتصرف زعماء دول الخليج مثل شيوخ قبائل وربما أسوأ من ذلك، لقد جعلوا من الثأر القديم سياسة جديدة، فالسعودية التي أعطت 460 مليار دولار إلى إدارة دونالد ترامب لحمايتها من إيران، تريد أن تتسلم البضاعة في الدوحة على شكل وصاية الأخ الأكبر على السياسة الخارجية للأخ الأصغر، حيث تريد الرياض أن تمنع الدوحة من ممارسة أعمال السيادة، ومن فتح قنوات الحوار مع إيران، ومن حقها في رفض انقلاب السيسي في مصر، والاحتفاظ بخط تحرير قناة الجزيرة واستضافة حماس فوق أراضيها…
يطالب الإماراتيون الدوحة بطرد الإخوان المسلمين من بلادهم، واعتبار جماعة محمد بديع جماعة إرهابية، هذا في حين أن في بريطانيا وحدها عشرات الآلاف من الإخوان المسلمين وقادتهم يتحركون بكل حرية ولم تطردهم لندن ولم تضعهم على قائمة الإرهاب، رغم أن الرياض وأبوظبي حاولتا أن تجر حكومة كامرون السابقة إلى وضع الإخوان على قائمة الإرهاب، لكنهما فشلا، لأن سليل المدرسة البريطانية في الدبلوماسية يعرف عن الإخوان أكثر مما تعرف كل الدول العربية عنهم، لأن الإنجليز كانوا شاهدين على ميلاد الجماعة سنة 1927 على يد حسن البنا في مصر التي كانت مستعمرة من قبل الإنجليز، ولهذا كل ما قدمه كامرون من تنازلات للخليجيين سنة 2014، أنه شكل لجنة للتحقيق يرأسها سفير بريطانيا السابق في السعودية، وبعد عمل سنة انتهى إلى خلاصة خيبت آمال محمد بن زايد، حيث لم تستطع وزارة الخارجية البريطانية أن تضع الجماعة الإسلامية الأقدم في العالم السني على قائمة الإرهاب وإن كانت قد وجهت لها انتقادات حادة بخصوص علاقات بعض أئمتها بالفكر المتشدد، لكن هذا لا يرقى إلى جريمة الإرهاب. ولأن بريطانيا من الدول التي تحترم نفسها حتى وإن كانت تجري خلف مصالحها، وفيها قضاء لا يرحم السياسيين، فإنها لم تستجب لمطالب الإمارات والسعودية، وهذا ما اضطر البلدين إلى نقل معركتهما مع الإخوان إلى أمريكا، ليس لأن هؤلاء متشددين، فالتشدد الحقيقي موجود في المدرسة الوهابية التي خرجت من عباءتها السلفية الجهادية والقاعدة وداعش وبوكو حرام… لكن عداء السعودية والإمارات ومصر للإخوان قادم من ركوب هؤلاء على ظهر الربيع العربي، الذي قظ مضجع كل الحكام العرب مخافة عودته ليدق جدران السلطويات العربية ويهدد عروشها.. ثم إن الرياض وأبوظبي والبحرين لا يريدون لمصر أن تسقط، ولا لانقلابهم أن يفشل، ولهذا فإنهم ضاقوا بتحريض الجزيرة على (صاحب الرز)، الذي لم ينجح إلى الآن في جعل مصر تقف على قدميها، وكل يوم يمضيه في الحكم يرفع من فاتورة التغيير السلمي…
العقلاء في الغرب اليوم، كلهم قلقون على هذه القطعة الجغرافية الملتهبة ويرون في الأزمة الخليجية بابا من أبواب عدم الاستقرار فُتح ولن يغلق إلا وقد ترك آثاره الوخيمة على كل المنطقة، لكنهم لا يلومون حكام الخليج حديثي العهد بالدولة وحديثي النعمة بالسلطة، بل يلومون أحمق واشنطن دونالد ترامب الذي حول أكبر قوة في العالم إلى متجر سلاح عِوَض أن يدفع بلاده لأن تكون قوة دبلوماسية لحفظ الأمن والاستقرار في العالم…
كل أزمة تقع في العالم العربي نجد ثلاث قوى هي المستفيدة: إسرائيل وتركيا وإيران يقع هذا في العراق وسوريا واليمن والآن في قطر. إسرائيل تفرك يديها لأن السعودية من تحارب حماس اليوم، وليس نتنياهو. وتركيا أنشأت قاعدة عسكرية في قطر وتبعها أسطول جوي لملء الأسواق الإماراتية بالمواد الغدائية. وإيران تعرض مساعدتها على الدوحة لإفشال الحصار الذي تريد السعودية ضربه حولها… صدق شاعر الجاهلية عندما قال:
ألا لا يجهل أحد علينا… فنجهل فوق جهل الجاهلين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة لا منتصر فيها معركة لا منتصر فيها



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 17:01 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

مشاريع "زايد الخيرية" في كينيا تبلغ 92 مليون درهم

GMT 09:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتساح كبير لمرتضى منصور في انتخابات نادي الزمالك

GMT 10:01 2016 الإثنين ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شاليه متنقل لممارسة التزلّج والمشي على الجليد

GMT 05:31 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ليلى شندول تنفي خطوبتها على فنان معروف في السر

GMT 17:52 2016 الجمعة ,15 إبريل / نيسان

المجوهرات دليل على حب الرجل للمرأة

GMT 15:45 2014 الجمعة ,27 حزيران / يونيو

سحب البطن إلى الداخل طريقك للحصول على قوام جميل

GMT 08:32 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ثلاجة "سيلفي" تعرض محتوياتها وتُرسلها إلى هاتفك
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya