العطب المغربي من محمد الرابع إلى محمد السادس

العطب المغربي من محمد الرابع إلى محمد السادس

المغرب اليوم -

العطب المغربي من محمد الرابع إلى محمد السادس

بقلم - توفيق بو عشرين

يستشهد المؤرخ والفيلسوف المغربي، عبد الله العروي، في كتابه «ديوان السياسة»، “بحديث دار بين جون دراموند هاي (John Drummond Hay)، مبعوث ملكة إنجلترا إلى سلطان المغرب في أواسط القرن التاسع عشر، الذي قابل مرارا السلطان محمد الرابع، وكلمه بشأن إصلاح أوضاع المملكة. كلمه عن الأمن والحرية والمساواة، عن تحديث الجيش والشرطة والجباية، عن العدل وعن التعليم… استمع السلطان إلى مخاطبه باهتمام واضح، استحسن كل ما سمعه، تمنى لو يطبق البرنامج المقترح، إذ أكد محمد الرابع في الختام: «كنت سأبادر بفعل ما تقوله لو كنت أسوس رجالا عقلاء، لكني أتعامل مع سباع مفترسة»”.

هذا النص الصغير له دلالات سياسية وتاريخية عميقة جدا، أولاها أن مطالب الإصلاحات الجوهرية في المغرب مازالت معلقة منذ قرنين (حكم محمد الرابع بن عبد الرحمان بن هشام بين 1859 و1873)، ومنذ ذلك الوقت والإصلاحات معلقة في مجال الحرية والمساواة والأمن والمالية العمومية وتحديث الإدارة والاقتصاد والجيش، كما أوصى سفير ملكة بريطانيا إلى سلطاننا آنذاك. هذا معناه أننا ندور في حلقة مفرغة، وأننا عشنا حروبا وفتنا واحتلالا واستعمارا ومقاومة واستقلالا ناقصا، ومحاولات عدة لإعادة بناء هذه القطعة الجغرافية، لكننا اليوم أمام المشاكل نفسها التي تحدث عنها جون دراموند هاي، الذي لو بعث من قبره واستمع إلى خطاب الملك محمد السادس، بمناسبة افتتاح البرلمان، لأصيب بصدمة قوية سترجعه إلى قبره مباشرة وسؤال واحد في رأسه: «كيف لم تستطع الأمة المغربية، بعد قرن ونصف على نصيحتي للسلطان محمد الرابع، أن تجد طريقا لحل أزماتها القديمة، والنهوض من وعكتها الحضارية المزمنة؟»

العبرة الثانية في كلام السلطان محمد الرابع هي تفسيره لسبب العطب المغربي، حيث قال للسفير الإنجليزي، القادم من دولة كانت في أوج النهوض، حيث لم يجادل في دفتر المطالب الإصلاحية الذي عرضه عليه إنجليزي متنور ينصح بالحرية والمساواة والعدالة وإصلاح التعليم في بلاد كانت غارقة في ظلام القرون الوسطى، بل إن السلطان كان موافقا عليه، لكنه اعترف بعجزه عن تطبيقه. لماذا؟ لأنه يسوس بلادا لا عقلاء فيها، بل هم مجرد سباع مفترسة… طبعا السلطان لا يقصد العامة بتعبير ذلك الزمان، لأن بسطاء القوم لم يكن لهم ما يقدمونه أو يؤخرونه، بل يقصد «الخاصة»، أي النخبة، من قياد وعلماء وشيوخ قبائل وقادة جيش وأعضاء من الأسرة الذين كانوا يتربصون به، فلا ننسى أن محمد الرابع شن حربا على إسبانيا لاسترجاع سبتة ومليلية سنة 1859، لكنه انهزم فيها نتيجة ضعف جيشه، وترهل أوضاع اقتصاده، وهشاشة جبهته الداخلية، فاضطر إلى توقيع معاهدة استسلام كان اسمها واد الراس، والتي من بنودها الاعتراف بالاحتلال الإسباني لمدينتي سبتة ومليلية، اللتين مازالتا محتلتين إلى الآن، والتخلي عن سيدي إفني للإسبان، ودفع غرامة مالية للنصارى…

محمد الرابع كان صادقا مع ضيفه الإنجليزي، واعترف له بالعجز عن مقاومة «النخب» المحيطة به، والتي لم تكن تهتم إلا بمصالحها وامتيازاتها وسلطتها، ولم تكن المصلحة العامة تعني لها شيئا.

أليس هذا التشخيص القاسي هو ما جاء في خطاب العرش لهذه السنة، عندما قال الملك محمد السادس: «وأمام هذا الوضع، فمن حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانوا في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟ فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين تدفع عددا من المواطنين، خاصة الشباب، إلى العزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات، لأنهم، بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل، وإذا أصبح ملك المغرب غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟ لكل هؤلاء أقول: كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا».

وطبعا هم لن ينسحبوا مع محمد السادس، كما لم ينسحبوا في عهد محمد الرابع، ويظل التاريخ يعيد نفسه كل مرة، مادامت البيئة التي تولد وتكبر فيها النخبة المولوية والنخبة السياسية والاقتصادية والإدارية والسلطوية بيئة معطوبة، وأعراضها ما نراه لا ما نسمعه.

ما العمل؟ سؤال قديم جديد لم يعثر على جوابه أجداد محمد السادس السلاطين والملوك، فهل يجده الحفيد اليوم والبلاد “حاصلة” في تشخيص دقيق للمرض وغياب مخي للعلاج.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العطب المغربي من محمد الرابع إلى محمد السادس العطب المغربي من محمد الرابع إلى محمد السادس



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 21:05 2017 الإثنين ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الجهاز الفني للأحمر يُوافق على طلب وليد أزارو

GMT 22:26 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

ريتا حرب تؤكد أن تجربتها مع الجمهور المصري مرعبة

GMT 10:45 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

درس علمي بتعاوني الملحاء والمخلاف الثلاثاء

GMT 05:04 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

مهرجان "ضيافة" يعلن شروط الترشح لجائزة أفضل مدوّن في دبي"

GMT 16:36 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

العجز المالي لمولودية وجدة يبلغ 700 مليون سنتيم

GMT 02:43 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

حسن الرداد في ضيافة "أبلة فاهيتا" في "الدوبلكس"

GMT 02:50 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي السبت

GMT 05:34 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

بغداد صباح الجمعة

GMT 03:44 2016 الخميس ,04 شباط / فبراير

علاج الدوالي في 4 أطعمة

GMT 00:42 2016 الثلاثاء ,12 تموز / يوليو

اكتشفي أسباب عدم بكاء الطفل حديث الولادة

GMT 00:58 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

وصول قيمة لاعبي منتخب المغرب نحو 100 مليون أورو
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya