احذروا ثورة الجياع

احذروا ثورة الجياع

المغرب اليوم -

احذروا ثورة الجياع

بقلم - توفيق بو عشرين

الكلمات عاجزة عن نقل الإهانة والعار اللذين شعر بهما المواطن المغربي وهو يطالع أنباء مقتل 15 امرأة في قرية بولعلام، في نواحي الصويرة، من أجل الوصول إلى قفة مساعدة قدرها 150 درهما… ليس التدافع فقط من قتل تلك النسوة، وليس إهمال السلطات تنظيم عملية الزحف إلى القفة هو المسؤول وحده عن أرواح أزهقت بطريقة دراماتيكية. إنها السياسة الاجتماعية للدولة من قتلت نساء قرية بولعلام، وتقتل كل يوم نساء ورجالا وأطفالا في أرض لم تعد تعطي ما يستحق البقاء على وجهها لملايين الفقراء والمهمشين والعاطلين والمنكوبين، والمعزولين وراء أسوار الهشاشة، دون أن يجدوا من يمد لهم يد الرحمة أو المساعدة.
على كبار المسؤولين الذين يتأسفون اليوم في الرباط على فقدان نساء بولعلام أن يخجلوا من أنفسهم، لأنهم لم يرحموا أحدا من فقراء هذه البلاد، ولم يتركوا رحمة الله تصل إليهم. يوم وضع رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، مشروع قرار لإعانة مليوني عائلة فقيرة بإعطائها 1000 درهم في الشهر ربحها من صندوق المقاصة، الذي كان يذهب إلى جيوب الأغنياء، خرجوا يولولون ويندبون ويصرخون، محذرين من مغبة تطبيق هذا القرار، معارضين إياه بشدة، لأنه، حسب زعمهم، سيؤبد عهد بنكيران في رئاسة الحكومة، ويوسع شعبيته، فقالوا ‘‘إن بنكيران يقدم «رشوة للفقراء» للتصويت للعدالة والتنمية، لذلك، لا يجب أن يمر هذا الإجراء ولو على جثثنا’’.. وكذلك كان، وقفت وزارة الداخلية بالمرصاد لهذا المشروع، وحتى تفعيل صندوق التكافل الاجتماعي ظل ينتظر ثلاث سنوات قبل تفعيله جزئيا، وبعد معركة شاقة جدا.. الآن لا تذرفوا دموع التماسيح على النساء اللواتي سحقن تحت الأقدام كالحشرات، فدماؤهن ستظل معلقة على جبين دولة وحكومة وإدارة ونخب لم يحفظوا كرامتهن، ولم يسعوا بالخير إلى توزيع جزء من الثروة الوطنية على الجياع وضحايا العطش.
جل الدول الأوروبية اليوم تصرف مساعدات مالية مباشرة للفقراء والفئات الهشة، حتى تحفظ الحد الأدنى لكرامتهم، وحتى تتفادى ثورة الجياع التي لا تبقي ولا تذر، فالمواطن له حقوق على هذا الموطن الذي يعيش فيه، وأول هذه الحقوق أن يأكل ويشرب وينام تحت سقف بيت.
الفقر ليس قدرا على الإنسان، والهشاشة ليست قضاء من السماء، والهوان ليس مصيرًا محتوما على البشر، والموت تحت الأقدام ليس «مكتوبا»، هو من عمل الإنسان، ومن جرائم السياسات العمومية. المؤذن الذي جلب المساعدات إلى قريته من الإمارات العربية المتحدة، فعل ذلك عندما لم يجد حكومة ولا عمالة ولا جماعة، ولا مبادرة وطنية للتنمية البشرية، ولا سياسة اجتماعية، ففعل ذلك بعفوية، ولم يتوقع أن الآلاف من الجياع سيهجمون على المساعدات الغذائية، وسيغامرون بحياتهم من أجل القفة، وسيسقطون ضحايا في هذه الغزوة التي لا مجد فيها ولا كرامة.
على الدولة المزهوة اليوم بانتصاراتها على الأحزاب أن تتأمل صورتها فوق نعوش النسوة الـ15 اللواتي فارقن الحياة من أجل 15 دولارا، معلنات بذلك سعر البشر فوق هذه الأرض.
يخلص تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حول المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إلى حقيقة مؤلمة حول حصيلة هذه المبادرة، فيقول: «إن محاربة الفقر لم تصبح انشغالا من انشغالات السياسات العمومية إلا منذ عهد قريب، كما أن البرامج التي أطلقت في هذا المجال لم تفلح في الحد من تداعيات الفقر بصفة ملموسة، فأعداد الفقراء تزيد كل سنة ولا تنقص».
النسوة اللواتي فارقن الحياة خلفن 45 طفلا يتيما ليس لهم من يرعاهم، وكنت أنتظر من رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، الذي سافر إلى ماليزيا لحضور مؤتمر حول الاقتصاد الإسلامي، أن يعلن من هناك تكفل الحكومة بهؤلاء اليتامى ورعايتهم إلى أن يكبروا، وأن يعيد إحياء مشروع قرار صرف مساعدات مادية للفقراء للحد من هدر كرامتهم، فالدولة التي تعطي كبار الفلاحين ثمانية ملايير درهم كل سنة، في إطار مخطط قيل إنه أخضر، وتعطي الشركات أكثر من 35 مليار درهم في الإعفاءات الضريبية كل سنة، لا تستطيع أن تعطي أربعة أو خمسة ملايير درهم سنويا لثلاثة ملايين أسرة فقيرة جلها في العالم القروي.
احذروا ثورة الجياع فهي حين تقوم لا تستأذن أحدا، ولا تقف عند حد، ولا تعرف كيف تتفاوض أو تتنازل، أو تبحث عن حلول وسطى… في السنة الماضية قتل بائع السمك في الحسيمة، فتبعته المدينة كلها إلى المقبرة، وظل الناس في الشارع سنة كاملة يحاكمون الدولة، حتى نقلوا إلى أقبية السجون وردهات المحاكم، وهذه السنة خرجت ثورة العطش من زاكورة، ولم يرجعها إلى بيوتها سوى الأحكام القاسية على أبنائها، واليوم تزهق أرواح 15 امرأة في نواحي الصويرة، فيما النخب بالعاصمة مشغولة بسؤال: هل يحصل بنكيران على ولاية ثالثة أم لا ؟ وهل تستمر حكومة العثماني بعد انتخاب بنكيران في المؤتمر المقبل أم لا؟
إن النار قريبة من الحطب أكثر مما نتصوره، وكل الانتصارات التي تحققها السلطة في المجال السياسي لا تساوي معركة واحدة تخسرها في المجال الاجتماعي… عندما اندلعت الثورة الفرنسية سنة 1789، سألت ماري أنطوانيت، زوجة الملك لويس السادس عشر، حاشيتها: «ماذا يريد هؤلاء المتظاهرون الذين يصرخون في شوارع باريس؟»، فقالوا لها: «إنهم يريدون الخبز»… لم يقولوا لها إنهم يريدون الحرية ولا الديمقراطية ولا حكم القانون… قالوا لها إنهم يريدون الخبز، الذي وصل ثمنه آنذاك إلى أكثر من 50 أورو بثمن هذا الزمن، كما يقول المؤرخون، وبقية القصة معروفة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

احذروا ثورة الجياع احذروا ثورة الجياع



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط

GMT 01:10 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

الألم أسفل البطن أشهر علامات التبويض

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الفتاة في القطار" تتصدر قائمة نيويورك تايمز

GMT 04:56 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مستحدثة لديكور غرف نوم بدرجات اللون الرمادي
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya