الدستور غير المكتوب

الدستور غير المكتوب

المغرب اليوم -

الدستور غير المكتوب

بقلم : توفيق بو عشرين

دائما ما تعايش تحت سقف واحد، في المغرب، دستوران؛ واحد مكتوب محفوظ في الأمانة العامة للحكومة وفي الجريدة الرسمية، ودستور آخر غير مكتوب يرى الناس مفعوله، ولا يَرَوْن رسمه ومخطوطه. دائما ما كان المكتوب في خدمة غير المكتوب.. دائما ما كان ميزان القوى هو من يكتب دستور الأمر الواقع، حتى في وجود دستور ما يجب أن يكون.

في الدول العريقة في الديمقراطية، تولد أعراف دستورية، في غياب الدستور، لتنظم حركة المرور على طريق السلطة، أو تقوم أعراف دستورية بقراءة الدستور المكتوب، لكن في بلادنا يقوم دستور غير مكتوب ليحل مكان الدستور المكتوب بإطناب شديد، وسقف عال لا يصل إليه أحد. الدستور غير المكتوب، الذي نتحدث عنه هنا، لا علاقة له بالأعراف الدستورية التي يدرسها أساتذة القانون الدستوري لطلبة الحقوق، باعتبارها مجموعة الممارسات المتواترة التي تنشأ على ضفاف الحياة الدستورية، فتكمل الفراغ الدستوري، أو تؤول بعض البنود القابلة للتأويل وفق رضى مجموع الفاعلين. هذا جزء من التقاليد الدستورية التي تقع خارج هذا الموضوع.

إليكم بعض معالم الدستور غير المكتوب، الذي يحكم هندسة السلطة في المغرب، ويترجم ميزان القوى الحقيقي العاري من كل رتوش سياسي.

أول فصل في الدستور غير المكتوب هو نظام انتخابي يحرس لعبة التوازنات الحزبية القديمة، وبمقتضاه لا يمكن لأي حزب أن يحصل على الأغلبية المطلقة في أي انتخابات، نزيهة أو مزورة أو «نص نص». يمكنك أن تغير كل شيء في المعمار الدستوري والقانوني في البلاد إلا «النظام الانتخابي» القائم على «تكنولوجيا متقدمة»، هدفها بلقنة المشهد الانتخابي بعتبة صغيرة، واقتراع لا هو لائحي ولا هو فردي، وتشتيت الأصوات بأكبر بقية، وإضعاف المشاركة باعتماد اللائحة، ومعاقبة الأحزاب الكبرى بتقطيع مختل للدوائر خارج المعيار الديمغرافي، علاوة على خلق أحزاب غير طبيعية، واستعمال الأعيان لإفساد التصويت السياسي، وإغماض العين عن شراء الأصوات بالمال… كل هذا يعطي، في النهاية، ثابتا دستوريا في الدستور غير المكتوب، عنوانه حكومات ائتلافية هجينة تسمح للدولة بأن تلعب بحرية كاملة في هندسة السلطة التنفيذية… وفي النهاية، لا يعرف الناس من يحكم ومن لا يحكم، وأي برنامج يطبق، وأي حصيلة سيحكمون عليها يوم الانتخابات.

إليكم الثابت الثاني في الدستور غير المكتوب، وهو أن رئيس الحكومة ليس رئيسا بالمعنى الكامل للرئاسة، وأنه أقل من رئيس حكومة وفق دستور 2011، وأكثر من وزير أول كما كان في دستور 1996. فمثلا، الدستور المكتوب يعطي رئيس الحكومة، في الفصل 47، صلاحية اقتراح كل الوزراء على الملك دون تمييز، أما في الواقع، ووفقا للدستور غير المكتوب، فرئيس الحكومة لا يقترح إلا جزءا من الوزراء على الملك، فلا يتصور أحد، مثلا، أن العثماني هو الذي اقترح عبد الوافي لفتيت على الملك لتعيينه في حكومته، وقس على ذلك عشرات الأمثلة التي يحضر فيها الدستور المكتوب شكليا ويغيب فعلا لصالح الدستور غير المكتوب.

الآن، لنمر إلى السبب الذي يجعل بلدا من البلدان يضع دستورا أكبر من مقاسه، ويكتب دستورا ويطبق دستورا آخر؟ هناك عدة أسباب، منها ظروف كتابة الدستور التي تتم غالبا تحت الضغط أو الحاجة، وبمجرد مرور «العاصفة» ترجع حليمة إلى عادتها القديمة. ومن الأسباب التي تفسر هذه الازدواجية الدستورية، أيضا، عدم وجود مؤسسات وثقافة تحمي الدستور المكتوب، وتسهر على تطبيقه حتى عندما لا يرغب الفاعلون في احترامه. ومن الأسباب التي تجعل الدستور المكتوب، وغير المكتوب، ينامان في سرير واحد، هو هشاشة المؤسسات الحزبية، وترهل النخب السياسية التي تنصاع للعب خارج القواعد، وتغلب البرغماتية الضيقة على التشبث بالوثيقة الدستورية المعبرة عن إرادة الأمة، ودائما بمبررات المصلحة الوطنية والتعايش والتوافق والتدرج، وكأن الدساتير وجدت لتكون عبئا على المصلحة الوطنية، وليس صمام أمان من السلطوية المضرة بالوطن والإنسان.

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدستور غير المكتوب الدستور غير المكتوب



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 17:01 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

مشاريع "زايد الخيرية" في كينيا تبلغ 92 مليون درهم

GMT 09:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتساح كبير لمرتضى منصور في انتخابات نادي الزمالك

GMT 10:01 2016 الإثنين ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شاليه متنقل لممارسة التزلّج والمشي على الجليد

GMT 05:31 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ليلى شندول تنفي خطوبتها على فنان معروف في السر

GMT 17:52 2016 الجمعة ,15 إبريل / نيسان

المجوهرات دليل على حب الرجل للمرأة

GMT 15:45 2014 الجمعة ,27 حزيران / يونيو

سحب البطن إلى الداخل طريقك للحصول على قوام جميل

GMT 08:32 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ثلاجة "سيلفي" تعرض محتوياتها وتُرسلها إلى هاتفك
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya