الكابوس الذي أصبح حقيقة

الكابوس الذي أصبح حقيقة

المغرب اليوم -

الكابوس الذي أصبح حقيقة

بقلم : توفيق بو عشرين

بعدما صدم العالم بوصوله إلى البيت الأبيض، وتحقيقه انتصارا كبيرا على غريمته كلينتون، ها هو الرئيس الشعبوي رقم 45، دونالد ترامب، يحير الجميع في تفسير هذا الفوز، وفهم خلفيات الأربعين مليون مواطن أمريكي الذين وضعوا ثقتهم فيه، أو وضعوا غضبهم في طاحونته.
إليكم بعض التفسيرات التي قد تساعد على فهم هذا الكابوس الذي صار حقيقة ترعب كل العقلاء حول العالم، وتنذر بمخاطر موجات قادمة من اللااستقرار.
– الديمقراطية ليست نظاما مثاليا: من ثقوب عيوب الديمقراطية دخل ترامب وأنصاره المتطرفون إلى قلب القرار الأمريكي، فإذا كانت الديمقراطية هي أفضل نظام أنتجه البشر لإدارة السلطة والثروة إلى الآن، فإن هذا النظام ليس محصنا ضد الشعبوية والتطرف والعنصرية، والنماذج المغامرة التي تستطيع، في أوقات الأزمات، أن «تسرق» أصوات الناخبين الذين يميلون إلى التصويت بعواطفهم وليس بعقولهم. هذا ما وقع يوم الثلاثاء.. لقد انفصلت الديمقراطية كآلية عن الليبرالية كجوهر، وأعطتنا تصويتا عقابيا ضد مؤسسات الدولة الأمريكية، لكنه تصويت غير عقلاني قد ينتج كوارث، مثلما وقع في ألمانيا وإيطاليا في الثلاثينات والأربعينات، لكن، مع ذلك، الديمقراطية قادرة على تصحيح أخطائها، لكن، بأي تكلفة؟ هذا هو السؤال.
– الكراهية تبيع: كل ما عرضه دونالد ترامب على الناخب الأمريكي هو الكراهية تجاه الأقليات والسود والمسلمين والنساء والشركات الكبرى والطبقة التقليدية في واشنطن، واللائحة طويلة. لقد وجد الكثير من المواطنين البيض الأقل تعلما والأقل دخلا، والذين يعيشون في الولايات الداخلية المحافظة، أن دونالد ترامب يتحدث بلسانهم، وأنه يعبر عما لا يستطيعون هم قوله تجاه كل القضايا الحساسة، فمالوا إليه مصدقين حكاية أن السياسي الفظ والمباشر والصريح والبسيط قد يكون، بالضرورة، صادقا، وهذا أمر يحتاج إلى تدقيق.
– التويتر يهزم الإعلام التقليدي: لقد كانت صدمة وسائل الإعلام التقليدية مزدوجة (الواشنطن بوست، والنيويورك تايمز، وUSA today وcnn وcbs). فمن جهة، صدمت وسائل الإعلام هذه بفوز ترامب باعتبارها وسائل إعلام تمثل الأوساط الليبرالية والطبقات الوسطى. ومن جهة أخرى، صدمت لأنها لم تستطع أن تهزم ترامب وأقلية صغيرة معه، وأن تبعد عنه الناخب الذي وصل إليه تاجر العقارات من خلال تدوينات صغيرة ومباشرة عبر التويتر والفايسبوك. الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام التقليدية، ومعها مراكز البحث والتفكير واستطلاعات الرأي، كلها وقفت في وجه ترامب، ورسمت له صورة الوحش، وحذرت الناخبين منه، ومع ذلك، استطاع المرشح المرعب أن يتواصل مباشرة مع الناخبين، وأن يقنعهم باختياره. هذا تحول جوهري في عالم السياسة والميديا سيسيل الكثير من المداد، إن كان لايزال للمداد من مكان أمام بريق الهواتف الذكية واللوحات الإلكترونية.
– الناس لا يبحثون عن الحقائق بل عن الأهواء: الذين صوتوا في انتخابات الثلاثاء لدونالد ترامب لم يدققوا في حقيقته، بل كانوا يسقطون رغباتهم عليه. وعدهم بخلق 25 مليون فرصة عمل. كيف يا سيد ترامب؟ بترحيل 11 مليون مهاجر غير قانوني من البلاد، وبناء سور طويل مع المكسيك، وفرض عقوبات على الشركات التي ترحل صناعاتها إلى خارج البلاد، إلى الصين والهند وغيرهما… هل يوجد من يصدق هذا الكلام؟ نعم، للأسف، يوجد، وقد رأيناهم يصوتون له بكثافة يوم الثلاثاء.
اليمين المتعصب في أوروبا وفرنسا صفق لصعود ترامب، ونتنياهو أقام حفلا كبيرا في بيته، والجنرال السيسي لم ينم تلك الليلة، وسرب لمحيطه مقولة أن هناك كيمياء تجمع الجنرال بترامب! إذا كان من السابق لأوانه التكهن بتوجهات ساكن البيت الأبيض الجديد، وما إذا كان الحزب الجمهوري سيستعيد ابنه الضال، أم إن الابن هو الذي سيجعل من الجمهوريين «ترامبيين»، فإنه، مع ذلك، يمكن التنبؤ، من الآن، بتعمق الاتجاه الانعزالي لأمريكا تجاه العالم، والانسحاب من بؤره المتوترة، واعتماد القوة العسكرية مكان الدبلوماسية، وعدم الاهتمام بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والتغيرات المناخية والقانون الدولي والأمم المتحدة… إننا أمام نسخة رديئة من جورج بوش الابن، مع نزعة انكماش على الذات، عِوَض الهيمنة على العالم، التي كان المحافظون الجدد يسعون إليها، وأدت بهم وبالعالم إلى الكوارث التي نراها في العراق وأفغانستان وسوريا وغيرها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكابوس الذي أصبح حقيقة الكابوس الذي أصبح حقيقة



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 17:01 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

مشاريع "زايد الخيرية" في كينيا تبلغ 92 مليون درهم

GMT 09:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتساح كبير لمرتضى منصور في انتخابات نادي الزمالك

GMT 10:01 2016 الإثنين ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شاليه متنقل لممارسة التزلّج والمشي على الجليد

GMT 05:31 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ليلى شندول تنفي خطوبتها على فنان معروف في السر
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya