شر البلية ما يضحك

شر البلية ما يضحك

المغرب اليوم -

شر البلية ما يضحك

بقلم - توفيق بو عشرين

لم يجد الرفيقان اليساريان القاعديان حرجا في جر أربعة زملاء صحافيين إلى قفص الاتهام أمام القضاء، بتهمة نشر مقتطفات من شهادة عبد الإله بنكيران أمام لجنة تقصي الحقائق حول ملف التقاعد، وليس حول صفقات السلاح، أو أسرار الدفاع، أو أوضاع الأمن الداخلي، أو الحياة الخاصة لأحد، بل حول التقاعد الذي يهم ملايين المغاربة.. الرفيقان اللذان نزلا بالمظلات فوق سطح البرلمان، في إطار صفقة مع جهات في الدولة، أقنعها إلياس العماري، وجماعة من المتياسرين المتقاعدين في حزب البام، بأنهم قادرون على التصدي للإسلاميين في الميدان، وتوفير قاعدة جديدة للحكم، وخلخلة المشهد الحزبي الذي ضربته الشيخوخة، وتطبيق المشروع الملكي المسطر في كتاب مزيان بلفقيه حول تقرير الخمسينية. فماذا كانت النتيجة؟ ازداد الإسلاميون قوة على قوتهم بفعل استفزاز الجرار الغبي، وابتعد الشباب عن السياسة أكثر، ودمر البام الأحزاب التقليدية التي كانت «تعطي يد الله» للسلطة في التحكم بالمشهد السياسي، أما تقرير بلفقيه فلم يعد يساوي حتى المداد الذي كتب به. إنجاز واحد حققه إلياس وحكيم وبنعزوز والرفيق المحرشي هو انتقالهم من الفقر إلى الغنى، ومن الشقق الاقتصادية في العمارات الآهلة بالمزاليط، إلى الفيلات الفسيحة في حي الرياض وبئر قاسم بمساعدة الإكراميات المعلومة.
الصحافيون الأربعة، الذين اعتدى عليهم بشماس وبنعزوز، لم يقوموا إلا بوظيفتهم في الإخبار، والتهم الموجهة إليهم لا يوجد ما يدعمها في الواقع، لأن نص الشهادة، التي قدمها بنكيران أمام اللجنة، لم ينشر منه شيء في التقرير العام للجنة التحقيق، ما يعني أن تجريم نشر المعلومات التي تهم لجنة تقصي الحقائق، كما جاء في المادة 14 من قانون لجان تقصي الحقائق، لا ينطبق (أي التجريم) على هذه الحالة، مادامت اللجنة لم تشر ولم تلتفت في تقريرها العام إلى شهادة بنكيران، الذي سبق له أن كرر مضمونها عشرات المرات أمام كاميرات التلفزة وميكرفونات الإذاعة ومراسلي الصحف، لأن بنكيران، كما يعرف الخاص والعام، لا يضع حجرا تحت لسانه، أي أنه «مفروش» بالدارجة.
الرفيقان المتقاعدان من النضال، والمتفرغان لأنشطة أخرى، جرا أربعة صحافيين إلى القضاء دفعة واحدة، وفوق هذا يطمعان في تحسين صورة الغرفة الثانية عن طريق صرف ملايين الدراهم على تلميع صورة مجلس «الششارين»، كما ينطقها سكان الغرفة الثانية الذين لم يكتب لهم الجلوس على كراسي التعليم الابتدائي، وهذا هو التناقض بأم عينيه، فتحسين صورة البرلمان لا يتم عبر دفتر الشيكات، بل عبر الإنتاج التشريعي الجدي والعميق، وعبر الرقابة الصارمة على عمل الحكومة، وبواسطة الحضور الدائم للسادة المستشارين والمستشارات في أشغال اللجان، والجلسة العامة، وجلسات المساءلة، أما صرف ملايين الدراهم للوكالة الرسمية أو لوسائل الإعلام الخاص، فليس له من اسم إلا «تلميع الأحذية البالية»، وترويج الدعاية البعيدة عن الحقيقة، والمس بحق الجمهور في معرفة ما يجري ويدور في مؤسسة أصبحت عبئا على خزينة البلاد وعلى أعصاب العباد.
الصحافة ليست جريمة، والحكومة كما البرلمان، للأسف الشديد، أعلنا الحرب على ما بقي من صحافة حرة، في بلاد تعيش دون وسائل إعلام قوية، لفضح أمواج الاختلالات والاختلاسات والتلاعب بالقانون التي تشهدها المملكة كل يوم… أصبح جل الصحافيين مثل شهود الزُّور عند أبواب المحاكم، يرون شيئا ويكتبون أشياء أخرى، خوفا أو طمعا أو كليهما.
قبل أسبوع جرت المصادقة في البرلمان على أسوأ قانون للوصول إلى المعلومات.. قانون أفرغ النص الدستوري من محتواه، وعمد إلى سد كل الثقوب التي كانت تتسرب منها المعلومات إلى الصحافة، مفسحا المجال لرواج الإشاعة وصحافة الرصيف والإعلام الصفر، الذي يدور في فلك السلطة السياسية والسلطة المالية، ولا يحتاج إلى معلومات لكتابة خبر أو بناء رأي.. يكفي أن يرن هاتفه أو تصدر له التعليمات ليقوم بالمطلوب.
الدستور نص على ثلاثة استثناءات عن الحق في الوصول إلى المعلومات، لمزاوجة الحرية مع المسؤولية، وللتوفيق بين الحق في الإخبار والحق في الحياة الخاصة والأمن العام، فجاء في الفصل 27 من الدستور: «للمواطنين والمواطنات الحق في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة».
ماذا فعلت الحكومة السابقة والحالية؟ دفعت بمشروع قانون جعل من الاستثناءات الثلاثة الواضحة 19 استثناء جديدا، وأغلقت المجلس الوزاري والحكومي، مثلا، أمام الصحافيين، حتى لو تحدث المجلسان عن مخططات مكافحة الجراد أو «ميكا» أو مشروع القانون المالي. عوض أن تتقيد الحكومة بالاستثناءات الثلاثة الواردة في الدستور داخل المجلسين الوزاري والحكومي، أقفلت جدول عملها كليا أمام الصحافيين وعموم المواطنين، وبذلك صار الوضع الحالي أسوأ من الوضع السابق، حيث لم يكن هناك قانون للوصول إلى المعلومات، ولا فصل في الدستور ينص على هذا الحق، الذي دخل من الباب وخرج من النافذة، فأغلق على صحافة التحقيق باب ولوج المعلومات، ومعه أغلق حق المغاربة في معرفة ما يدور حولهم، وكل هذا تحت شعار «عثماني رخيم» اسمه استكمال أوراش الإصلاح، ودعم التحول الديمقراطي، وتشجيع حرية الرأي والتعبير. إن رأي أي مواطن ليس أفضل من نوع المعلومات التي في حوزته، وأنتم تجففون مصادر المعلومات، ومن هنا فصاعدا لن يبقى في المغرب إلا برنامج «رشيد شو» هو الذي سيعطي المعلومات عن عقيقة باطما، وعشيقة السرحاني، وخليلات لمجرد، وطلاق عتابو، وتكاشط لطيفة رأفت… وشر البلية ما يضحك.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شر البلية ما يضحك شر البلية ما يضحك



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya