الغش في كل مكان الغش في كل زمان

الغش في كل مكان.. الغش في كل زمان

المغرب اليوم -

الغش في كل مكان الغش في كل زمان

بقلم : توفيق بو عشرين

يتجدد الحديث في المغرب عن الغش بمناسبة امتحانات الباكالوريا، ثم يقفل الملف ولا نرجع إليه إلا بعد مرور سنة. وزارة التعليم تشكو ارتفاع موجة الغش بين التلاميذ، والصحافة تسلط الضوء على التقنيات الجديدة للغش بواسطة «الفايسبوك» وتكنولوجيا الاتصالات، والرأي العام يتابع جيش الغشاشين باندهاش.. ولا أحد يسأل عن جذور الغش الذي يظهر وسط تلاميذ المدرسة، الذين من المفروض أن يكونوا متشبعين بقيم النزاهة التي تشربوها في كل أقسام التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي.
الجميع يتبارى في تقديم المواعظ والدروس، معتقدين أن المواعظ وحدها ستنشر الأخلاق الفاضلة بين الجيل الصاعد، وهذا، لعمري، تفكير ينم عن سذاجة كبيرة وتخلف عقلي قل نظيره. أخلاق أي شعب تتشكل انطلاقا من الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ونظام القيم الذي يحيط به ويعيش داخله. هؤلاء التلاميذ الغشاشون ليسوا وردة بلاستيكية بدون جذور، وبدون بيئة، وبدون ذاكرة، وبدون تأثير وتأثر. الدولة، التي تشدد العقوبات على غشهم وتتوعدهم بالعقاب، هل كانت أمينة معهم؟ هل تعلمهم قيم النزاهة والكفاءة والاعتماد على الذات؟ هل تلتزم هي نفسها باحترام القانون وقيم المساواة؟
التلاميذ يولدون ويكبرون في وسط غشاش، وفي مجتمع غشاش، وفي كنف مسؤولين غشاشين. يكبر التلميذ وهو يرى والده يغش، وأمه تغش، ورئيس الجماعة يغش، والقايد يغش، والعامل يغش، والوزير يغش، ويذهب إلى المدرسة ويرى الأستاذ يغش، يغيب بدون مبرر، ويضرب عن العمل بدون مبرر، ويعطي دروسا خصوصية في المدارس الخاصة بدون رخصة ولا قانون، ثم يكبر التلميذ وتكبر أمام عينيه حالات كثيرة من الغش، في الانتخابات هناك غش، في الأحزاب هناك غش، في النقابات هناك غش، في الإدارة هناك غش، في الميزان هناك غش، في محاضر الشرطة هناك غش، في أحكام القضاء هناك غش، في فواتير الماء والكهرباء هناك غش، في الخضر والفواكه المعروضة في السوق هناك غش، في مواد التجميل والتنظيف هناك غش، في البناء الذي يتهاوى على الرؤوس هناك غش، في المستشفيات العمومية والخصوصية هناك غش، في بناء الطرقات هناك غش، في الرياضة هناك غش، في القوانين التي يصادق عليها البرلمان هناك غش، في الميزانية التي تصرفها الحكومة هناك غش، حتى في الدستور الذي تعاقدت عليه الأمة هناك غش في تنزيل بنوده وتطبيق أحكامه والالتزام ببنوده.
يقول الشاعر: «ألقاه في اليم (البحر) مكتوف اليدين وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء». المناخ العام في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والقضاء والإعلام… كله ينمي ثقافة الغش، ويقضي على ثقافة «المعقول» التي تبقى قيمة نظرية يتطلع إليها الناس، لكن واقعهم يمشي عكسها تماما.
المجتمعات، مثل الأفراد، لا تتربى بالكلام والشفوي والمواعظ والدروس، بل تتربى بالقدوة والقانون والقيم التي تتجسد في السلوكات اليومية وعلى أرض الواقع، وإذا لم تعط الدولة القدوة لمواطنيها في الابتعاد عن الغش، والالتزام بقيم النزاهة والاستقامة، فإنها ستقود شعبا مريضا من الغشاشين.
في المجتمعات الغربية، التي تسود في أغلبها قيم النزاهة والمعقول، هذه المجتمعات لا تتشكل من الأنبياء والفضلاء والمتدينين، بل هي مجتمعات عادية تطورت وتحضرت وتنظمت حتى أصبحت القيم الأخلاقية فيها قاعدة وغيرها استثناء، وصارت فيها النزاهة قيمة أخلاقية ومنفعة مادية في الوقت ذاته، وصار الغش سلوكا مستهجنا ومدعاة للخسارة المادية أيضا، علاوة على وجود نظام فعال للتجريم والعقاب.
الصناعي الألماني، مثلا، الذي يلتزم بقيم الجودة في إنتاجه الصناعي، لا يفعل ذلك لأنه صاحب مذهب أخلاقي، أو مواطن يخاف الله أكثر من غيره، بل إن هذا الصناعي يختار طريق الجودة والإتقان في عمله لأنه طريق مربح أولا، وطريق يحافظ على سمعة «الماركة» ثانيا، ولأن هناك قانونا يطبق على الجميع ثالثا، ثم يأتي الضمير والتربية والأخلاق بعد ذلك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغش في كل مكان الغش في كل زمان الغش في كل مكان الغش في كل زمان



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 17:01 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

مشاريع "زايد الخيرية" في كينيا تبلغ 92 مليون درهم

GMT 09:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتساح كبير لمرتضى منصور في انتخابات نادي الزمالك

GMT 10:01 2016 الإثنين ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شاليه متنقل لممارسة التزلّج والمشي على الجليد

GMT 05:31 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ليلى شندول تنفي خطوبتها على فنان معروف في السر
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya