لا تبحثوا عن حلول لهذه المشاكل

لا تبحثوا عن حلول لهذه المشاكل

المغرب اليوم -

لا تبحثوا عن حلول لهذه المشاكل

بقلم : توفيق بو عشرين

الذي أجل الجلسة الأولى لمحاكمة (كوبل المنصورية) إلى غاية فاتح شتنبر ومطّط من هذا المسلسل الصيفي، ربما لم يقصد إشغال الناس والصحافة والمواقع والدردشات بقضية مغامرات عمر وفاطمة، وإبعاد الرأي العام عن الاهتمام بالانتخابات وبرامجها ومرشحيها وكواليسها، لكن هذا ما حصل. مئات الأخبار الحقيقية والمفبركة وعشرات الآلاف في التعاليق تنشر كل يوم عن قصة القياديين السابقين في التوحيد والإصلاح… لكن الضحية في كل هذا (الشو) الفضائحي هو النقاش العمومي حول برامج الأحزاب السياسية التي ستتبارى يوم السابع من أكتوبر حول ثقة الشعب فيها لإدارة البلاد لمدة خمس سنوات مقبلة.
لا حديث اليوم في المغرب بطوله وعرضه إلا عن عمر وفاطمة وإلى أية درجة وصل بهما الغزل والمداعبة، وإذا تكرمت الأحزاب السياسية على المواطن، فإنها تعلمه بلائحة كتائبها لاستحقاق السابع من أكتوبر. أما البرامج الاقتصادية والاجتماعية والحلول للمشاكل الكبيرة والتصورات لمغرب الغد، فلا شيء من هذا على الطاولة، وحتى عندما ستنطلق الحملة الانتخابية، فلن تسمعوا إلا كلاما عاما وإنشاء رديئا وشعارات جوفاء عن التنمية والتقدم والاستقرار والنماء والمعقول ومحاربة الفساد والنهوض بالبلاد… لكن كيف وبأية وسائل وبأية إمكانات، فلا توجد أجوبة دقيقة، هناك فقط برنامج عباس الفاسي الذي قال يوم خرج مسرورا بظهير التعيين من القصر الملكي كوزير أول سنة 2007، قال للصحافة: «إن برنامجي هو خطب صاحب الجلالة». انتهى الكلام.
أتصور أن أربع قضايا مهمة لن يكتب لها الدخول في برامج الأحزاب من اليمين إلى اليسار، وإذا دخلت فعلى سبيل رفع الحرج ودون التزامات واضحة وتصورات دقيقة. أولاها هي قضية إصلاح التعليم الذي ينهار يوميا تحت أعين الجميع والكل يتفرج غير قادر على الحركة أو التفكير. قرار إصلاح التعليم يتطلب جرأة وقوة وخارطة طريق وصلاحيات كبيرة ووزيرا لا ينظر خلفه ليجيب عن سؤال التمويل والجهوية وإعادة تكوين الكادر البشري، وإيجاد قناطر بين القطاع العام والخاص وإشراك الأسرة في تتبع مسار تعليم أبنائها…
النقطة الثانية التي أتوقع غيابها عن البرامج الانتخابية هي كيف تنزل الحكومة المقبلة الدستور الجديد للمملكة دون أن تصطدم مع محيط القصر؟ وكيف يحافظ رئيس الحكومة المقبل على صلاحياته كاملة وعلى مسؤوليته على الإدارة والسياسات العمومية، وفي الوقت نفسه على الانسجام والسلاسة مع مستشاري الجالس على العرش، الذين يميلون إلى التأويل الرئاسي المفرط لنظامنا السياسي عِوَض التأويل البرلماني المنفتح بحسب تعبير المؤرخ المغربي عبدالله العروي؟
رئيس الحكومة المنتهية ولايته اختار التطبيع بدل تطبيق الدستور، ومع هذا رأيتم كيف انتهى به المطاف شبه (مغضوب عليه) لأنه يتكلم بلغة وأسلوب لم تتعود عليه دار المخزن من خدامها أو مساعديها أو الداخلين إليها. إذن، ما هو السبيل إلى حل هذه الإشكالية المعقدة في نظامنا السياسي؟
المشكلة الثالثة التي لا أتوقع من أي حزب جوابا عنها هي الآلة المعطوبة للدبلوماسية المغربية. فوزارة الخارجية والتعاون كما يعلم الجميع كلها ثقوب، وتحتاج إلى إعادة هيكلة جذرية، كما تحتاج إلى مال وطاقات جيدة ونظام إدارة فعّال، وإلى إبعاد التعيينات فيها عن الترضيات وتوزيع الغنائم والتبعية لمصادر القرار المتعددة في الدولة، وكل هذا لتقترب من الاحتراف والنجاعة والقوة المطلوبة في دبلوماسية بلد يعاني من مشاكل عدة، ويحتاج إلى جنود الخفاء للدفاع عن مصالحه الاستراتيجية. رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران – كما الذين سبقوه – ابتعد نهائيا عن المجال الدبلوماسي تحت مظنة (المجال المحفوظ)، والحال أن المجال المحفوظ للملك هو التوجهات الاستراتيجية للدبلوماسية المغربية، وليس الإدارة اليومية وتتبع الملفات واختيار الكوادر المؤهَلة واقتراح التعيينات في السفارات والمراكز المؤثرة في وزارة استرتيجية تحولت إلى ملحقة.
المشكلة الرابعة التي ستغيب حلولها في برامج الأحزاب السياسية هي إرادة مدن المستقبل، وحل مشاكل المجال الحضري الذي يتعرض للترييف يوما بعد آخر، أي سياسة مدن جديدة تستوعب أكثر من ٪70‏ من ساكنة المغرب، وتوفر لهم الشغل والنقل العمومي والصحة والسكن والمجال الأخضر والأمن والثقافة والرياضة والفن والترفيه… مدن اليوم غارقة في الفوضى وتضارب الاختصاصات وهدر المال العام وغياب المحاسبة واحتقار المنتخبين من قبل الولاة والعمال.. والنتيجة أننا أمام تجمع بنايات ولسنا أمام مدن، أمام منشآت إسمنتية لا روح فيها ولا معنى ولا جمال ولا ذاكرة، تنتج التوتر والتطرف والجريمة، وترجع بالبلد إلى الخلف عِوَض أن تقود المدن قافلة التمدن والتحضر وتراكم الثروة والتجربة والثقافة في المغرب.
هذه أمثلة فقط، على أربع مشكلات كبيرة لن نجد لها حلا في برامج الأحزاب السياسية التي أصبح جلها جزءا من المشكل وليس جزءا من الحل، وتحولت هي نفسها إلى أدوات لإنعاش التقليد وامتصاص جرعات التحديث التي ينتجها المجتمع والعصر على قلتها للأسف الشديد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تبحثوا عن حلول لهذه المشاكل لا تبحثوا عن حلول لهذه المشاكل



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 17:01 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

مشاريع "زايد الخيرية" في كينيا تبلغ 92 مليون درهم

GMT 09:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتساح كبير لمرتضى منصور في انتخابات نادي الزمالك

GMT 10:01 2016 الإثنين ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شاليه متنقل لممارسة التزلّج والمشي على الجليد

GMT 05:31 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ليلى شندول تنفي خطوبتها على فنان معروف في السر
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya