أبعد من إهانة بنكيران لبلمختار

أبعد من إهانة بنكيران لبلمختار

المغرب اليوم -

أبعد من إهانة بنكيران لبلمختار

توفيق بو عشرين

بنكيران أحرج وزيره في التعليم.. بنكيران أهان بلمختار.. بنكيران تعمد التقليل من شأن وزيره في التعليم، وانتقد مذكرة الفرنسة أمام الرأي العام.. بنكيران لم يراع الانسجام الحكومي، وأطلق النار على واحد من العائلة الحكومية.. بنكيران أخرج المستور، وعبر عن خلافه مع التقنوقراطي الأول في حكومته…

كل هذه العناوين خرجت اليوم في الصحافة الورقية والإلكترونية، وفي تعليقات شعب الفايسبوك. كل واحد يقرأ الحدث الذي وقع في البرلمان يوم الثلاثاء الماضي بمناسبة جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة في مجلس المستشارين. أغلبية التعليقات انتبهت إلى الإحراج الذي وضع فيه بنكيران الشيخ بلمختار، لكنهم لم ينتبهوا إلى جملة أخرى في كلام بنكيران لا تقل أهمية عن الأولى. لنعد الشريط إلى الوراء، وندقق في كل جملة قالها رئيس الحكومة في مرحلة سياسية دقيقة. قال مخاطبا بلمختار: «لقد أشعلت النيران بقرار فرنسة بعض مواد التعليم. هذه أمور سياسية. رئيس الحكومة هو المكلف بها وبتقديرها، ولهذا جلالة الملك نهار اختار رئيس الحكومة لم يختر بلمختار، اختار عبد الإله بنكيران…»، ثم أخبر الرأي العام بمعلومة مهمة، حيث قال: «ثم إنك لم تشاورني عندما أصدرت تلك المذكرة، لهذا كتبت لك رسالة أطلب فيها منك تأجيل الموضوع سنة أخرى لنعمق التفكير في الموضوع».

الجملة التي لم ينتبه إليها جل المعلقين، الذين انتقدوا كلام بنكيران المباشر وتقريعه لوزيره في التعليم، هي: «لم يشاورني يوم أصدر مذكرة فرنسة بعض مواد التعليم». هذا قرار اعتبره بنكيران «تجاوزا من بلمختار لرئيسه». كان الأولى أن يأتي وزير التعليم، الذي يدير أكبر ميزانية في الحكومة والمسؤول عن وزارة المستقبل، إلى المجلس الحكومي يوم الخميس، ويعرض فيه الأمر على رئيس الحكومة وعلى زملائه الوزراء لأن القرار مثير للجدل، وفيه شق تقني وشق سياسي، ثم لكي تتحمل الحكومة كلها، بأحزابها الأربعة، تبعات هذا القرار السلبية والإيجابية يجب أن تشارك في اتخاذه، لهذا قال بنكيران لوزيره: «كنت على وشك إشعال النار». هذه النار لا يراها التقنوقراطي الذي يفصل الإصلاح على الورق دون حساب تداعياته في الشارع، وحتى وإن كان هذا الشارع عاطفيا وشعبويا ولا يعرف مصلحته، فيجب على الوزير أن يمشي معه خطوة خطوة، وأن يقنعه وأن يتدرج معه لا أن يمشي ضد التيار.

هذا المقطع من كلام بنكيران في البرلمان تمرين مهم لطلبة العلوم السياسية حول علاقة السياسي بالتقنوقراطي، وحول طرق اتخاذ القرار في الحكومة المغربية، وحول الطريقة التي يتصرف بها تقنوقراطي في حكومة سياسية، حيث يعتبر جل التقنوقراط وزاراتهم «جزرا معزولة» عن الحكومة، ويرون شرعيتهم مستمدة من الجهات التي عينتهم، وأن أحدا غيرها لا حساب له عندهم، وأن أحزاب الائتلاف الحكومي وظيفتها أن تجيش لهم الأغلبية البرلمانية بمناسبة التصويت على القوانين في الغرفتين، وأن ترد عنهم غارات المعارضة، وأن تعطيهم الميزانيات الضرورية لتنفيذ برامجهم، وألا تسأل عن عملهم بعد ذلك. إنهم مبعوثون خاصون لـ«إنقاذ» قطاعات استراتيجية في الحكومة من ارتجالية السياسيين وحساباتهم الانتخابية والسياسوية، وضمان حسن سير المرافق الحساسة في الأوقاف والداخلية والفلاحة والتعليم والأمانة العامة للحكومة… هكذا يفكر التقنوقراطي الذي يعتبر أن الخبرة فوق السياسة، وأن شهادته تغنيه عن التفويض الشعبي الضروري لممارسة السلطة في النظم الديمقراطية. التقنوقراطي يختصر الطريق للوصول إلى الحكم، والسلطة تعتبره خيارا غير مكلف وأداة، لهذا ينشأ بين الاثنين زواج مصلحة.

الذين عاتبوا رئيس الحكومة على تدخله القاسي في حق وزير التعليم، وقالوا إن الحكومة في المغرب حكومتان، لم يبتعدوا عن الحقيقة. لا توجد حكومة واحدة في المغرب، توجد أكثر من حكومة رغم أن الدستور لا يعترف إلا بواحدة، ورغم أن البرلمان لا يحاسب إلا واحدة… الفريق الحكومي لا يعزف اللحن نفسه، وبنكيران لم يوفق في أن يصير مايسترو لضبط إيقاع فريقه الموسيقي، ولهذا يخرج عن اللباقة عندما يخرج الآخرون عن النص، ويفقد أعصابه عندما يتصرف الآخرون معه بفظاظة. هل هو مسؤول عن هذا الوضع المختل؟ نعم بلا شك يتحمل جزءا من المسؤولية لأنه اختار، منذ اليوم الأول، أن يقود حكومته مرة بالدستور، ومرة خارج الدستور.. مرة بقواعد المنهجية الديمقراطية، ومرة بقواعد المنهجية العرفية. يتحمل مسؤولية الانشغال حد الهوس بتطبيع علاقته بالدولة على حساب دفع الدولة إلى تطبيع علاقتها بالديمقراطية… لكن الآخرين أيضا مسؤولون عن حماية الاختيار الديمقراطي الذي صار ثابتا من ثوابت الدولة المغربية. يقول الفصل الأول من دستور 2011: «تستند الأمة في حياتها العامة إلى ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي». الفصل الثاني من الدستور يشرح مصادر السلطة ومشروعية الحكومة، فينص على أن «السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها الذين تختارهم بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم».

حادثة بلمختار، وقبلها أزمة المادة 30 مع أخنوش، وغيرها، تفتح عيوننا على نمط تدبير السلطة في المغرب خارج الدستور، والذي لا يخلق فقط توترات سياسية ومشادات كلامية وسوء فهم بين الوزراء… هذا أمر يمكن تحمله. نمط تدبير السلطة في المغرب يفوت فرصا كبيرة لإصلاح الاختلالات العميقة في الدولة، ويضعف الثقة في المسار الديمقراطي، ويجعلنا نراوح مكاننا لأننا نخطو خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء، وهذا معناه أننا نظل في مكاننا، ومكاننا اليوم لا يشرف أي مغربي. نحن نجلس في المرتبة 129 على سلم التنمية البشرية، الذي تضعه الأمم المتحدة لقياس التقدم والتخلف في العالم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبعد من إهانة بنكيران لبلمختار أبعد من إهانة بنكيران لبلمختار



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 17:01 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

مشاريع "زايد الخيرية" في كينيا تبلغ 92 مليون درهم

GMT 09:17 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتساح كبير لمرتضى منصور في انتخابات نادي الزمالك

GMT 10:01 2016 الإثنين ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شاليه متنقل لممارسة التزلّج والمشي على الجليد

GMT 05:31 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ليلى شندول تنفي خطوبتها على فنان معروف في السر
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya