بطاقة الشرفا أو صكوك الغفران المغربية

بطاقة الشرفا أو صكوك الغفران المغربية

المغرب اليوم -

بطاقة الشرفا أو صكوك الغفران المغربية

توفيق بوعشرين

حسنا فعل وزيرا الداخلية والعدل عندما أعلنا الحرب على مئات الآلاف من بطاقات الشرفا التي يستعملها عدد من المواطنين للإفلات مع العقاب، أو التملص من القانون، أو الحصول على امتيازات، وإيهام العامة بأن هذه البطائق تعطي حاملها قيمة واعتبارا في مجتمع متخلف يقسم المواطنين إلى شرفاء وغير شرفاء، ويرتب على الانتساب العرقي المزعوم إلى سلالة النبي (ص) امتيازات وحقوقا وخدمات وريعا ومكانة لا تُعطى لمن لا ينتسب إلى الشجرة النبوية التي وضعها نقباء جلهم احترفوا الاتجار باسم الشرفا، وحماية دمائهم النقية وشجرتهم المباركة ودوحتهم الميمونة…

لقد أعطى وزيرا العدل والداخلية الضوء الأخضر للشرطة ووكلاء الملك والولاة والعمال والقياد لمتابعة كل من يشهر بطاقة الشريف المخططة بالأخضر والأحمر أمام المحاكم، وكان الأولى أن تحل وزارة العدل، أولا، روابط الشرفاء الأدارسة والعلويين الذين يبيعون هذه البطائق، ويبيعون معها الوهم والتخلف والميز العنصري لمجتمع مازال الجمود والتخلف يثقل رجليه نحو التقدم والتحرر والتغيير والإصلاح، دعك من الحداثة، فهذه تظهر في بلادنا وكأنها إشاعة أو فيلم من الخيال العلمي…

 تجارة كاملة نبتت على ضفاف روابط الشرفا الكثيرة في بلادنا، وجمعياتهم المنتشرة في كل مكان تبيع بطائق تقضي كل الحاجات وتفتح كل الأبواب، وتحمي صاحبها من الإدارة والشرطة والقانون وحتى الجيران. أكثر من هذا، تطورت هذه التجارة فأصبح النقباء يطبعون les vignettes التي توضع على واجهة السيارات لتقي صاحبها هجمات «الديبناج» و«الصابو»، وتجعل سيارة صاحب الشارة الملونة بالأخضر والأحمر intouchable، ولأن عائدات هذه الصكوك المقدسة تدر أرباحا كبيرة، فإن روابط الشرفا، وكأي شركة تسعى إلى الربح وتنويع منتوجاتها وخلق دوافع لاستهلاك بضاعتها، أصدرت قائمة أسعار شجيرات النسب الشريف، تظهر أن فلانا بن علان يرجع نسبه إلى الحسن أو الحسين، ومنهما إلى فاطمة الزهراء، ثم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وبهذه الطريقة وسع النقباء قائمة زبنائهم من الذين يتهافتون على لقب لالة وسيدي، ويعلقون شجرة نسبهم الشريف في صدر الصالون أو المكتب أو في محافظ نقودهم لإشهارها وقت اللزوم، حتى إن النسب الشريف وجد طرقا سرية بين علم الأنساب إلى كل واحد، عربيا كان أو أمازيغيا أو أندلسيا أو إفريقيا أو حتى أجنبيا. أعرف فرنسيا في البيضاء يعلق شارة على سيارته الفاخرة مكتوب عليها «شرفاء الأدارسة وأبناء عمومتهم رعايا صاحب الجلالة»، وتحت الخطين الأحمر والأخضر العبارة المفتاح: «يجب احترام صاحب هذه الشارة». لقد حول النقباء، الذين يحرسون النسب الشريف في بلادنا، محمد بن عبد الله (ص) إلى آدم جديد أبي جميع البشر. هل تخطر على رؤوسكم هذه الحيلة غير الشريفة…

 الشرفا لم يتركوا بدعة إصدار شجيرات النسب الشريف في حدود بلادنا، بل صدروها إلى الخارج، ووجدوا خليجيين وأفارقة يدفعون بالدولار مقابل التنقيب في سلالة عائلاتهم عن جد مجهول يرجع إلى سلالة علي أو فاطمة أو الحسين أو غيرهم من آل البيت، حتى إن واحدا من نقباء هذه الروابط انتقل من المغرب إلى ليبيا في عهد العقيد معمر القذافي، حاملا معه شجرة نسب هذا الأخير التي وجد لها الشريف المغربي صلة بآل البيت، فوثق هذا النسب المزعوم لقبيلة القذاذفة، ودخل على القائد الثائر، الذي لم يكن يؤمن أصلا بالسنة النبوية ولا سيرة محمد كما صرح في إحدى خطبه البلهاء، فلما رأى القذافي شجرة عائلته وهي تمتد عبر 14 قرنا إلى النبي (ص) ضحك من صاحبنا، وقال له: «أنا أعرف أنني من آل البيت، لكنني محتار في عدد الشجيرات التي بحوزتي عن نسبي الشريف. لقد سبقك آخرون إليّ، وكل واحد يرسم لعائلتي وقبيلتي طريقا مختلفا إلى آل محمد»، وقبل أن ينهي الزعيم الأخضر المقابلة مع النقيب المغربي، أوصى حرسه الثوري بإكرام الشريف، فهو اجتهد ولكل مجتهد أجر حتى لو أخطأ…

هذه الحكايات وغيرها كثير عن الشرفا وعن طرائفهم وعن تلاعبهم بمشاعر الناس الدينية، تصلح تمارين في السوسيولوجيا المغربية، وفي عينات من السلوكات التي تحتاج إلى دراسة لمعرفة خصائص المجتمع المغربي، ومفعول خلط الدين بالسياسة بالنسب الشريف في سلوك السلطة والمخزن بالتحديد.. المخزن الذي رعى لقرون هذا النوع من الاعتقادات لأهداف أخرى.

السياسة مثل الدواء لديها دائماً آثار جانبية على صحة الإنسان، وفي بعض الأحيان تكون هذه الآثار خطيرة على حياة البشر. هذه هي حكاية بطاقة الشرفا، وزد عليها ظهائر التوقير التي كان يصدرها المخزن قبل الاستقلال لبعض العائلات ذات الحظوة، ومازال بعض الأحفاد إلى اليوم يتبجحون بها ويشهرونها في وجه خصومهم، وهذا موضوع سنرجع إليه بتفصيل أكثر… إلى اللقاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بطاقة الشرفا أو صكوك الغفران المغربية بطاقة الشرفا أو صكوك الغفران المغربية



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 08:36 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

سيخيب ظنّك أكثر من مرّة بسبب شخص قريب منك

GMT 17:16 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تكبير الأرداف من دون عملية

GMT 19:26 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

"إلعب إلعب" أغنية سناء محمد الجديدة على يوتيوب

GMT 03:38 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

6 علامات تُشير إلى مشاكل في الغدة الدرقية
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya