بنكيران «رجاوي» في السياسة

بنكيران «رجاوي» في السياسة

المغرب اليوم -

بنكيران «رجاوي» في السياسة

توفيق بوعشرين

أن يأتي رئيس حكومة في آخر سنة له في السلطة، وبعد دستور جديد وربيع واعد وحراك شبابي كبير، ويقول للجمهور إن عمله على إصلاح الأوضاع في المغرب مهمة تكاد تكون مستحيلة (كما لو كنا نحاول المستحيل، يقول بنكيران)، فهذا معناه أن بلادنا لم تضع بعد قاطرتها على السكة الصحيحة، وأن التحول الديمقراطي الموعود أمامه نفق مظلم ومنعرجات لا يعرف أحد ماذا سيخرج منها.

عبارة «كما لو أننا نجرب المستحيل»، التي قالها بنكيران لشعب الفايسبوك في لحظة اعتراف حقيقية بالصعوبات التي تلاقيها الحكومة في إدارة السلطة والثروة في هذه البلاد، عبارة علينا أن نشكر بنكيران عليها. رئيس حكومة يخبرنا بحقيقة الوضع دون لف ولا دوران ولا لغة خشب.. هذا مكسب سياسي وإعلامي كبير، لكن بعد أن نشكره على الصراحة التي لم يتمتع بها من سبقوه إلى المنصب، لا بد أن نطرح عليه السؤال الصعب: لماذا وصل بلدنا إلى هذا المسار الصعب والشاق، الذي تحول فيه الإصلاح إلى ما يشبه مهمة مستحيلة؟

التجربة المغربية ليست جديدة على النضال الديمقراطي، والشعب المغربي دفع ثمنا غاليا من حياة مناضليه وحريتهم واستقرارهم وسلامتهم على مدى خمسة عقود من النضال في سبيل الحرية والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وحكم القانون ودولة المؤسسات… لقد قدم الوطنيون تضحيات كبيرة من أجل استقلال البلد، ودفع الديمقراطيون في اليسار واليمين فواتير باهظة للتصدي للاستبداد والحكرة وحكم الفرد، وقدم الحقوقيون ملاحم من الصمود في وجه التسلط ودولة «ليدوا نخليو دار بوه»، وكتبت النقابات صفحات مشرقة من نضال العمال الذي اختلط بنضال أحزاب الحركة الوطنية من أجل الديمقراطية، ومن أجل توزيع عادل للسلطة والثروة وفصل السلط وحكم المؤسسات، ثم دار الزمن المغربي دورته، وجاء شباب 20 فبراير يحلمون بمغرب آخر، وسياسة أخرى، واقتصاد آخر، ومواطن آخر. عادت الروح إلى شوارع الاحتجاج السياسي والاجتماعي، وظهر أن هناك موعدا جديدا مع حلقة أخرى من مسار الانتقال الديمقراطي السلمي بعد فشل المسار الأول، الذي وضع أسسه الملك الراحل الحسن الثاني وعبد الرحمان اليوسفي.. هذا الأخير الذي أعلن وفاة هذا المسار في محاضرته الشهيرة في بروكسيل… جاء دستور جديد متقدم على دستور الملك الراحل، ونظم المغرب انتخابات تشريعية سابقة لأوانها لا تشبه ما سبقها من انتخابات، وصعد حزب من المعارضة كان منبوذا، فصار بحوزته 107 برلمانيين في الغرفة الأولى، وانتشر في الآفاق وعد بإصلاح حقيقي في ظل الاستقرار… وصدق الناس الوعد، خاصة أن الحكومة الجديدة دخلت إلى بيت الحكم وبيدها دستور متقدم، وأغلبية واضحة، وشعبية كبيرة، ورئيس حكومة جديد يده بيضاء وحزبه قوي والمحيط العربي والدولي في صالحه.

كل هذه «التعبئة السياسية» لم تنفع سوى في إصلاحات جزئية لصندوق المقاصة وزيادة رمزية في منحة الطلبة ومساعدة الأرامل، وتخفيض ثمن بعض الأدوية، ومعاقبة بعض صغار القضاة، وجلهم كان يعاني مشاكل نفسية.. هذا كل ما في الأمر؟

بنكيران أوصى برلمانيي حزبه، في آخر جلسة معهم، «بالعمل، وإدراك حجم الصعوبات التي تحيط بالحكومة، وفي كل الأحوال، الخير إلى الأمام».. كيف يا سيد بنكيران؟ هذه بشارة أم برنامج سياسي؟

جواب بنكيران عن هذا السؤال جاء على لسان مشجعي فريق الرجاء، الذين نقل عنهم السيد رئيس الحكومة شعارهم الذي يقول: «غير لعبو غادي نربحو غادي نربحو»، بمعنى أن زعيم الإسلاميين يقول لمناضلي حزبه: «استمروا في النضال والعمل، الربح سيأتي مع الوقت، سواء اليوم أو غداً أو حتى بعد غد أو في القرن المقبل»… هذا كلام يصلح لرفع المعنويات، لإشاعة الأمل، للتحفيز، للتشجيع، لكن حتى فرق كرة القدم تحتاج لتنتصر في المباراة إلى أكثر من تشجيع الجمهور.. هذا عامل معنوي يأتي بعد وجود مدرب له خبرة، وخطة محكمة، وتداريب مستمرة وروح قتالية، ومباراة لها حكم يفرض على الجميع التقيد بقواعد اللعب النظيف والشفاف.

لهذا، السيد بنكيران مطالب بأن يشرح لمناضلي حزبه وللرأي العام خطته في اللعب من أجل إحراز أهداف ديمقراطية في مرمى السياسة، وألا يكتفي بتحفيز الفريق على الجري في الملعب والركض طوال الوقت.

عبد الإله بنكيران استشهد بالرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، الذي قال في مذكراته بعد أن أصابه المرض: «أعرف أنني سأموت، لكنني على يقين أن شمسا مشرقة ستسطع على أمريكا بعدي، وأن ازدهارا وقوة وعدلا وثروة ستطل على هذه البلاد»… إذا كان ريغان متأكدا أن شمسا مشرقة ستطل على بلده، فأنا أعتقد أن جمهورا واسعا من المغاربة ليست لهم نفس قناعة ريغان بخصوص المغرب.

السؤال الآن هو: هل أضاع بنكيران أوراقا رابحة كانت في يده ليجعلنا نؤمن بنفس ما آمن به ريغان لمستقبل بلده؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بنكيران «رجاوي» في السياسة بنكيران «رجاوي» في السياسة



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 08:36 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

سيخيب ظنّك أكثر من مرّة بسبب شخص قريب منك

GMT 17:16 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تكبير الأرداف من دون عملية

GMT 19:26 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

"إلعب إلعب" أغنية سناء محمد الجديدة على يوتيوب

GMT 03:38 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

6 علامات تُشير إلى مشاكل في الغدة الدرقية
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya