رمضان وأنواع الصيام

رمضان وأنواع الصيام

المغرب اليوم -

رمضان وأنواع الصيام

توفيق بوعشرين

رمضان كريم، تقبل الله منكم الصيام والقيام وأعمال الخير، أما بعد.. ها هو الشهر الفضيل يطل علينا بوجهه الصبوح فاتحاً ذراعيه لأمة الإسلام، باسطا يده لمن يريد أن يتخفف من أعباء الدنيا، وأن يرتقي إلى روحانية الدين وإلى قيمه الكبرى وإلى مقاصده العميقة، بعيدا عن التظاهر بالورع، والتشبث بالطقوس الفارغة من أي مضمون.

المغاربة يقدسون رمضان أكثر من أي شعائر أخرى في الإسلام.. ربما لأنه طقس جماعي، وفيه يختلط التدين الشعبي بالتقاليد الاجتماعية الراسخة، والطقوس الدينية بروح التضامن وقيم العائلة.. رمضان شهر للصيام عن الأكل والشرب والجنس من مطلع النهار إلى غروب الشمس. لكن هذا الصوم يمكن أن يتسع ليشمل الصوم عن الظلم والجور، والصوم عن استغلال البشر وإهانة كرامة الإنسان، والصوم عن العنف ضد المرأة والتحرش بها في الأماكن العامة، والصوم عن المس بالمال العام، وهدر الوقت، والتلاعب بمصالح الناس في المرفق العمومي، والصوم عن الكلام القبيح والعبارات العنصرية المشينة التي نسمعها كل يوم في الشارع، والصوم عن خرق قانون السير وقوانين التربية المدنية، والصوم عن تعذيب البشر والمس بسلامتهم، والصوم عن الفساد في كل مجالات الحياة العامة والخاصة…

إنه صوم يمكن أن يتسع ليشمل كل الأعطاب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يعج بها واقعنا المغربي، حيث الأخلاق محصورة في الخطاب، والقيم مكانها البيت، فيما المجال العام مستباح بلا حارس ولا بواب. وظيفة الخطاب الديني الرسمي والشعبي أن يساعد الناس على ربط التدين بالأخلاق العامة، وبالتربية على القيم وليس فقط على الشعائر، فليس الصوف هو الذي يصنع الزاهد أو العابد…

في رمضان يصوم المغاربة لكن استهلاكهم للمواد الغذائية يرتفع، وفي رمضان يصلي المغاربة لكن العنف يزداد، وفي رمضان تمتلئ المساجد لكن التقوى الجماعية لا تتسع، تظل التربية المدنية متدنية واحترام الآخر في حدوده الدنيا أو أقل. في شهر الصيام تصبح الأعصاب مشدودة إلى آخر وتر فيها، والاستعداد للعنف والخصام في أوجه، لماذا لا ينفذ الصيام إلى عمق بعض النفوس؟ لماذا لا يظهر التدين الفردي على سطح الممارسة الاجتماعية؟ البعض يسمى هذا نفاقا، والبعض يقول إنه تشبث بالطقوس دون القيم، والبعض يقول إن التناقض سمة البشر، وإنه لا يوجد على الأرض إنسان تتطابق قناعته مع سلوكه مائة في المائة، دائماً هناك مسافة فاصلة. الشعوب المتقدمة هي التي تقلص المسافة بين المبدأ والمصلحة، بين القانون والغريزة، بين العدالة الجماعية والأنانية الفردية.. ترى هل نحن المسلمون عاجزون اليوم عن تقليص هذه المسافة رغم كل مخزون التدين الذي يطبع حياتنا من الصبح إلى الليل؟ متى يتطابق الدين والإيمان والطقوس والقيم والشعائر والسلوكات في حياتنا اليومية…

شهر رمضان قوس في السنة مخصص في الإسلام للمراجعة، للنقد، للعودة إلى الله، لتصحيح الاعوجاج في النفوس، للإحساس بالضعفاء والمساكين واليتامى والمهاجرين (أبناء السبيل).. شهر لمراجعة الثقافة المادية وقانون الربح والخسارة، وقاعدة لكل شيء ثمن «وليمعندوش ما يسواش»… رمضان وقفة تأمل، ووقفة رفض التطبيع مع تشييء الإنسان، مع قانون السوق، ومع ثقافة المادة، مع سطوة الغريزة، مع سلطة الرغبة. رمضان تمرين روحي وجسدي للتخلص من المادة والتعلق بالروح، وباللامادي في المخلوق. رمضان ليس فقط شهرا للعبادة والثواب استعدادا للآخرة، هو أيضا تمرين للعيش في الدنيا بسلام وتوازن، ولنشر قيم العطاء والخير والمحبة والزهد والتسامح والتضحية، ولجم الغرائز، حتى الحيوي منها مثل الأكل والشرب والجنس. إنها رياضة للتحكم في نوازع النفس البشرية، وقيادتها نحو الصلاح والخير وخدمة الآخرين دون انتظار أجر أو شكر أو ثواب إلا من خالق الناس… رمضان مناسبة لكي يضع المجتمع نفسه أمام المرآة… لكي يعيد قياس المسافة التي تربطه بالدين، بالقيم، بالروحانيات والآخرين…

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رمضان وأنواع الصيام رمضان وأنواع الصيام



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 08:36 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

سيخيب ظنّك أكثر من مرّة بسبب شخص قريب منك

GMT 17:16 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تكبير الأرداف من دون عملية

GMT 19:26 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

"إلعب إلعب" أغنية سناء محمد الجديدة على يوتيوب

GMT 03:38 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

6 علامات تُشير إلى مشاكل في الغدة الدرقية
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya