سينما وسياسة ودعارة

سينما وسياسة ودعارة

المغرب اليوم -

سينما وسياسة ودعارة

توفيق بو عشرين


لم تصبر الحكومة على الضجة الكبيرة التي أحدثتها اللقطات الصادمة التي سربها المخرج نبيل عيوش عن فيلمه «الزين للي فيك».. مرت إلى سلاح المنع من العرض في محاولة لإغلاق باب الجدل الساخن الذي إثارته المشاهد الصادمة المسربة عن فيلم حول الدعارة في مراكش…
ليس من عادتي أن أبدي رأيا في موضوع لا أعرفه، ومن ثم لن أناقش هنا فيلما لم أشاهده، لكنني مضطر، وقد أصبح الموضوع عاما بل وشاغلا للناس، أن أبدي رأيي فيه مساهمة في تنشيط الحوار دون ادعاء ترشيده أو تأطيره، فهذه ليست مهمة الصحافي وكاتب الرأي…
تحدثت مع المعنيين بقرار المنع أمس، وسألتهم: «لماذا لم تكتفوا برد الرأي العام على ما اعتبره استفزازات فيلم عيوش للمغاربة؟»، فقال المسؤولون: «الحكومة لها مسؤولية، ونحن لم نتحرك إلا عندما شعرنا بالخطر، وباحتمال تحول المشاعر الغاضبة لقطاعات واسعة من الرأي العام إلى نوع من العنف. ماذا لو اتجه بعض الغاضبين غداً إلى سينما وأحرقها لأنه رأى في الفيلم اعتداء على قيمه وأخلاقه؟»، قلت للمسؤول: «لكن هذا ليس مبررا كافيا لمنع فيلم خشية رد فعل محتمل لشاب غاضب. واجب الأمن أن يتصدى للذين يستعملون ‘‘شرع اليد’’. البلاد فيها قانون»، فرد المسؤول: «هناك أكثر من مبرر فرض هذا المنع. هناك صورة المغرب وسياحته في الخارج، مثل هذه الأفلام تلصق كليشيهات سلبية عن بعض المدن والدول يصعب مسحها. انظر الآن إلى الكليشي الذي ألصق بالتايلاند، تصعب إزالته رغم أن السياح الذين يقصدون هذه الوجهة لا يطلبون في غالبيتهم المنتوج الجنسي». قلت له: «أنا أتفق معك حول ضرورة الانتباه من قبل الفنانين والصحافيين، وكل من يبعث رسالة ما أو صورة ما عن مكان أو قضية أو إنسان، إلى قضية ترويج الكليشيهات قصدا أو بلاهة، لكن هذا التزام أخلاقي وليس قرارا إداريا. وظيفة المركز السينمائي المغربي ووزارة الاتصال أن يحاورا المخرجين.. أن ينبها إلى هذه النقطة، لكن ضمير الإنسان هو الحكم في نهاية الأمر». كلام لم يقنع المسؤول المغربي الذي قال: «وماذا عن صورة المرأة والإساءة إليها في مثل هذه الأفلام؟ ثم لا تنس أن قرار السماح بعرض الفيلم في المغرب يعني أن السلطات تعطيه شرعية، أي أنها تعترف به وبما قام به». قلت له: «ليس بالضرورة عندما تسمح الإدارة بعرض فيلم أو دخول كتاب أو نشر جريدة أنها تعطي كل هذه المنتجات شرعية أو تنزع عنها شرعية. أبدا، هذا إجراء تنظيمي وليس قرارا إيديولوجيا. الإدارة ليست طرفا في أي سجال فني أو صراع فكري أو خلاف إيديولوجي. الإدارة تسهر على التنظيم وعلى احترام القانون وعلى إدارة تناقضات المجتمع بالتي هي أحسن».
الفيلم سيحكم عليه الجمهور والنقاد الفنيون، الباقون عليهم أن يتابعوا المشهد وأن يستخلصوا الدرس. أنا شخصيا ضد المنع الإداري، وضد تدخل القضاء في موضوع فني، ومع إعطاء الكلمة للجميع ليعبروا عن آرائهم. علينا أن نتعلم كيف نصرف خلافاتنا وتناقضاتنا بشكل سلمي وحضاري. أقول هذا الكلام وأنا واحد ممن لا تستهويهم جل أفلام عيوش وغير عيوش، لكن هذه مسألة ذوق وثقافة، لكن لا يمنعني هذا من أن أحذر من انزلاق السياسيين إلى هذا المستنقع الذي يمكن أن يؤدي إلى تقاطبات إيديولوجية نحن في غنى عنها. لقد شرع السيد عيوش في البحث عن دور الضحية في فرنسا حتى قبل قرار الحكومة بمنع الفيلم، وهو يعرف أن الكليشي السهل موجود: «الحكومة الملتحية تهدد الفن والإبداع وحرية التعبير»، وكأن البلاد كانت سويسرا قبل مجيء بنكيران، وكأن الشعب المغربي ليبرالي وحداثي أبا عن جد…
الضجة التي وقعت حول فيلم «الغوايات الأخيرة للسيد المسيح»، لمخرجه مارتن سكورسيزي، سنة 1984، وكفلت له نجاحا وترويجا منقطع النظير، أغرت كثيرين في الغرب والشرق وفي الشمال والجنوب بتقليد هذا الأسلوب في صدمة المشاهد وإثارة الجدل واستثارة الفضول، لكن الذي لا ينتبه له المقلدون أن قصة فيلم المسيح كان وراءها كاتب كبير اسمه نيكولاس كازانتراكس، وأمامها مخرج كبير أيضاً هو سكورسيزي، وأن الأطياف الحميمة التي خطرت للشخصية التي جسدت السيد المسيح وهو مصلوب كان الغرض منها تبليغ فكرة جوهرية في الفيلم، وهي أن السيد المسيح بشر من لحم ودم ومشاعر، وأنه ليس إلها. الذين جروا خلف إحداث الصدمات لدى الجمهور واللعب على التابوهات نسوا أو تناسوا أن السينما إبداع أولا، فن ورؤية ولمسة، وبعدها يمكن مناقشة كل شيء، لكن بدون إبداع، الذي هو جواز المرور إلى الساحة الفنية، لا يمكن أن نتحدث عن لقطة هنا وكلمة هناك، عن قصة بلا حبكة وفيلم بلا سيناريو، ومخرج بدون نظرة إلى العالم والإنسان وقضاياه…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سينما وسياسة ودعارة سينما وسياسة ودعارة



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 08:36 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

سيخيب ظنّك أكثر من مرّة بسبب شخص قريب منك

GMT 17:16 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تكبير الأرداف من دون عملية

GMT 19:26 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

"إلعب إلعب" أغنية سناء محمد الجديدة على يوتيوب

GMT 03:38 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

6 علامات تُشير إلى مشاكل في الغدة الدرقية
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya