توفيق بوعشرين
نزل رفاق الزايدي من سفينة اتحاد إدريس لشكر بعد تردد ومخاض دام أكثر من سنتين. اجتمعوا السبت الماضي قريبا من جماعة وادي الشراط ببوزنيقة، حيث غرق الراحل أحمد الزايدي وتبعه عبد الله بها، وأصدروا المانيفست الأول لميلاد حزب اشتراكي جديد، يتصوره رفاق دومو والشامي وكرم وطارق واليازغي الابن… تجسيدا للروح التي ماتت في الاتحاد الموجود في شارع العرعار بحي الرياض في الرباط، وتطلعا إلى مواصلة مشروع عبد الرحيم بوعبيد، الذي ولد في السبعينات كحزب اشتراكي هدفه دمقرطة الدولة والمجتمع، وزرع بذور الحداثة في الجسم المغربي الميت بفعل الاستبداد والجمود…
لست متفقا مع الذين يرون أن المغرب في غنى عن أحزاب جديدة، ولا أرى أن البلاد وصلت إلى التخمة الحزبية، ببساطة لأن المشهد السياسي المغربي فيه الكثير من الأحزاب والقليل من التعددية، 9٪ فقط من المغاربة ينتمون أو يتعاطفون مع حزب أو جمعية أو نقابة في المغرب، وهذا بشهادة كل استطلاعات الرأي، والأبحاث الميدانية التي قامت بها جهات مستقلة وغير مستقلة. 34 حزبا، التي تظهر في مواسم الانتخابات وتختفي طوال العام، لا تمثل حتى أصحابها، ثم إن الخارطة الحزبية عرفت تجريفا مريعا جعل من جل الأحزاب بيضا في سلة واحدة، وقطيعا يساق على خط مستقيم، بعضه إلى الغدير وبعضه إلى المجزرة…
الحزب الجديد أمامه فرصة كبيرة ليشكل بديلا يساريا وحداثيا مستقلا وعقلانيا وصاحب مشروع. أمام الحزب الجديد فرصة لأن يشكل بداية انطلاق الجيل الثاني من الأحزاب في المغرب.. حزب منفتح عصري وديمقراطي يحتل الشباب واجهته الرئيسة، وتشكل وسائل الاتصالات الحديثة مقراته وإعلامه وفضاءاته التواصلية المثلى. حزب يرد الاعتبار للمسألة الاجتماعية دون شعبوية، ويتمرس على الممارسة السياسية الحداثية دون نزعة راديكالية، ويتبنى الحوار مع الشباب دون نزعة انتخابوية، وينفتح على المجتمع دون نظرة علوية. حزب يجعل من الديمقراطية والاستقلالية والجرأة ونضال القرب مبادئه النظرية والعملية. حزب يقول نعم ويتحمل مسؤوليتها، ويقول لا ويؤدي ثمنها.
إذا نجح رفاق الزايدي في تأسيس حزب شبيه ببوديموس في إسبانيا، الذي تأسس تحت شعار حملة أوباما الانتخابية «نعم نستطيع» (yes we can)، فإنه سيقدم للمشهد السياسي قيمة مضافة وسيعطي ميلاده معنى، وهذا لن يتحقق سوى بثلاثة شروط في ما أرى…
أولا: لا بد من التخلص من عقدة الانشقاق عن الاتحاد الاشتراكي، ونسيان لشكر والمالكي وبديعة الراضي والخلافات مع الرفاق القدامى، والاتجاه إلى بناء حزب جديد بخطاب جديد ونفس جديد وهواء جديد. لا تسقطوا في الفخ الذي سقط فيه من سبقكم، ممن غادر خيمة الاتحاد وظل مشروعه وخطابه ولسانه يلهج بنقد الاتحاد ومن بقي في الاتحاد. انتقاد لشكر وأتباعه لا يصنع بديلا، بل يضيع على صاحبه التفكير في بديل آخر، أمامكم أرض واسعة، وفئات عذراء لم تدخلها السياسة بعد، هذه هي الفئة المستهدفة لا بقايا الأحزاب وبقايا التنظيمات التي أصيبت بأمراض اليسار التي تعرفونها.
ثانيا: يجب على الحزب الجديد أن يمتلك طول النفس، وألا يعتبر أنه في سباق مع الزمن الانتخابي. نعم الانتخابات فرصة لصقل المشروع وتجريب خطابه، وقياس حرارة تجاوب الناس معه، لكن في الوقت نفسه لا توجد أحزاب تطبخ على شاكلة الأكلات السريعة «Fast Food». الحزب الحقيقي طاجين ينضج على نار هادئة، ولا يسمح لتجار الانتخابات بأن «يسلقوه»، أو يحقنوه بالمنشطات التي يبيعها الأعيان في كل انتخابات، فيرهنوا الأحزاب ومشاريعها بحساباتهم الريعية وسياستهم الانتهازية…
ثالثا: يجب أن يكون للحزب الجديد خطاب سياسي وفكري واجتماعي واقتصادي واضح، وألا يضع رجلا هنا ورجلا هناك، وأن يقرب المسافة إلى أبعد حد ممكن بين الخطاب والممارسة، بين ما يعد به الناس وما يطبقه عمليا، وألا يتساهل مع الفساد لأنه فيروس قتل من الأحزاب أكثر مما فعل أي نظام تسلطي يكره التعددية الحزبية…
البلاد بحاجة إلى تنزيل ديمقراطي للدستور من أجل الوصول إلى الملكية الثانية التي تمهد للمِلْكِيَّة البرلمانية، والبلاد بحاجة إلى سياسات عمومية تجعل من تنمية الإنسان صلب اهتماماتها. في المغرب دولة تحتاج إلى إصلاح عميق لأجهزتها حتى تدور وفق المنهجية الديمقراطية. المملكة تحتاج إلى من يعيد إلى السياسة اعتبارها وقيمتها وجدواها، وألا نترك المملكة بيد التقنوقراط ومراكز القوى الذين اختطفوا القرار الاستراتيجي من الأحزاب والحكومات والبرلمانات، وتركوا الجميع يتصارعون على الفتات. البلاد بحاجة إلى مشروع نهضة يخرجها من خانة التخلف إلى مصاف البلدان الصاعدة. إلى الآن نحن نرقع دربالة نظام الحسن الثاني، رحمه الله، وحتى هذه المهمة مازالت متعثرة…